الحريري متمسك بـ {حكومة اختصاصيين} و«المستقبل» يؤيد طروحات البطريرك الماروني

انقسام لبناني حول «الحياد» و«التدويل»... و«حركة أمل» تدعو إلى «تجاوز المزايدات السياسية»

من لقاء المفتي دريان مع وفد كتلة «المستقبل» (الوطنية)
من لقاء المفتي دريان مع وفد كتلة «المستقبل» (الوطنية)
TT

الحريري متمسك بـ {حكومة اختصاصيين} و«المستقبل» يؤيد طروحات البطريرك الماروني

من لقاء المفتي دريان مع وفد كتلة «المستقبل» (الوطنية)
من لقاء المفتي دريان مع وفد كتلة «المستقبل» (الوطنية)

أكد «تيار المستقبل» أن الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة سعد الحريري مصمم على تأليف حكومة مهمة من الاختصاصيين غير الحزبيين، مؤيداً طروحات البطريرك الماروني بشارة الراعي لجهة الالتزام بتطبيق الدستور واتفاق الطائف نصاً وروحاً، وتأييد «إعلان بعبدا» القاضي بنأي لبنان بنفسه عن أزمات المنطقة، في وقت لا تزال فيه طروحات الراعي محل تجاذب وانقسام سياسي في الداخل اللبناني.
واستأنف وفد من «تيار المستقبل»، برئاسة النائبة بهية الحريري، أمس، جولته التي بدأها في الأسبوع الماضي على المرجعيات الدينية، بتكليف من الرئيس الحريري، حيث زار الوفد البطريرك الراعي في بكركي. وقال النائب سمير الجسر بعد اللقاء: «شددنا على يد غبطته للمبادرات والمساعي الحثيثة التي يبذلها من أجل إيجاد حل للخروج من الأزمة السياسية، وصولاً إلى تأليف الحكومة».
وأضاف الجسر: «وضعنا الراعي في أجواء الجهود التي يبذلها الحريري للإسراع في تشكيل الحكومة»، لافتاً إلى أن الوفد أطلع الراعي على نتائج الاتصالات الخارجية التي يقوم بها الحريري «في سبيل خلق جو ملائم لدعم نهوض لبنان غداة تأليف الحكومة».
وأكد الوفد للراعي أن الحريري «مصمم على تأليف حكومة مهمة من الاختصاصيين غير الحزبيين المشهود لهم بالكفاءة والنجاح في حياتهم العملية»، وأشار الجسر إلى أنهم أكدوا «للراعي أننا نضم صوتنا إلى صوته حول ضرورة تأليف الحكومة اليوم قبل الغد».
وشدد الوفد على أن الرئيس المكلف «ملتزم بتطبيق الدستور واتفاق الطائف نصاً وروحاً، خصوصاً ما ينص عليه الدستور لجهة حفظ حقوق اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين على حد سواء». كما أكد الوفد دعم «المستقبل» لـ«إعلان بعبدا كاملاً الذي نص خاصة على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية، وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية»، وذلك «حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم، وعدم توطينهم».
وأطلع الوفد البطريرك الماروني على نتائج جولة الحريري الخارجية على عدد من الدول «وما لمسه من حماس لمساعدة لبنان فور تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين غير حزبيين»، بحسب ما قاله الجسر الذي أشار إلى أنه في موضوع تشكيل الحكومة «لا نقطع الأمل، ولا بد من أن تحل هذه القضية».
وتأتي جولة وفد «المستقبل» على المراجع الدينية في ظل تعثر في تشكيل الحكومة اللبنانية، وتفاقم الأزمات السياسية والمعيشية والاقتصادية، وفي ظل انقسام لبناني مستجد حول طروحات البطريرك الراعي بشأن «الحياد الناشط»، وهي المبادرة التي طرحها في يوليو (تموز) الماضي، إضافة إلى دعوته لعقد مؤتمر دولي للبنان برعاية الأمم المتحدة.
وتنقسم القوى السياسية حيال طروحات الراعي، فقد أعلن «المستقبل»، أمس، على لسان نائب رئيسه النائب السابق مصطفى علوش، تأييد «التيار» لموقف البطريرك حول الحياد، مضيفاً: «نحن لا نريد أن يبقى بلدنا منصة لإطلاق الصواريخ». أما بالنسبة للمؤتمر الدولي، فقال علوش: «يجب أن نرى إذا كان ممكناً، وما إذا كان سيؤدي إلى مزيد من الصراعات».
وفي حين أعلن «حزب الله» موقفاً رافضاً لطروحات الراعي بشأن الحياد و«تدويل الأزمة»، وخرجت مسيرات في الضاحية الجنوبية لبيروت (ليل الأحد) اعتراضاً على طروحات الراعي، لم تعلن «حركة أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري موقفاً حاسماً، ولو أن الموقف الذي أصدرته الحركة بعد اجتماع مكتبها السياسي، أمس، يظهر تمايزاً عن المواقف الأخرى المؤيدة أو المعارضة للطروحات البطريركية. فقد جدد «المكتب السياسي» في «أمل» أمس «الدعوة الملحة إلى تجاوز المزايدات السياسية، وطرح الإشكالات الدستورية والقانونية، والإسراع في إنجاز تشكيل الحكومة لمعالجة حالة الانهيار الحتمي للوضع الاقتصادي والاجتماعي، وانعكاسه على الاستقرار الأمني الذي لن يبقي لأي طرف حصة أو دوراً لتحقيق مصالحه الخاصة نتيجة هذا الانهيار».
وأشار إلى أن أبرز تجليات الانهيار يتمثل في «الفلتان غير المسبوق في سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وتخطيه كل الحدود، وانعكاسه ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، بعيداً عن أي رقابة حقيقية تقوم بها الوزارات المعنية».
وعلى ضفة «التيار الوطني الحر»، تمايز التيار إلى حد بعيد عن أفرقاء مسيحيين أعلنوا تأييدهم بالكامل لطروحات بكركي، إذ أشار النائب ماريو عون إلى أن «تحرك بكركي يدل على فشل الطبقة السياسية في الاتفاق والوصول إلى تشكيل حكومة للخروج من الوضع الشاذ الذي نعيش فيه». وقال في حديث إذاعي إن «هذا الدور يجب ألا يكون كنسياً، بل للمرجعيات السياسية»، كاشفاً عن شخصيات عدة في «التيار» ستزور بكركي في الأيام المقبلة.
وعن موضوع طرح المؤتمر الدولي، عد النائب عون أنه «يجب أن يكون هناك حوار بين (حزب الله) وبكركي، وهذا الحوار هو سيد الموقف في المرحلة المقبلة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.