التشهير في «القضايا الجماهيرية» يثير تساؤلات بشأن «الأخلاقيات» الإعلامية

TT

التشهير في «القضايا الجماهيرية» يثير تساؤلات بشأن «الأخلاقيات» الإعلامية

جدد تناول عدد من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل، قضايا معروضة أمام جهات التحقيق، وشغلت الرأي العام في مصر والأردن أخيراً، التساؤلات بشأن «الأخلاقيات» الإعلامية التي تتعلق بالنشر في الجرائم، ومدى التزام الصحافيين والإعلاميين بالمواثيق المهنية.
ورغم تأكيد خبراء إعلاميين وصحافيين «عدم جواز التشهير بالمتهمين في القضايا الجنائية»؛ فإنهم أشاروا إلى «انتشار هذه الظاهرة عربياً وعالمياً خصوصاً في القضايا الجماهيرية... أو ما يعرف حالياً بالترند». وقال بعض الخبراء أيضاً إن «الصحافيين والإعلاميين في العالم عادةً ما يقعون في هذه الأخطاء لجذب مزيد من القراء»، لافتين إلى أن «تناول هذه القضايا بسرعة والبحث عن سبق صحافي، قد يؤثر على ذوي الضحايا... وإن مهمة الإعلام التأني والحصول على رواية كاملة موثوقة».
بحث نشره موقع «إنديانا لو ريفيو» الأميركي المتخصص في نشر الأبحاث القانونية، في مايو (أيار) عام 2017 ذكّر بأن «القانون الأميركي مبنيٌّ على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؛ لكن الإعلان عن القضايا ونشرها قبل انتهاء المحاكمات يؤدي إلى تآكل هذا المبدأ». وأشار البحث إلى أن «التقارير المتعلقة بالجريمة تهيمن على وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، وتنشر تفاصيل عن المتهمين والمشتبه بهم، قبل إدانتهم، ما يهدد عدالة محاكماتهم». وعليه، طالب البحث المسؤولين «بحماية فرضية براءة المتهمين حتى تثبت إدانتهم من الآثار الضارة للتغطية الإعلامية».
الجدل الأخير في مصر، بدأ بتداول عدد من المواقع الإلكترونية قضية اتَّهم فيها زوج من محافظة الغربية (دلتا النيل) زوجته بـ«وقائع غير أخلاقية». ونشرت المواقع هذه الأخبار مصحوبة بأوصاف وألفاظ «مهينة» للسيدة، اعتماداً على تصريحات من محامي الزوج. إلا أنه بعد التحقيق في القضية، تبين أن السيدة بريئة وأن جميع التهم «ملفّقة»، فأدى ذلك إلى الهجوم على وسائل الإعلام التي تناولت القضية. كذلك فتح المجلس الأعلى للإعلام في مصر، تحقيقاً في الواقعة وغيرها من الوقائع المشابهة. وأعلن المجلس أنه في حالة انعقاد مستمر لمواجهة «إعلام الفضائح» -على حد وصفه- الذي تفجر في الفترة الأخيرة.
وعلى صعيد متصل، تقدم الصحافي المصري محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحافيين المصرية، بمذكرة حول القضية إلى نقيب الصحافيين المصريين، لـ«اتخاذ إجراءات عملية تمنع تكرار هذا التجاوز مرة أخرى، ومحاسبة المتجاوزين في حق المهنة، وحق المواطنين وحق الوطن»، وطالب بـ«تفعيل ميثاق الشرف الصحافي». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قال كامل إن «من أدوار المجلس الأعلى للإعلام مناقشة المخالفات المهنية، ومعاقبة المخطئين»، معرباً عن سعادته بقرار المجلس الانعقاد لمناقشة هذه القضية. غير أن كامل يرى في الوقت نفسه أن «المشكلة ليست في غياب قوانين ملزمة أو مواثيق شرف؛ بل في تطبيق هذه القوانين، التي أحياناً تخضع لاعتبارات أخرى، من بينها الحسابات الانتخابية في النقابات، وسيطرة بعض رؤساء التحرير، ونمط ملكية بعض الصحف والمواقع التي تتجاوز». وأكد كامل أن «الأزمة تكمن في ملاحقة وسائل الإعلام للترند، بهدف زيادة الترافيك (أي المتابعة) من دون أي مراعاة لأخلاقيات المهنة».
بدوره، قال الكاتب الصحافي خالد القضاة، سكرتير تحرير جريدة «الرأي» الأردنية وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الصحافيين والإعلاميين في العالم عادةً ما يقعون في هذه الأخطاء، وبالذات في القضايا التي تحظى باهتمام جماهيري، أو ما يسمى حالياً الترند. وهم هنا لا يسعون لمعالجة ظاهرة انتشار الجريمة بقدر ما يسعون لجذب مزيد من القراء، وهذا ما يعرّض الصحيفة والصحافي للمساءلة القانونية. إذ من حق الشخص الذي شُوّهت سمعته أن يرفع دعوى قضائية على الصحيفة ويطالب بتعويض... وهناك مواقع إلكترونية خسرت جمهورها ودفعت غرامات مالية كبيرة، وبعضها اضطر للإغلاق في قضايا مماثلة بالأردن».
القضاة يرى أن ملاحقة الإعلام لهذا النوع من الأخبار، والتركيز على الأشخاص المرتبطين بجرائم، نوع من «الاتجار بالبشر إعلامياً». ويضيف أن «الصحافيين يعمدون إلى كتابة أوصاف ونشر تفاصيل حياة المشتبه بهم والمتهمين، من أجل الحصول على الشهرة لهم ولمؤسساتهم، وزيادة عدد القراء، وبالتالي المعلنين. وللأسف هذه تجارة بالبشر ومآسيهم لتحقيق مكاسب على حساب سمعة أفراد لم تتأكد إدانتهم». وكمثال، سرد القضاة تفاصيل إحدى القضايا الشهيرة التي حدثت في الأردن أخيراً، وانتشرت على المواقع الإلكترونية تحت عنوان «القبض على قاتل زوجته»، لتبدأ سلسلة من المواضيع حول الزوج القاتل، الذي اتضح في النهاية أنه لم يرتكب الجريمة، بل إن القاتل هي الخادمة.
الحقيقة أنه لا يقتصر تناول الإعلام لأخبار الجرائم والحوادث على التشهير بالمتهمين؛ بل أحياناً يمتد لذوي الضحايا. وحسب مرصد مصداقية الإعلام الأردني «أكيد» فإن «تناول هذه القضايا بسرعة والبحث عن سبق صحافي، قد يؤثر على ذوي الضحايا، لذلك فإن مهمة الإعلام التأني والحصول على رواية كاملة موثوقة، لمنع الإشاعة والحفاظ على حق المجتمع بمعرفة الواقع بدقة».
ووفق خالد القضاة ثمة «ثلاث مراحل للتعامل مع القضايا الجنائية، من حيث المفردات المستخدمة فيها: فعندما يكون الشخص محتجزاً في عهدة السلطة التنفيذية، يجب أن يستخدم وصف (مشتبه به) للإشارة إليه، حتى لو قالت الشرطة إنه قُبض عليه متلبساً بالأدلة الثبوتية، ولا يصح إطلاق الأحكام، ولا يجوز أن يشارك الإعلام في اغتيال سمعته. أما المرحلة الثانية فهي عندما يجري تحويل (المشتبه به) إلى المدعي العام وتحديد لائحة التهم المنسوبة إليه، وهنا يسمى (المتهم) حتى إذا كانت الأدلة دامغة. وهو يظل كذلك إلى حين إصدار القرار القضائي، وهي المرحلة الثالثة، وعندها نقول إنه مُدان أو بريء»، مشدداً على أن أي «تجاوز في هذه الأمور يُعدّ مساساً بدور وحيادية الصحافة».
عودة إلى محمود كامل، الذي لا يعفي نقابة الصحافيين من المسؤولية، إذ يقول: «كعضو في مجلس نقابة الصحافيين المصريين، لا يمكن أن أُعفي نفسي من المسؤولية عما يحدث من انتهاكات لأخلاقيات المهنة، لأن هذا نتيجة طبيعية لعدم تطبيق عقوبات على من ينتهكون ميثاق الشرف الصحافي». ومن ثم يتساءل: هل «دور النقابات رصد التجاوزات أم التحقيق في الشكاوى التي تصل إليها وتوقيع عقوبات وجزاءات بموجب القانون؟». ويطالب بـ«تشكيل لجنة مستقلة من أساتذة المهنة تكون مهمتها عمل تقرير دوري يرصد انتهاكات الصحف لميثاق الشرف الصحافي».
طبعاً، مع زيادة حدة الجدل والاتهامات لوسائل الإعلام، ظهرت أصوات تدافع عن الإعلام. وترى أنه «اعتمد على البيانات الصادرة من جهات التحقيق، وعلى تصريحات المحامين، وإذا كان الصحافي سيحاسَب، فلا بد أيضاً من محاسبة الجهات الأخرى التي أصدرت المعلومات». غير أن القضاة يرد قائلاً: إن «التعلل بالاعتماد على البيانات الصادرة عن الأمن العام أو الشرطة، ليس مبرراً لهذه الأخطاء، إذ من الطبيعي أن تطلق الشرطة أحكاماً على من بحوزتها. لكنّ هذا لا يبرر للمؤسسات الإعلامية الانسياق وراءها ونشرها، حتى لو وضعت هذه الأحكام بين علامتي تنصيص، وعليها الالتزام بمعايير النشر».
ويتابع: «المسؤولية القانونية في جرائم التشهير، تقع على الإعلام لا على الشرطة، لأن الضرر الأكبر كان من خلال النشر». ويستطرد شارحاً أن على «الإعلام أن يتنبه إلى أن بعض القضايا التي تُثار أحياناً، تكون وراءها دوافع سياسية أو عملية تصفية حسابات، لا سيما، في القضايا المتعلقة بشخصيات عامة أو سياسية. وهنا لا يجوز أن يقع الإعلام في فخ التشهير بهؤلاء ومساعدة الخصوم على تسوية حساباتهم».
جدير بالذكر أن مواثيق الشرف المهنية تضع قواعد لنشر أخبار الجرائم، وتفرض شروطاً تتعلق بإخفاء أسماء المتهمين والإحجام عن نشر صورهم. وحسب خالد القضاة: «من المفترض تحاشي نشر أسماء المتهمين، كما أن القانون ينص على إغفال ذكر تفاصيل وقرائن تشير إلى شخص بعينه... وهو ما يفعله كثير من وسائل الإعلام، حين تكتب تفاصيل وصفات عن المشتبه به لا تنطبق إلا على شخص واحد». ويردف أن «المسألة متروكة لضمير الصحافي، وعادةً ما أطلب من الصحافيين خلال التدريبات على هذا النوع من الأخبار (تبادل الأدوار)، بمعنى أن يضع الصحافي نفسه مكان أقرباء المشتبه به، فهل يقبل أن يكتب عن قريبه ويطلق عليه هذه الأحكام والصفات؟».
أخيراً، على الرغم من التحركات من جانب النقابات والمؤسسات المعنية لمناقشة أخلاقيات المهنة، وحالة الجدل التي أثارتها مثل هذه القضايا، فإن محمود كامل ليس متفائلاً بإمكانية وضع حد لهذه الانتهاكات. إذ يقول: «لم تكن قضية (سيدة الغربية) الأولى ولن تكون الأخيرة، والضجة التي صاحبتها مرتبطة بمدى فجاجة القضية والتناول الإعلامي. إلا أن هذا لن يضع حداً لهذه الانتهاكات، ولن يوقف جري الإعلام وراء الترند، وفي النهاية... القضية متروكة لضمير الصحافي».



كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».