إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

رواياتنا بالعبرية

لم تخمد، بعد، جمرة هذه القضية. وملخصها أن مترجمة من فلسطينيي الداخل، هي ريم غنايم، قامت بترجمة رواية «المشرط»، للكاتب التونسي كمال الرياحي، إلى اللغة العبرية. وبعد صدورها، نشرت عنها صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقالاً. وأوردت غنايم صورة المقال على صفحتها في «فيسبوك»، مع ترجمة عربية له، ونقل الرياحي المنشور وشارك أصدقاءه به.
ثار عليه الرافضون للتطبيع. وتطورت القضية في تونس إلى مطالبات بإزاحته عن موقعه، بصفته مديراً لبيت الرواية. وسارع الرياحي إلى حذف المنشور من صفحته، والاعتذار عما بدر منه. ونشر بياناً يؤكد فيه أن لا علاقة تربطه بتلك الصحيفة، ولا بأي مؤسسة إسرائيلية. وتضامن مع الروائي التونسي عشرات الروائيين والمثقفين العرب، من باب حرية الأديب ورفض القيود على الفكر.
لست هنا بصدد الحديث عن التطبيع، ولا عن الرياحي الذي يعيش خصومات داخلية قديمة متجددة؛ الحديث عن ترجمة الروايات العربية إلى العبرية: هل تجوز أم تُلعن ويُرجم أصحابها؟
قبل فترة، نقل لي البريد الإلكتروني رسالة من كفاح عبد الحليم؛ قالت إنها صحافية مترجمة من فلسطينيي 48، مسؤولة حقوق النشر في مشروع «مكتوب»، وشرحت لي أنه مشروع مخصص لترجمة الأدب العربي إلى العبرية، وقد صدرت عنه 8 روايات في سنتين، من بينها: «أولاد الغيتو» لإلياس خوري، و«زمن الخيول البيضاء» لإبراهيم نصر الله، و«ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي. وأضافت بالنص: «مشروعنا ليس مشروعاً أدبياً فقط، بل هو يسعى إلى اختراق الوعي الإسرائيلي من خلال الأدب، أو من خلال ما سماه كاتبنا الراحل سلمان ناطور الذي كان من بين مؤسسيه: التشابك الثقافي مع الجمهور الإسرائيلي. لهذا فنحن نعمل على اختيار كتب بإمكانها أن تحدث تغييراً في الوعي الإسرائيلي، وفي نظرته إلى العالم العربي عامة، والفلسطيني خاصة».
كان المطلوب أخذ موافقتي على ترجمة روايتي «النبيذة» إلى العبرية. وأرفقت لي كفاح عبد الحليم رابطاً لموقع مشروع «مكتوب» على الإنترنت. وبما أنني غير معنية بـ«اختراق» الوعي الإسرائيلي، فقد رددت على الرسالة بما يلي: «لا أشك في أهمية مشروعكم، لكنني لا أميل لترجمة كتبي في مشروع لاحظت أن جهات إسرائيلية تدعمه». وبعد أسابيع، عادت كفاح لتكتب لي أنهم ما زالوا معنيين بترجمة روايتي. وربما كان سبب الإصرار هو أن إحدى الشخصيات الرئيسية في «النبيذة» فلسطيني مقدسي نزح إلى آخر الدنيا، وتبعثرت حياته وحياة عائلته بسبب الاحتلال الإسرائيلي. والرواية تتابع تغريبته من لحظة ولادته في حي البقعة الفوقا حتى انطفائه في فنزويلا.
عدت وكتبت لكفاح أنني لا أتعامل مع الإسرائيليين، لكنها تستطيع ترجمة الرواية، مع الإشارة إلى أنني لست طرفاً في الموضوع. سألتني عن حقوق المؤلف، وذكرت لي مبلغاً، فطلبت منها أن يذهب إلى أي جمعية فلسطينية تُعنى بالتعليم. وفيما بعد، كتبت لي: «هناك جمعية صغيرة تعمل مع الشباب والنساء في قرية الرينة العربية، وهي تركز على توجيه الشبيبة للنشاطات التثقيفية والرياضية، بدل تدهورهم إلى العنف. والجمعية في حاجة لدعم»؛ وهكذا كان.
لست في وارد المقارنة مع ما حصل لكمال الرياحي، لكن اللغة العبرية ليست عدوتي؛ إسرائيل هي العدو. وهناك أجيال فلسطينية نشأت في أرضها، وأتقنت لغة المحتل؛ تدرس وتعمل وتكتب وتقرأ بها. وأن نقاطع إسرائيل لا يعني أن ننقطع عن أهلنا هناك، ولا عن قارئ تحتكره وجهة نظر معادية.