«نشيد مسيء» يعمّق الخلافات بين الصدريين والحراك العراقي

حركة «امتداد» ترفع دعوى قضائية ضد مكتب الصدر

TT

«نشيد مسيء» يعمّق الخلافات بين الصدريين والحراك العراقي

عمق نشيد أنتجه المكتب الإعلامي لزعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، وانتشر في مواقع التواصل خلال اليومين الأخيرين، الخلافات بين الصدر وأتباعه، من جهة، وجماعات الحراك العراقي، من جهة أخرى. ورأى الحراك في النشيد إساءة غير مقبولة ضده بشكل عام وضد الناشط ورئيس حركة «امتداد» علاء الركابي الذي ظهر في المعادل الصوري للنشيد.
وتحت ضغط الخشية من الملاحقات القانونية والانتقادات والضغوط التي مارسها آلاف الناشطين، قام مكتب الصدر الإعلامي بحذف النشيد من منصاته الإعلامية. لكن حركة «امتداد»، وهي إحدى الحركات السياسية المنبثقة من احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول)، قررت مقاضاة المكتب الإعلامي للصدر بعد بث الأنشودة التي تتهم أعضاء الحركة بالعمالة والخيانة. وقالت الحركة التي تنشط في مدينة الناصرية ومحافظات الجنوب، في بيان، إنه «بالنظر لتداول مادة إعلامية (أنشودة) في موقع (يوتيوب) ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تضمنت اتهام أعضاء حركة (امتداد) بالعمالة والتخوين، وبأنهم يتلقون الدعم الخارجي، وبما أن ذلك يعد تحريضاً ضد حركتنا (حركة امتداد)، تقرر توجيه اللجنة القانونية في مكتبنا التنفيذي برفع دعوى قضائية ضد الجهة المنتجة للعمل (المكتب الإعلامي لمقتدى الصدر) والأشخاص المساهمين في إنتاج العمل».
وأضافت الحركة التي تعتزم خوض غمار الانتخابات العامة في أكتوبر المقبل، أن «ذلك الإجراء يعد إيماناً منها وترسيخاً لمبدأ دولة المؤسسات التي تصون كرامة المواطن، وتكون فيها الحقوق مصونة باللجوء إلى الأساليب القانونية». وحملت الحركة «الجهة المنتجة المسؤولية الكاملة عن أي ضرر مادي أو معنوي أو شخصي يلحق بأي عضو من أعضاء حركتنا نتيجة التحريض ضدها».
وأثار النشيد غضب وسخرية جماعات الحراك، ووضع أكثر من خمسين ألف مستخدم وناشط في «فيسبوك» أيقونة (إيموجي) «أضحكني» على الأنشودة التي نشرها المنشد علي الدلفي، على منصته في «فيسبوك» التي يتابعها نحو 850 شخصاً، ما اضطره لاحقاً لحذفها.
وتعليقاً على حملة «أضحكني» التي شنها الناشطون ضد التيار الصدري، يقول الناشط سلام الحسيني، «دائماً ما نجد أن السلطة وجمهورها تخاف الضحك وتحاول عبثاً صده متظاهرة باللامبالاة، أو بتسخيفه وتحقيره».
ويضيف: «رغم كون السخرية أداة ثورية بنظر البعض وبديلاً عن الفوضى والصدام لمواجهة الخصم المسلح، لكن لا ينبغي المبالغة في تقدير دورها، لكونها شيئاً مختلفاً في ظل أوضاع سياسية واجتماعية كالتي يشهدها العراق، وقد تتحول إلى ضد نوعي وتغدو وسيلة لامتصاص الغضب».
ورغم عدم صدور بيان رسمي من مكتب الصدر حول ما أثير حول الأنشودة، واضطراره لحذفها من منصاته الرقمية، اعتبر عضو المكتب محمد عدنان الكعبي، أن «قصيدة المنشد علي الدلفي أوصلت رسائل مهمة». طبقاً لمنشور للكعبي عبر «فيسبوك»، فإن الرسائل التي أوصلتها هي أن «التطبيع (مع إسرائيل) ممنوع ومرفوض، وكشفت خونة المظاهرات ومستوى وطريقة تفكيرهم، وحددت الانتقال المرفوض شعبياً من ساحة التظاهر إلى كرسي السلطة».
ويعتقد غالبية المراقبين والناشطين، بأن «الهتافات العلنية المناهضة للصدر وأتباعه تقف خلف الانتقادات والغضب الشديد الذي يبديه الصدر وتياره ضد الحراك».
وتدهورت علاقات الحراك بجماعات الصدر منذ فبراير (شباط) 2020، حين قامت جماعات «القبعات الزرق» التابعة للتيار بالسيطرة على بناية المطعم التركي (أيقونة الاحتجاج) في ساحة التحرير ببغداد، وما تلاها من هجوم لأتباع الصدر على ساحة الاعتصام في النجف، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المتظاهرين.
ورغم الإشادات المتواصلة التي تصدر عن كبار الزعماء والقادة السياسيين، مثل رئيسي الجمهورية برهم صالح والوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس تيار «الحكمة» عمار الحكيم، بالحراك الاحتجاجي، إلا أن زعيم التيار الصدري وأتباعه يصرون على مهاجمته كلما سنحت لهم الفرصة بذلك، بذريعة وجود المندسين، ويتهمونه بالعمالة والارتباط بالسفارات الأجنبية.
كان الصدر هاجم في مؤتمره الصحافي الذي عقده الخميس الماضي، ما وصفهم بـ«المندسين» في صفوف جماعات الحراك واتهمهم بـ«إرهاب القوات الأمنية وتعطيل الدوام».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».