المُبشر لـ«الشرق الأوسط»: من يعمل ضد وحدة ليبيا لديه «غباء سياسي»

رئيس «مجلس أعيان ليبيا» يحمّل البعثة الأممية المسؤولية الأكبر إذا صحت اتهامات «الرشى»

الشيخ محمد المُبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»
الشيخ محمد المُبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»
TT

المُبشر لـ«الشرق الأوسط»: من يعمل ضد وحدة ليبيا لديه «غباء سياسي»

الشيخ محمد المُبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»
الشيخ محمد المُبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»

عبر الشيخ محمد المُبشر رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة» عن ارتياحه للخطوات «الإيجابية» التي قطعها المسار السياسي، وقال إن «الأكثرية في بلادنا تدفع بكل قوة لإنهاء حالة الانقسام والتشرذم» التي ضربت البلاد خلال السنوات الماضية.
وتحدث المُبشر في حوار إلى «الشرق الأوسط» عن (مفوضية المصالحة) التي أعلن رئيس المجلس الرئاسي المُكلف محمد المنفي، تدشينها لحل النزاعات والصراعات المتراكمة بين القبائل والمدن الليبية، وتطرق إلى مزاعم بـ«توزيع رشى» خلال انعقاد «ملتقى الحوار السياسي» في تونس، ورأى أن الأمر «يحتاج إلى دليل»، مستكملاً: «إذا صحت هذه الاتهامات فإن البعثة الأممية لدى ليبيا تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية». وتناول المُبشر في حديثه «سلاح القبائل» وأوضاع الميليشيات، والتدخلات الخارجية في بلاده، وانتهى قائلاً: «ليبيا ضحية لعوامل عديدة، لكنها ستتجاوز محنتها قريباً، ومن يعملون ضد وحدتها لديهم غباء سياسي».
وسُئل عن تعهد المنفي بتأسيس مفوضية عليا للمصالحة في ليبيا، فأجاب: «المجلس الرئاسي بقيادة السيد المنفي يترجم خريطة الطريق الموضوعة من قبل البعثة الأممية لدى ليبيا وهي مهام أنيطت به، وأرى أن أي تعهد في اتجاه العمل المثمر بخصوص المصالحة الحقيقية بين الليبيين يعتبر جيداً، وننتظر تنفيذ تعهداتهم السياسية، والأفعال أقوى من الكلام». وقال: «الحالة الليبية وطبيعة الخلافات فيها لها أبعاد عدة؛ ولجعل المصالحة والسلام في البلاد أمراً واقعاً على الأرض لا بد أن تكون مفوضية مهنية ومدركة وحيادية في التعاطي مع الإشكاليات الموجودة، رغم أن المصالحة في ليبيا ليست اجتماعية قبلية ومناطقية بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن لها تداخلات اقتصادية وسياسية وأمنية عدة، لذا فإن هذه المفوضية المرتقبة منوط بها فهم المشهد وتقصي الحقائق ووضع حلول جذرية حسب طبيعة الخلاف أو الإشكال».
وتابع: «المدن والقبائل هم من يشكّلون ليبيا، وما نسمعه ولمسناه منهم جميعاً أنهم لن يكونوا معول هدم وعرقلة لبناء البلد، لكنهم يحتاجون للثقة في حكومة ودولة عادلة يُسلم إليها السلاح ليكون بيد السلطات المخولة بحمله فقط، وهذه الإرادة رأيناها عملياً في مدن عدة. يجب أن يُوضع في عين الاعتبار عند التحدث عن أي مشروع للمصالحة، بناء الثقة بين الليبيين».
وعن إجراء انتخابات في ظل وجود ميليشيات و«سلاح سائب»، قال: «هذه من مهام اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) التي تكونت من أجل توحيد المؤسسة العسكرية ووضع حلول للسلاح المنتشر في كل ليبيا ولإنجاح المسار المتفق عليه في خريطة الطريق بشقة العسكري؛ وهو المسار الأكثر أهمية وحساسية، وعلى الحكومة والمجلس الرئاسي الجديدين وكل القوى الوطنية والشعبية دعم هذه اللجنة حتى نتجاوز المرحلة الراهنة إلى وضع أكثر استقراراً وأمناً».
وتابع: «التدخلات الخارجية تنقسم إلى قسمين في التعاطي مع المشهد الليبي والهدف هو تنفيذ مصالح هذه الدول في بلادنا. الشق الأول يندرج تحت تدخلات سلبية من دعم مسلح وعرقلة كل الحلول الممكنة بشكل يضمن مصالحها عن طريق تشبث أشخاص في المشهد الليبي، والعمل على دعم استمرار الانقسام والتشتت. وهناك تدخلات إيجابية تهدف إلى دعم التوافق والسلام ومساعدة الشعب الليبي في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد والدفع لاختيار الليبيين لسلطتهم دون تأثير من أحد». وزاد: «ليبيا ضحية لعوامل ومعطيات اقتصادية وسياسية دولية، قبل أن يسهم بعض أبنائها في عدم استقرارها بطمعهم بشكل توافق مع الأجندات الدولية من حيث يعلمون أو لا يعلمون». وتابع: «الأكثرية في ليبيا يدفعون بكل قوة من أجل إنهاء هذا الانقسام والتشرذم، ولا أعتقد أن أحداً من الأطراف الليبية ما زال مصراً على استمرار الوضع على ما هو عليه، أو أنهم سيقفون حجر عثرة في طريق الاستقرار ووحدة البلاد، ومن يفعلون ذلك لديهم غباء سياسي».
وسُئل عن الحلول لوقف الاعتداء على المال العام، فرد: «الإفلات من العقاب ربما أحد الأسباب. بجانب ذلك هناك انقسام البلاد وتعدد السلطات، فضلاً عن أسباب أخلاقية وآيديولوجية وشخصية، ومنها السياسة النقدية والمالية الخاطئة، بالإضافة لمنح صلاحيات واسعة جداً للمسؤولين. وأرى أن أول خطوة للقضاء على هذه الظاهرة تمكن في توحيد مؤسسات الدولة المالية، وتحديد صلاحيات المسؤولين، ودعم الأجهزة الرقابية والضبطية لتكون أكثر فاعلية؛ ويأتي بعدها اختيار الكفاءات المؤهلة والمشهود لها بالنزاهة».
وعن مزاعم «الرشوة» في الملتقى السياسي بجنيف، قال: «هذا الأمر يحتاج إلى دليل واضح وصريح أولاً حتى نقول إن هذه السلطة أتت بشكل غير نزيه ومطعون فيها، وأعتقد أن البعثة الأممية لدى البلاد تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية تجاه هذا الأمر إذا صح».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».