«نومادلاند» منافس قوي في موسم جوائز السينما

‫في التمثيل والسيناريو والإخراج

فرنسيس مكدورمند في مشهد من «نومادلاند» (أ.ب)
فرنسيس مكدورمند في مشهد من «نومادلاند» (أ.ب)
TT

«نومادلاند» منافس قوي في موسم جوائز السينما

فرنسيس مكدورمند في مشهد من «نومادلاند» (أ.ب)
فرنسيس مكدورمند في مشهد من «نومادلاند» (أ.ب)

على مدى الأشهر الممتدة من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى اليوم، نال «نومادلاند» لمخرجته كلوي زاو 132 جائزة لا مجال بالطبع لتشكيل قائمة كاملة بها هنا، لكنها بدأت بجائزتين في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي (في ذلك الشهر) واستمر منوالها أسبوعاً وراء أسبوع. في العديد من الحالات نال هذا الفيلم أكثر من جائزة في مناسبة واحدة، مما يفسر العدد المرتفع من الجوائز وما زال مرشّحاً لـ94 جائزة آخرها ما صدر من ترشيحات «غولدن غلوبز» في الأسبوع الماضي.
آخر الجوائز الفعلية أعلنت في حفل افتراضي يوم الأحد الماضي عندما خرج «نومادلاند» بجوائز عدة من «حلقة نقاد لندن». ترشيحات ناقد «الشرق الأوسط» ذهبت إليه في أكثر من خانة بينها خانة أفضل فيلم وأفضل سيناريو مقتبس. الخانة الأولى لهذه القدرة البديعة للمخرجة في دمج أسلوبي الرواية والتسجيل من دون اللجوء إلى ما يُعرف بـ«دوكيودراما»، كما سنتعرّف بعد قليل. والخانة الثانية هي لطريقة كتابتها ما صوّرته لاحقاً بدراية لا تقل إبداعاً.

بعد الفقدان
كلوي زاو هي أيضاً منتجة الفيلم (مع آخرين) والتي قامت بتوليفه (مونتاجه) أيضاً بذلك حافظت على رؤيتها ومعالجتها من اللقطة الأولى إلى الأخيرة. وهي اقتبست الفيلم من كتاب غير روائي وضعته الصحافية جسيكا برودر سنة 2017 وروت فيه رحلة امرأة في حاضر داكن لحياة قطاع من الأميركيين فقدوا الحلم الكبير ويعرفون ذلك. هذا، عملياً، في مقابل قطاع، ربما أكبر، فقدوا الحلم ذاته لكنهم ما زالوا يجهلون ذلك.
يتابع الفيلم رحلة امرأة متوسطة العمر فقدت الزوج وفقدت العمل وقررت أن تجوب الولايات المجاورة للولاية التي تنتمي إليها (نيفادا). لم تكن رحلتها سياحية ولا من باب التعويض عن سنوات من العمل في بلدتها الصغيرة ولا حتى للقاء ابنة أو ابن لها يعيشان في بلدة أخرى. كانت، بكل بساطة، رحلة للعيش خارج المنظومة الاجتماعية الكبيرة.
في البداية فكر المنتج بيتر سبيرز، كما قال لهذا الناقد، أن زاو سوف تقوم بعملية اقتباس شاملة تسند فيها للممثلة فرنسيس مكدورمند دور الصحافية برودر:
«هذا كان الخاطر الأول لي ولشركائي عندما قرأت السيناريو الذي بعث به لي وكيل أعمال الممثلة فرنسيس مكدورمند. لكن عندما تعرّفت على زاو وتحدّثنا في العمل تبدّى لي أن المخرجة تنوي الخروج من مجرد نقل ما هو مسرد في الكتاب لتصوير حالة أبعد بكثير».
سرعان ما انضمت فرنسيس مكدورمند إلى العمل كمنتجة لجانب زاو وكلاهما كانا على اتفاق نموذجي منذ البداية. يضيف سبيرز: «لا تنس أن زاو سبق لها أن أخرجت فيلمين أسندت فيهما أدواراً رئيسية لغير محترفين كما الحال هنا».
الحال هنا أن هناك ممثلين معروفين فقط هما مكدورمند في دور المرأة الراحلة فيرن، والممثل ديفيد ستراثرن. الباقون من غير المحترفين وبينهم ليندا ماي وأنجيلا رايز وباتريشا غرير وكارل هيوز. لكن حتى مكدورمند وستراثرن لعبا دوريهما بإنزال الأداء لما دون مستوى الاحتراف لأنه لا يمكن لكليهما (خصوصاً لمكدورمند التي تظهر في كل مشهد من الفيلم بينما دور ستراثرن يحتل نحو خمسة مشاهد فقط) أن تنفصل عن باقي المؤدين بخبرتها وحرفتها إلا على حساب تلك المعالجة التي قامت بها المخرجة.
تضع كلوي زاو خلفية بطلتها خلفها فعلاً. الفيلم لا يبدأ بتوفير مشاهد لإغلاق المصنع الذي كانت تعمل فيرن (مكدورمند) فيه. ولا يهمّها أن تباشر الوضع بحوار بين فيرن وأي شخص آخر لإيضاح ما حدث. كل شيء ينطلق بقرار فيرن ترك البلدة.
الأمر ذاته بالنسبة لزواجها الذي انتهى باكراً. هناك ذكر له لاحقاً لكن لا مشاهد تلج بنا إلى الحاضر أو مشاهد استرجاعية لتبيانه.

البيت ليس منزلاً
ما يبدأ الفيلم به هو الحالة في ساعة مبكرة من يوم ما: لا زوج ولا عمل. تترك بيتها منتقلة إلى حافلة صغيرة (Van) وتقودها في الدروب الصحراوية البعيدة. الحافلة ستشغل البال قليلاً لأنها ليست جديدة ولاحقاً ما سيتطلب الأمر تصليحاً لها، لكن فيرن تصحح أحدهم عندما يفترض أنها بلا بيت (Home) ترد عليها «عندي بيت لكن لا أملك منزلاً»(House) والفارق شاسع لغوياً كما في مفهوم فيرن التي لا تعتبر نفسها شبيهة بالذين يعيشون على الترحال لذاته، بل هي في مرحلة من حياتها قررت لها أن تجول في تلك البُنى المهمّشة من أميركا الكبيرة. تجمع بين رغبة الاطلاع ورغبة العيش ورغبة أن تكون امرأة مستقلّة في المقام الأول.
كل من حولها (باستثناء ستراثرن الذي يؤدي شخصية «جار» في حافلة أخرى منضمّة إلى «مخيم» الحافلات) شخصيات تؤدي حياتها وواقعها من دون تمثيل بمن في ذلك برادي الآتي من مستوطنة للأميركيين الأصليين («الهنود الحمر») يعرف تماماً أن الحياة أمامه كالتي وراءه شبيهة بتلك الأراضي القاحلة حوله. ربما هو أول من توقف عن الحلم الكبير بين من نقابلهم.
هناك شخصية مواطن أصلي آخر في فيلم أميركي حديث هو «دعه يمضي»(Let Him Go) والشخصيتان مشتركتان في إنهما لم يعدا يجدان في أميركا لا الماضي الذي ينتميان إليه، حسب العِرق، ولا المستقبل تبعاً لوعود الحياة والسياسيين. كلا الفيلمان أيضاً رحلة صوب وجه آخر لأميركا. في «دعه يمضي» (أخرجه توماس بيزوكا‪(‬ عائلة من زوجين يتركان راحة بيتهما إلى حيث يقابلان عائلة أخرى تختلف في كل مبدأ ونحو أخلاقي. هذا الاكتشاف للوجه الآخر هو أفضل وأمضى وضعاً هنا لكن العملين يتحاذيان على هذا النسق وفي الموضوع لا أكثر.
تميّز «نومادلاند» عن أي فيلم آخر هو تميّز نابع من الصلب. ناقدة مجلة «سكرين دايلي»، فيونيولا هاليغن، أصابت الهدف تماماً عندما تعجبت، حال مشاهدتها الفيلم في مهرجان فينيسيا، حول كيف يمكن لفيلم صغير كهذا «توفير مرآة للمجتمع وتلوي الضوء لكي تعكس حياة المشاهدين أيضاً». لكن بالإضافة إلى ذلك هناك مسألة أن هذا الانعكاس لم يكن ممكناً على نحو بالغ التفاعل نفسياً ومجتمعياً لو أن المخرجة سردت الفيلم كحكاية. ليس فقط لأن هناك حكايات عديدة سبق تقديمها حول «الأميركانا» وانعكاساتها، بل أساساً لأن الحكايات الأخرى تقدّم نفسها كنماذج للواقع بينما يتشبّث هذا الفيلم بالواقع.

كنسيم بارد
نجد فيرن تنتقل من مخيّم لآخر وتعود أحياناً لما تركته تحت مظلة بيئة مشتركة قوامها أناس طيّبون هم مثلها استجابوا لمثل هذه الهجرة وذلك الترحال. لكن معظم هؤلاء هم ضحايا الوعد الذي لم يتحقق والأمل الذي لم ينجل. أما فيرن فلا تعتبر نفسها ضحية حتى وإن كانت بالفعل كذلك. هي ضحية انقلبت على كونها ضحية وأضحت المرأة التي ترفض أن تندثر تحت ثقل الوضع وتختار أن تعيش فوقه ولو بارتفاع بسيط. حين تعود إلى منزلها الخاوي (توم هانكس يعود أيضاً لمنزله الخاوي في «نيوز أوڤ ذا وورلد» الحديث أيضاً) تقرر، وقد أزف الفيلم على نهايته، إنها لم تعد تريده مسكناً. لا يعني لها أي شيء، تماماً كما لا يعني لها الاستقرار في المكان الواحد الذي ربطها ذات يوم بعائلة وعمل.
الحياة التي عاشت عليها اندثرت. انتهت. اختفت. حياتها الجديدة لن تؤدي إلى ما هو أفضل من السابقة لكنها ستضمن لها استقلالها عبر الترحال.
أداء مكدورمند، الذي سيضمن لها ترشيحاً قوياً للأوسكار، تماشى، كما تقدّم، مع متطلبات المعالجة التي اختارتها المخرجة. وهي إذ منحت الكتاب غير الروائي حياة روائية التزمت بالواقع من دون أن تدّعي أنها تقدّم فيلماً واقعياً على أي غرار. ذلك المزج دقيق وشعري ويمر على الشاشة كنسيم بارد مع قليل من الموسيقى والكثير من تصوير جوشوا جيمس رتشردس الذي تعامل مع المناظر الطبيعية بإضاءتها الخاصة داخل وخارج الأماكن. من قاد سيارته من نيفادا إلى أريزونا ومن أريزونا إلى كاليفورنيا سيجد الكثير من مآرب لسيارات - منازل تؤلف بعيداً عن قارعة الطريق بيئات لأمثال فيرن والنماذج التي التقت بها. تنأى بنفسها عنك وأنت تجوب براحة سيارتك ومذياعها وبرّادها الهوائي. لكن أنظر جيداً وتمعّن كيف أن بعض الأميركيين يفضّلون قطع أواصر الحضارة والحاضر للعيش في كنف البادية. إذا لم يمر طريق سفرك بهذه البيئات شاهد «نومادلاند» وسيعطيك المعنى ذاته وأكثر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».