ترمب يترك بصمة مستدامة على سياسات الهجرة الأميركية

جانب من مظاهرة خارج المحكمة العليا لحماية حقوق «الحالمين» في نوفمبر 2019 (أ.ب)
جانب من مظاهرة خارج المحكمة العليا لحماية حقوق «الحالمين» في نوفمبر 2019 (أ.ب)
TT

ترمب يترك بصمة مستدامة على سياسات الهجرة الأميركية

جانب من مظاهرة خارج المحكمة العليا لحماية حقوق «الحالمين» في نوفمبر 2019 (أ.ب)
جانب من مظاهرة خارج المحكمة العليا لحماية حقوق «الحالمين» في نوفمبر 2019 (أ.ب)

عندما رشح الرئيس دونالد ترمب نفسه لإعادة انتخابه، سارع سكان الولايات المتحدة الذين ولدوا في الخارج للحصول على الجنسية الأميركية «قبل فوات الأوان».
ومن بين هؤلاء فيكتوريا أبراموفسكا، التي أصبحت مواطنة أميركية وتعيش في ولاية ماين. قالت فيكتوريا لوكالة «أسوشييتد برس»، «لم أكن أعرف ماذا كان سيحدث إذا حصل ترمب على فترة ولاية ثانية بعد كل هذه الأفعال التي قام بها».
لم تكن مخاوف فيكتوريا بلا أساس؛ فقد كانت إدارة ترمب أكثر عداءً للهجرة والمهاجرين من أي إدارة سابقة منذ عقود؛ مما جعل من الصعب على الناس زيارة الولايات المتحدة أو العيش أو العمل فيها، وذلك إلى جانب سعيها إلى تقليل عدد الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني.
من الممكن لجو بايدن التراجع بسرعة عن العديد من إجراءات الهجرة التي اتخذتها إدارة ترمب عندما يصبح رئيساً في 20 يناير (كانون الثاني)، وفق «أسوشييتد برس». لكن لن يتم محو إرث ترمب بشأن الهجرة بسهولة، فقد حُرم الناس من فرصة التقدم بطلب لجوء وعادوا إلى أوطانهم في ظروف صعبة. وأصيب الأطفال بصدمات نفسية جراء فصلهم عن عائلاتهم، وجرى رفع الجدار الحدودي المميز لترمب في مناطق حساسة بيئياً.
في هذا السياق، قال آرون ريتشلين ميلنيك، المسؤول بمجلس الهجرة الأميركية، إن «الضرر الذي لحق بالناس من جميع الأطياف - المهاجرون الشرعيون والمهاجرون غير الشرعيين وطالبو اللجوء وغيرهم - لن يتوقف بهذه السرعة، وفي بعض الحالات قد لا يتوقف نهائياً. هناك أناس ماتوا بسبب سياسات الهجرة التي استحدثها ترمب».
ربما يكون الأمر الأصعب فيما يخص الإجراءات القاسية التي طبقها ترمب في مواجهة الهجرة هو الإرث غير المقصود، وهو ما تمثّل في حالة الهلع التي أصابت المقيمين الأجانب، مثل أبراموفسكا التي سارعت لأن تصبح مواطنة أميركية خشية من عواقب هذه الحملة. فقد صرّحت الشابة البالغة من العمر 34 عاماً والتي نشأت في ألمانيا ولكنها تحمل الجنسية البولندية، بأنها تشعر بالقلق من أن يكون ترمب سبباً في أن يصبح من الصعب الحصول على الجنسية حتى في المستقبل؛ مما يعقّد حياتها إذا أرادت هي وزوجها المولود في الولايات المتحدة الانتقال إلى الخارج أو مجرد السفر، مضيفة «لم يكن من السهل توقع الحواجز التي يمكن أن تستحدث في الطريق في المستقبل». منذ بداية حملته الانتخابية الأولى، كان ترمب محدداً في لهجته بشأن الهجرة، حيث وصف العديد من عابري الحدود المكسيكيين بأنهم «قتلة» ومغتصبون، وكان ذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في يونيو (حزيران) 2015 للإعلان عن ترشحه.
وفي وقت مبكر من إدارته، أصدر ترمب أمراً بمنع الأشخاص من سبع دول ذات غالبية مسلمة من زيارة البلاد، وبعد معركة قانونية طويلة، أيدت المحكمة العليا الخطوة بأغلبية 5 - 4 أصوات. وسرعان ما فرض ترمب أيضاً قانوناً يحرم المهاجرين من الحصول على البطاقات الخضراء الذين قد يحتاجون إلى مساعدة عامة مثل قسائم الطعام أو «ميديكيد» للرعاية الصحية، والتي قال النقاد إنها في الأساس اختبار للثروة. كما أثار نزاعاً قانونياً وتم تعليقه من قبل محكمة فيدرالية.
اعترض ترمب كذلك على وصول مجموعات من المهاجرين إلى الحدود وأرسل الجيش لمنعهم، على الرغم من عدم وجود إشارات على أن حرس الحدود في حاجة إلى أي مساعدة. وسعت الإدارة إلى منع المهاجرين من عبور الحدود الجنوبية الغربية من خلال تدابير شملت بناء جدار بطول 450 ميلاً، وإجبار الأشخاص الذين يطلبون اللجوء على القيام بذلك في المكسيك أو أميركا الوسطى. وبمجرد أن بدأ وباء «كوفيد - 19» في التفشي، بدأت الجمارك وحماية الحدود الأميركية بسرعة في طرد الجميع تقريباً بموجب تصريح طارئ. وبدأت الأرقام في الارتفاع إلى مستويات ما قبل ترمب، على الرغم من أن بعضهم قد يتم القبض عليهم مراراً وتكراراً وهم يحاولون عبور الحدود بشكل غير قانوني.
وفقاً لإحدى الإحصائيات، أجرى ترمب أكثر من 400 تغيير في سياسة الهجرة، على الرغم من أن حديثه عن هذه القضية كان مختصراً في نهاية فترة رئاسته، وركز على «القانون والنظام».
يمكن لبايدن التراجع عن العديد من الإجراءات التنفيذية، حيث قال، على سبيل المثال، إنه يريد إعادة الحد الأقصى للاجئين الذي خفضه ترمب إلى أدنى مستوى مسجل، كما يخطط لوقف البناء على الجدار الحدودي. ويمكنه عرض تسوية الدعاوى التي تتحدى سياسات الإدارة.
في سياق متصل، قال ديفيد بيير، محلل سياسات الهجرة في معهد «كاتو»، «لن تكون الأولوية الرئيسية في العامين الأولين (لإدارة بايدن) أكثر من مجرد محاولة إعادة النظام إلى ما كان عليه في عام 2016». وقد يستغرق الأمر وقتاً أطول للتعامل مع التداعيات الأقل وضوحاً. لقد فرضت إدارة ترمب تجميداً في يونيو على البطاقات الخضراء الجديدة للعاملين في مجال التكنولوجيا والعمال الموسميين ومديري الشركات متعددة الجنسيات. وقال بير، إن مثل هذه الأفعال تضر بصورة الولايات المتحدة في الخارج.
استطرد بيير بقوله «لقد أصبح القدوم إلى هنا كوجهة أقل إغراء، وأصبح الناس متخوفين من القدوم لبدء الأعمال التجارية هنا أو للحصول على عمل. وبدلاً من ذلك اتجهوا إلى كندا بأرقام قياسية، وإلى أستراليا بأرقام قياسية وغيرها من وجهات الهجرة». أضاف قائلاً، إنها مسألة يقين. فالتغييرات العديدة التي أدخلتها الإدارة على سياسة الهجرة تجعل من الصعب على أي شخص التخطيط للمستقبل.
وأردف بقوله «إذا كنت لا تستطيع التخطيط والاعتماد على نظام الولايات المتحدة الذي سيظل فعالاً بشكل ما لسنوات مقبلة، فلن تكون حياتك متسقة»، وهو ما ينطبق على الأفراد أيضاً.
وفي السياق نفسه، قالت ريديما بهاتيا، وهي خريجة كلية حديثة تبلغ من العمر 22 عاماً من الهند «أصبحت مواطنة الشهر الحالي، وأعيش بالقرب من واشنطن العاصمة. كان يقول لي الناس إنه يجب عليكِ الإسراع والحصول على الجنسية، فأنت لا تعرفين أبداً ما يمكن أن يحدث».
كان لدى بهاتيا أسباب متعددة لتصبح مواطنة. فبعد العيش في الولايات المتحدة ببطاقة خضراء، تعتقد أن جواز السفر الأميركي سيسهل عليها السفر وسيسهل عليها البحث عن وظيفة. لكن قرارها بالسعي للحصول على الجنسية كان أيضاً رداً على عداء الإدارة للمهاجرين والذي شعرت به حتى في ضواحي شمال فيرجينيا الثرية. وربما يكون من المدهش أن تكون الزيادة في عدد المواطنين الجدد، مثل بهاتيا، جزءاً من إرث ترمب السياسي.
فقد كان هناك أكثر من 830 ألف حالة تجنيس العام الماضي، وهو أعلى معدل منذ عام 2008، ومن المتوقع أن يتجاوز العدد الإجمالي للسنوات الأربع في عهد ترمب 3.3 مليون.
وبالمعنى نفسه، قال راندي كابس، مدير الأبحاث في معهد سياسة الهجرة، إن الرقم المرتفع من العام الماضي هو نتيجة لعدد أكبر من المعتاد من المتقدمين في بداية رئاسته، عندما كان الكثيرون يخشون التغييرات القادمة.
كانت الإدارة سبباً في زيادة التدقيق في المتقدمين؛ مما جعل العملية تستغرق وقتاً أطول وجهداً أعظم، كما أنها جعلت اختبار الجنسية مؤخراً أطول وأصعب. لكن معدل الموافقة الإجمالي ظل كما هو، نحو 90 في المائة؛ لأن القواعد الأساسية لمن يتأهل للحصول على الجنسية لم تتغير.
وأضاف «بالنسبة للجزء الأكبر، فإن نظام الهجرة القانوني، الذي كتبه الكونغرس، صمد أمام اعتداءات إدارة ترمب»، في حين أن ترمب ربما كان سبباً ودافعاً للعديد من هؤلاء للإسراع في التجنيس، إلا أنه لم يكن المستفيد. وشأن الكثرين غيرها، فقد استخدمت فيكتوريا أبراموفسكا وضعها الجديد كمواطنة أميركية للإدلاء بأول اقتراع لها في انتخابات أميركية، وصوتت لبايدن.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».