وليد خدوري
كاتب اقتصادي عراقي من أوائل الصحافيين العرب المختصين في رصد أسواق الطاقة وشؤون النفط. حاصل على شهادة الدكتوارة من الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات واسعة في الصحافة والنشرات المتخصصة. كما عمل في منظمة "أوابك" وتدريس العلاقات الدولية.
TT

سياسات بايدن للطاقة تعكس توجهاته المناقضة لترمب

بدأ الرئيس الأميركي جو بايدن الساعات الأولى بعد تنصيبه رئيساً بالتوقيع على أوامر تنفيذية تعكس تطلعاته لتقليص الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد الأميركي، ونقض سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب البيئية التي اعتبرها مضرة للاقتصاد الأميركي. وقد طلب بايدن من نحو 100 إدارة فيدرالية تعليق العمل في برامج معينة لمدة ستين يوماً، ومن ثم مراجعة سياسات الطاقة والبيئة وتقديم اقتراحات جديدة خلال ستة أشهر.
كما أعطى بايدن الأولوية خلال الأسبوع الأول لكيفية التعامل مع «كوفيد – 19»، وتتلخص السياسة الصحية الجديدة بثلاث توجيهات: فحوصات أكثر، ولقاحات وتلقيح أكثر، ومعدات صحية أكثر. وقد طلب الموافقة من الكونغرس على تخصيص مبالغ إضافية (1.9 تريليون دولار) لـ«كورونا» والاقتصاد.
ووقّع بايدن أمراً تنفيذياً لأجل «حماية الصحة العامة والبيئة وإعادة الاعتماد على العلوم لمعالجة أزمة المناخ»، ويشمل هذا الأمر بنوداً متعددة بخصوص القطاع البترولي والموارد الهيدروكربونية.
وشملت الأوامر التنفيذية كذلك إعادة النظر في الاستكشاف والتنقيب البترولي في الأراضي الفيدرالية. وهذه أراضٍ شاسعة تم تقسيمها في عهد الرئيس ترمب إلى آلاف القطع (بلوكات) لا يزال نحو 5600 قطعة منها غير مستثمرة. كما شملت الأوامر التنفيذية وقف النشاط البترولي وإعادة النظر في التنقيب في المحميات الطبيعية في الجزء الأميركي من القطب الشمالي التي يبلغ حجمها نحو 1800 كيلومتر مربع؛ وكان قد وافق الرئيس ترمب على التنقيب فيها.
كما شملت الأوامر التنفيذية إيقاف العمل وإعادة النظر في الأعمال البترولية في المياه البحرية المحاذية للسواحل الأميركية. وأعطى الأوامر لعودة الولايات المتحدة لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015. وهي خطوة تأتي في وقت مهم وحساس لمكافحة التلوث البيئي عالمياً؛ مما سيعطي زخماً جديداً لهذه الاتفاقية المهمة. ومنع بايدن كذلك اصطياد الطيور المهاجرة الموسمية.
وفي خطوة مهمة على صعيد الاقتصاد الدولي، منح الرئيس بايدن إدارة حماية البيئة فترة ستة أشهر لاقتراح القوانين والأنظمة لترشيد، وتقليص الوقود المستهلك في المركبات؛ مما سيعطي بدوره زخماً مهماً لتشجيع السيارات الكهربائية والهجينة، وفترة ثمانية أشهر لاقتراح القيود اللازمة على انبعاثات غاز الميثان من المنشآت النفطية والغازية.
كما ستترك بعض الأوامر الأخرى التي تم التوقيع عليها بصماتها على الساحة النفطية الدولية. فقد تم إيقاف العمل في خط أنابيب النفط الكندي «كي ستون» المتوجه من ولاية البرتا الكندية عبر الولايات المتحدة إلى خليج المكسيك بطاقة 830 ألف برميل يومياً. وتم إنفاق نحو 1.1 مليار دولار كندي للبدء في المشروع خلال العام الماضي. وكانت قد اعترضت مجموعات كبيرة من الحزب الديمقراطي منذ فترة على المشروع؛ تخوفاً من أي تسرب نفطي قد يؤدي إلى الإضرار بالبيئة. وهناك حذر وتخوف في أوساط الصناعة النفطية الأميركية، أن يشكل هذا القرار سابقة لإيقاف أو تأخير تشييد أنابيب نفط جديدة في المستقبل المنظور، بالذات من حقول النفط الصخري التي تحت التطوير، حيث واجه العمل على تشييد أنابيب جديدة صعوبات وعراقيل مؤخراً، بسبب انخفاض أسعار النفط وإغلاقات «كوفيد - 19». ومن المتوقع أن تؤدي هذه العراقيل أمام تشييد أنابيب جديدة في أميركا الشمالية إلى تقليص الإمدادات النفطية المتوقعة للسنوات المقبلة؛ مما سيقلص العرض في الأسواق العالمية.
يتوجب أن يوافق مجلس الشيوخ على الأموال الجديدة (1.9 تريليون دولار) التي يطلبها بايدن، لكن نظراً إلى ضخامة المبلغ المطلوب ونوعية وعدد البرامج الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب الدعم، يتوقع أن تبرز وجهات نظر متعددة وتعديلات على بعض البنود قبل الوصول إلى المبلغ النهائي.
ويتوقع أن تواجه أوامر بايدن بخصوص إيقاف العمل بمد خطوط أنابيب جديدة معارضة على صعيد الولايات من قبل نقابات العمال (حيث تسود البطالة)، وشركات النفط (التي تعاني من إغلاقات «كوفيد - 19» وانخفاض الطلب والأسعار)، والمجموعات المؤيدة لترمب في المجالس المحلية المنتخبة (التي تعتبر القوانين البيئية مضرة للاقتصاد الأميركي). من الممكن أن تؤدي هذه المعارضات المحلية إلى تأخير تنفيذ بعض الأوامر الإدارية، إلا أنه يتوجب تنفيذها في نهاية الأمر، رغم بعض التأخير المتوقع؛ لأنها تعتبر أموراً قانونية يتوجب تنفيذها.
* كاتب عراقي متخصص في أمور الطاقة