عراقيون ينهون قطيعتهم للسينما ويطالبون بصالات عرض مناسبة

أكبر دورة تنطلق في بغداد لعرض 33 فيلمًا عراقيًّا طويلاً وقصيرًا

ندوة حول الأفلام في قاعة المسرح الوطني في بغداد  -  ملصق لفيلم «بحيرة الوجع»
ندوة حول الأفلام في قاعة المسرح الوطني في بغداد - ملصق لفيلم «بحيرة الوجع»
TT

عراقيون ينهون قطيعتهم للسينما ويطالبون بصالات عرض مناسبة

ندوة حول الأفلام في قاعة المسرح الوطني في بغداد  -  ملصق لفيلم «بحيرة الوجع»
ندوة حول الأفلام في قاعة المسرح الوطني في بغداد - ملصق لفيلم «بحيرة الوجع»

بعد ترقب وجدل طويلين رافقا مراحل إنتاجها وتأجيل موعد عرضها أكثر من مرة، انطلقت في بغداد أكبر دورة سينمائية لعرض 33 فيلما سينمائيا طويلا وقصيرا تتنوع بين الروائية والوثائقية، أنتجتها وزارة الثقافة العراقية خلال العامين الماضيين بتكاليف إنتاجية ضخمة، وذلك ضمن مشروع «بغداد عاصمة للثقافة العربية» عام 2013، بواقع عرضين في صباح يومي الاثنين والأربعاء من كل أسبوع على قاعة المسرح الوطني في العاصمة بغداد.
العروض السينمائية التي بدأت في 12 يناير (كانون الثاني) الماضي وتنتهي يوم 11 مارس (آذار) المقبل وصفت بأنها استطاعت نسف القطيعة التي امتدت لعقود بين ماكينة السينما العراقية ونظيرتها في المنطقة والعالم، لكنها مع ذلك لم تشهد حضورا كبيرا من الجمهور بعد انطلاقتها في أول الأمر لتعارضها مع فترات العمل في المؤسسات الرسمية، حيث خصص ضمن الجدول المعد كل يومي اثنين وأربعاء عرض فيلمين، قصير وطويل، تلي ذلك جلسة نقدية بحضور أحد المختصين لتقديم ورقة نقدية بعدها يفتح المجال للمداخلات والحوارات.
دائرة السينما والمسرح بررت تأخير عرض تلك الأفلام «بعدم إمكانية عرضها ضمن مهرجان سينمائي عربي ودولي بسبب تأخر إقرار الموازنة العراقية، لذلك تم استبدال المهرجان بهذا العرض الدوري للأفلام العراقية المنجزة، وبسبب عدم وجود صالة عرض سينمائية صالحة فقد جرت الاستعانة بقاعة المسرح الوطني العراقي، الأمر الذي أثر على جودة تلك العروض، التي أراد لها منظموها أن تكون ردا صريحا وواضحا على أعداء السلام والحرية الذين يريدون لمظاهر الحياة في بغداد أن تموت».
يقول الناقد السينمائي مهدي عباس، ومدير الجلسات النقدية المقامة على هامش العروض السينمائية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «حتى اليوم جرى عرض عشرة أفلام، خمسة قصيرة وخمسة طويلة، برز من بينها فيلمان فقط نالا استحسان الجمهور والسينمائيين، وهما (صمت الراعي) لرعد مشتت، و(بحيرة الوجع) لجلال كامل، أما الأفلام الباقية فكانت بها مشاكل عديدة لقربها للتلفزيون منه للسينما وغيرها».
وعن رؤيته النقدية للأفلام والعروض بشكل عام، قال عباس «أكيد كل تجربة فيها مساوئها وإيجابياتها، وتجربة أفلام بغداد عاصمة الثقافة العربية أضافت كما كبيرا للسينما العراقية كان الجيد منه قليلا لكنه أسهم في تحريك عجلة السينما وشغل السينمائيين وقدم لنا على الأقل خمسة أو ستة أفلام مهمة نتباهى بها».
وأكد عباس أن «هناك ثلاثة أفلام روائية طويلة لم تجهز للعرض هي فيلم محمد شكري جميل (المسرات والأوجاع)، وفيلم فاروق داود (وداعا نينوى)، وفيلم ثائر الحاج (يوسف الحصان)». ولم تكن الأفلام العراقية المنتجة بعيدة عن الهم والوجع العراقي، فقد جسدت فكرة فيلم «أحلام اليقظة» للمخرج صلاح كرم رحلة حافلة تحمل مواطنين عراقيين يودون مغادرة بلدهم باتجاه سوريا بسبب أحداث الإرهاب الطائفي. فيما جسد فيلم «بحيرة الوجع» للمخرج العراقي جلال كامل الألم العراقي، والتنقل بين مساحات القهر وتحدي الظروف الصعبة بسبب ما فرضه العنف والإرهاب الأعمى على البلاد من تهجير وتكفير، وهو ما أثار إعجاب الجمهور الذي صفق كثيرا للعمل، وعده مختصون بأنه الفيلم الذي يبشر بولادة جديدة لنهج الأفلام العراقية، وهو يدعو للحب والسلام ضد العنف والموت من خلال أحداث وشخصيات جمعت بين الرمز والواقع، بأداء تمثيلي مبهر من الفنانة سناء عبد الرحمن والفنان مازن محمد مصطفى والوجه الواعد همسة.
بدوره، أكد الإعلامي والناقد السينمائي كاظم مرشد السلوم، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «منذ الإعلان عن إنتاج مجموعة من الأفلام السينمائية بأنواعها الروائية والوثائقية، القصيرة والطويلة منها، أثارت جدلا كبيرا إزاءها، وسببه هو كفاءة المخرجين الذين منحوا أموالا طائلة لإنتاج أفلام سينمائية، مقابل الاعتراض على بعض الأسماء، إضافة لعدم إعطاء الفرصة للمخرجين الشباب». وأكد عباس أن «عرض تلك الأفلام بمثابة المحك الذي يمكننا من أن نحكم على جدارتها أو فشلها، كما أنها ستمنح مخرجيها التقييم الذي يناسب ما قدموه».
جمهور العرض السينمائي شكا من طريقة عرض الفيلم في صالة مخصصة أصلا للأعمال المسرحية، مما أثر على جودة الأفلام، وطالبوا في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط» بأن تهتم الحكومة الجديدة بإعادة الحياة إلى صالات السينما المهجورة في بغداد والتي غيبت بعد أن شهدت أوج شهرتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
يقول أحمد المختار، أحد طلبة كلية الفنون الجميلة، قسم السينما «كنا نأمل أن تكون هناك صالات عرض مناسبة تستوعب الأموال التي صرفت على إنتاج مثل هذه الأفلام لئلا تبقى بعيدة عن العوائل العراقية». فيما لفتت المخرجة الشابة ازل الفهداوي، خلال حضورها العرض، إلى «أهمية أن تكون تلك العروض دورية وفي أوقات مسائية ليتسنى للعوائل البغدادية ارتيادها والمواظبة عليها كأحد أهم طقوسها الأسبوعية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».