ليث صديق: أسعى لنشر الموسيقى العربية عالمياً

الفنان الأردني يشرف على تعليم أساسياتها في أميركا

الفنان الأردني ليث صديق  (الشرق الأوسط)
الفنان الأردني ليث صديق (الشرق الأوسط)
TT

ليث صديق: أسعى لنشر الموسيقى العربية عالمياً

الفنان الأردني ليث صديق  (الشرق الأوسط)
الفنان الأردني ليث صديق (الشرق الأوسط)

خطوات سريعة وثابتة يقطعها الفنان الأردني من أصول عراقية، ليث صديق، مدير فرقة الموسيقى العربية في جامعة تافتس بالولايات المتحدة الأميركية في مشواره الموسيقي العالمي؛ فبعد دراسته للموسيقى الغربية الكلاسيكية في أشهر الأكاديميات المتخصصة ومنها مدرسة تشاتهام في بريطانيا، وجامعة بيركلي بأميركا، وفوزه بالجائزة الثانية في مسابقة سايفرت الدولية للكمان في بولندا التي منحته أيضاً لقب «عازف كمان استثنائي» عام 2018، وذلك قبل حصوله على جائزة «الفنان العالمي لعام 2020» في جوائز بوسطن للموسيقى، يشرف خلال عام 2021 على مشروع موسيقي ضخم بمركز «كارنيغي هول للموسيقى» في نيويورك لتعليم أساسيات الموسيقى العربية، وتنظيم برامج أكاديمية متعلقة بها لمعلمي وطلبة المدارس الأميركية لدعم الحوار ببن الحضارات وتعزيز الثقافة الفنية الرفيعة لدى المستمع الغربي، كما يؤلف أغنية عربية ليشدو بها أعضاء Boston Children’s Chorus كورال بوسطن للأطفال في حفل ينطلق صيف 2021. وفي تحدٍ للجائحة، يستمر الفنان في تقديم ثنائيات موسيقية مع فنانين عرب وأجانب، أمثال أحمد الحجار، ونسيم الأطرش، وعلاء وردي، وإديمار كولون، ومارتا روما، وبثها عبر قنواتهم على «يوتيوب»؛ لكي يستمر صوت الموسيقى يصدح للإنسانية على الرّغم من توقف الحفلات الفنية.
ويسترجع صديق ذكرياته مع البدايات في حواره مع «الشرق الأوسط»، «ولدت في العراق لأبوين موسيقيين، هما المايسترو محمد عثمان صديق، عازف البيانو وقائد الفرقة السيمفونية العراقية حتى انتقاله إلى عمان، وكان عمري حينئذ عاماً واحداً في بداية التسعينات ليؤسس ويقود فرقة الأوركسترا الوطنية الأردنية، وأمي عازفة الكمان المعروفة زينب السامرائي»، مؤكداً «فتحت عينَي على الحياة والموسيقى تحيط بي، فقد كان منزلنا كالصالون الثقافي مفتوحاً للمطربين والملحنين والعازفين من مختلف دول العالم، وأتذكر الأحاديث الفنية الممتعة والبروفات الموسيقية، وفي هذه الأجواء وجدت نفسي بين يدي آلة الكمان؛ فهي تكتسح وجدان عازفها قبل مستمعها».
تتلمذ صديق على يد الموسيقي الأذربيجاني تيمور إبراهيموڤ في الأردن فمنحه أساسيات العلم واستكمل تعليمه في واحدة من أعرق المدارس المتخصصة، وهي مدرسة تشاتهام Chetham’s School of Music في مانشستر، وتبع ذلك دراسته وتخرجه في جامعة بيركلي بدرجة الماجستير، وعلى الرغم من دراسته للموسيقى الكلاسيكية الغربية، فإنه ملأ وجدانه الشغف بالموسيقى العربية في مرحلة لاحقة، حتى أضحى من أهم حراسها المحافظين على هويتها وانتشارها بشكل معاصر في العالم.
ومثلما أسس الفنان الذي يقيم في بوسطن بأميركا منذ نحو 10 سنوات فرقاً موسيقية للحجرة، وعزف مع كبار الفنانين الغربيين، فإنّه أيضاً يشارك في العديد من المشاريع المرتبطة بموسيقانا، ومنها قيادة فرقة الموسيقى العربية في جامعة تافتسTufts University التي يعمل أستاذاً بها، وهو ما يفسره قائلاً «أثناء دراستي بجامعة كارنيغي شعرت بحنين جارف لهويتي وحضارتي العربية، كنت أبحث عن كل ما يتعلق بها، وكان أقرب شيء لي هي دراسة الموسيقى العربية، لا سيما بعد لقائي وانبهاري بأستاذي الموسيقار الكبير سيمون شاهين، حيث وجدت سحراً في الموسيقى العربية، لروعة استخدام المقامات والألحان والتنقلات المقامية، كما أنّ الاستعانة بالشعر العربي في الأغاني يمس القلب ويذيبه».
يُعد فوز صديق بجائزة أفضل فنان عالمي لعام 2020، في مسابقة بوسطن للموسيقى تتويجاً لجهوده في تعزيز وتطوير الموسيقى وعزفه المتفرد «فتحت هذه الجائزة أمامي آفاقاً واسعة وكانت حافزاً لي على الاستمرار؛ فهي عبارة عن تكريم لفنانين أثروا المجتمع الموسيقي؛ ما جعلني أشعر أنني أسير على الطريق الصحيحة».
في حين يشكل عمله مديراً لفرقة «جامعة تافتس الأميركية للموسيقى العربية» في بوسطن جانباً آخر بارزاً من مشواره الفني، كما أنّه جزء من مشروع تعليمي مهم في مؤسسة كارنيغي، يقول «أُعلّم من خلال هذا المشروع الموسيقى العربية لمعلمي الموسيقى في مختلف مدارس الولايات المتحدة؛ ما يساهم في نشرها ومحو أي أفكار خاطئة مسبقة عن ثقافتنا».
ويرى صديق، أن الدراسة الأكاديمية لم تصل بعد للمستوى المنشود في المشهد التعليمي العربي؛ إذ تركز المعاهد على الموسيقى الكلاسيكية الغربية، ويُعد البحث عن مُعلم موسيقي أو مكان لتعليم الموسيقى العربية مهمة صعبة، باستثناء مصر؛ ولذلك مما يشغلني عند العودة لوطني هو تعليمها بطرق وأسس علمية صحيحة».
يحتفي الفنان الشاب أيضاً بالتأليف، وينفّذ الآن مقطوعة موسيقية عربية تستعين بكلمات ومقامات عربية بتوزيع معاصر سيغنيها أطفال Boston Children’s Chorus في حفل شهر يونيو (حزيران) المقبل؛ سعياً لإعادة إحياء الموسيقى الكورالية من خلال ضخ مؤلفات جديدة.
ولا يُعد التأليف الموسيقي جديداً بالنسبة للفنان الذي أصدر من قبل ألبوم «ابن دجلة» منذ نحو 5 سنوات وتضمن دمجاً بين الموسيقى العراقية وموسيقى الجاز الأميركية «التأليف خطوة مهمة في الحفاظ على الموسيقى العربية حتى تبقى خالدة في آذان ووجدان الناس، وهو نوع من التوثيق لوقتنا الحالي يأخذنا إلى المستقبل».
إلى ذلك، لم يؤثر التعليم والتأليف على ولع ليث صديق بالعزف: «أترجم كل شيء إلى موسيقى، حتى صوت عربة الإسعاف، أقضي نحو 6 ساعات يومياً في العزف؛ فالكمان يعد جزءاً من تكويني الجسدي والنفسي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».