عن الغربة والحرب والفلامنكو... حوار مع الفنان الكردي هيوا ك

بمناسبة معرضه الشخصي الأول في دبي تحت عنوان «هل تتذكرون ما تحرقون؟»

صورة جوية لبغداد من معرض الفنان هيوا ك «هل تتذكرون ما تحرقون؟» في «مركز جميل للفنون» بدبي (دانيلا بابتيستا)
صورة جوية لبغداد من معرض الفنان هيوا ك «هل تتذكرون ما تحرقون؟» في «مركز جميل للفنون» بدبي (دانيلا بابتيستا)
TT

عن الغربة والحرب والفلامنكو... حوار مع الفنان الكردي هيوا ك

صورة جوية لبغداد من معرض الفنان هيوا ك «هل تتذكرون ما تحرقون؟» في «مركز جميل للفنون» بدبي (دانيلا بابتيستا)
صورة جوية لبغداد من معرض الفنان هيوا ك «هل تتذكرون ما تحرقون؟» في «مركز جميل للفنون» بدبي (دانيلا بابتيستا)

يقام حالياً في «مركز جميل للفنون»، مؤسسة الفن المعاصر في دبي، معرض «هل تتذكرون ما تحرقون؟»، وهو المعرض المنفرد الأول للفنان الكردي هيوا ك، في آسيا والشرق الأوسط، والذي يلقي الضوء على أكثر من عشر سنوات من أعمال الفنان الذي يستحضر في العديد من أعمال المعرض مسقط رأسه، مدينة السليمانية في كردستان العراق، وتجاربه في الفرار لاجئاً، ومن ثم العودة بعد سنوات طوال.
الحديث مع الفنان هيوا ك، يتشعب ويطرق أبواباً كثيرة ويثير شؤوناً وشجوناً لدى الفنان. وما بين الوطن الذي اضطر الفنان إلى مغادرته في التسعينات، وما بين السياسة التي حكمت عالمه وأثرت على عمله، ينطلق حوارنا.
المعرض هو الأول للفنان في المنطقة العربية بعد نجاحات حققها في أوروبا، وهو ما يمدني بسؤالي الأول عن إحساسه بمعرضه العربي الأول. يجيب «أنا مرتاح للعرض هنا لأن أعمالي كلها مرتبطة بالمكان والسياسة»، ويشير إلى أنه شارك من قبل في عرض موسيقي في عمان بالأردن «إحساس جميل أن ألتقي أناساً قريبين من ثقافتنا، وشيء يسعدني أن أتلقى التقدير من منطقة أنتمي إليها».
أسأله إن كان عرض أعماله في العراق من قبل، ولكن نبرة الحسرة تلون إجابته «دائماً آخر بلد تقدرك هو بلدك!»
أعمال هيوا ك عراقية وكردية صميمة، من المادة الخام إلى الموضوعات.
كما يهتم الفنان بالعمل الفني يهتم بالموسيقى أيضاً؛ فهو درس الموسيقى في أوروبا وجذبه فن الفلامنكو ورأى فيه امتداداً لثقافته وتعبيراً عن التنقل بين البلدان. يتحدث عن علاقة خاصة مع هذا الفن، «موسيقى الفلامنكو مثل شجرة صغيرة نقلتها الريح من كردستان وأوصلتها إلى إسبانيا، حيث مدت جذورها». يعود لتاريخ الفلامنكو الذي يربطه بالموسيقي الأندلسي زرياب، «زرياب ترك العراق ولجأ للأندلس حيث أضاف مقام (كرد) لآلة العود، وأسّس أول مدرسة موسيقية». ويضيف «تأريخ الفلامنكو يعود لزرياب، البعض يقول موصلياً وآخر يقول بغدادياً، والأكراد يقولون اسمه زوراب (كردي). عندما ترك العراق بعد تهديده بالقتل أخذ العود وذهب إلى قرطبة وأسس أول مدرسة موسيقية، ومن هذه المدرسة أعتقد وغيري كثيرون يعتقدون أن أعمال زرياب كانت بداية الفلامنكو. كل أعمالي بها إشارة إلى ذلك، بأن لدينا مساهمة في الغرب». بشكل ما يرى الفلامنكو وخلفيتها الثرية لها علاقة بالهجرة، ويشرح لي أكثر «موسيقى الفلامنكو خليط موسيقي، تأخذ من أفريقيا، ومن الغجر الذين هاجروا من الهند ومروا ببلادنا خلال عصور مضت وأخذوا الموسيقى معهم، وأيضاً تأخذ من الموسيقى الإسبانية الفلكلورية. هذا الوقت كان هناك جو ديمقراطي في قرطبة، كان كل شخص يستطيع التعبير عن أدبه وفنه، وهذه الحالة ساعدت على انتشار الفلامنكو».
الهجرة والنزوح شكلت هيوا ك الإنسان والفنان، يروي أنه غادر وطنه في التسعينات «أتذكر أني وأصدقاء قررنا مغادرة البلاد، وأتذكر سماع أن 28 شخصاً كانوا يحاولون الفرار قتلوا على الحدود، وقتها قلت (إذا نطلع نطلع وإذا متنا أحسن... كنا جيلاً ضائعاً)».
أقول له «قرأت تعبيراً لك بأن كردستان مثل البيتزا المقطعة إلى أربعة أقسام». يقول «كردستان مثل قرص البيتزا، 40 مليون شخص ليس لدينا دولة ونعيش كأقليات في دول. ولكن وضعنا أيضاً به احتمالات كثيرة، فكردستان مثل الوادي والدول المجاورة لها مثل الجبال؛ فكل الثقافة والتقاليد والأكلات كلها تنحدر عندنا، كشخص كردي أنت تتحدث بلغات كثيرة وعندك مزج لثقافات كثيرة، أنا فخور بكوني كردياً».
من الأعمال المعروضة مجسم تفاعلي على هيئة جرس نحاسي ضخم، يحمل نقوشاً آشورية، ومنها الثور المجنح. للجرس قصة وأبعاد مختلفة وطبقات مختلفة من المعاني. يأخذني الفنان معه في رحلة تنفيذ العمل الذي عرضه في بينالي فينيسيا للفنون عام 2016. فكرة صنع الناقوس كانت البداية؛ ولصنعه لجأ إلى شخص يعمل في صهر الأسلحة الأميركية المهملة في كردستان، يجمعها من الحدود مع إيران وتركيا، يجتمع لديه أنواع الأسلحة المختلفة والألغام ليصهرها في قوالب يبيعها بعد ذلك للصين وإيران، «كنت متأثراً بالمعرفة التي تكونت لديه، كان يمثل أرشيفاً كاملاً عن الحرب وعن المنطقة؛ لأنه يعرف الكثير عن كل قطعة سلاح مصدرها، وأين تستخدم، وفي أي حرب استخدمت وتأثيرها على البشر».
ولكن فكرة الناقوس نفسها لها أبعاد أخرى، فحسب ما يقول لي وجد عبر أبحاث أن حكام أوروبا في العصور الوسطى خلال الحروب كانوا يلجأون لصهر نواقيس الكنائس لصنع المدافع.
المعلومة دعته للبحث مجدداً عن الورش التي يمكنه صنع ناقوسه النحاسي، وبالفعل وجد واحدة في إيطاليا عمرها 700، وأثارته معلومة أن تاريخ الورشة وسر الصنعة فيها يعود لحرفي إيطالي كان يعمل في ترسانة الأسلحة (آرسنالة) في فينيسيا ويعمل في صنع المدافع واضطر إلى الهرب من فينيسيا بسبب مشكلة سياسية وانتقل إلى ميلانو، حيث استغل معرفته في صنع النواقيس. من الموحي أن ناقوس هيوا ك عرض على أرض آرسناله في بينالي البندقية.
تبدو قصة صناعة ناقوس بمثل حلقات متشابكة، وهو ما يسهم في تكوين طبقات ثرية من المعاني. يرى أن في صنعة الناقوس النحاسي من بقايا أسلحة غربية أمراً ذا دلالة خاصة «كان مهماً بالنسبة لي أن أصنع الناقوس وأعرضه في أوروبا، الغرب يصنعون أسلحة ويصدّرونها لدولنا، بهذه الطريقة عندما نصهر سلاحاً ونعيده لأوروبا لنصنع منها ناقوساً، نذكرهم. بطريقة ساخرة، أريد أن يعرف الناس أن من صنع حروبنا هو الغرب».
عمل آخر في العرض يجذبني للحديث عنه واسمه «دمار مشترك»، ويتكون من بساط مطبوع عليه صورة جوية لمدينة بغداد. العمل نفذه بتكليف من «مركز جميل للفنون»، لكنه يومئ لعمل سابق للفنان اسمه «نظرة من أعلى». يقول «أول مرة نفذت العمل كانت في مدينة مانهايم الألمانية، ولديهم أكبر معمل للمواد الكيمائية»، يربط بين ذلك وبين الأسلحة الكيمائية التي استخدمها صدام حسين ضد حلبجة وكانت ألمانية الصنع، «طبعت على سجادة كبيرة صورة جوية للمدينة الألمانية التقطها طيار نازي في عام 1943». وتمت دعوة الجمهور للجلوس على السجادة ومشاهدة الفيلم المصاحب، «ذكّرناهم بمدينتهم التي دمرت في ذلك الوقت، لكنها الآن تشارك في تدمير بلاد أخرى. وفي عملي الحالي هنا أتحدث عن مدينة من العراق ولكن بالفيديو نرى مدينة كاستل التي دمرت في الحرب العالمية الثانية، والآن لديها مصنع كبير للأسلحة يصدر منها للعراق».

* معرض «هل تتذكرون ما تحرقون؟» يستمر في «مركز جميل للفنون» بدبي إلى 24 يوليو
(تموز) 2021.


مقالات ذات صلة

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

يوميات الشرق ألوانُها كأنه العيد في الفضاء (ناسا)

التلسكوب «جيمس ويب» يلتقط «زِينة شجرة ميلاد مُعلَّقة في الكون»

التقط التلسكوب الفضائي «جيمس ويب» التابع لـ«ناسا»، للمرّة الأولى، صورة لِما بدت عليه مجرّتنا في الوقت الذي كانت تتشكَّل فيه؛ جعلت علماء الفضاء يشعرون بسعادة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الكويكبات الجديدة رُصدت بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)

رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً

تمكن فريق من علماء الفلك في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة من رصد 138 كويكباً صغيراً جديداً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ باميلا ميلروي نائبة مدير «ناسا» وبيل نيلسون مدير «ناسا» خلال مؤتمر صحافي في واشنطن (أ.ف.ب)

«ناسا» تعلن تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر

أعلن مدير إدارة الطيران والفضاء (ناسا)، بيل نيلسون، تأجيلات جديدة في برنامج «أرتميس» الذي يهدف إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر لأول مرة منذ 1972.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم رائدا الفضاء سونيتا ويليامز وباري ويلمور (أ.ب)

مرور 6 أشهر على رائدَي فضاء «ناسا» العالقين في الفضاء

مرّ ستة أشهر على رائدَي فضاء تابعين لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) عالقين في الفضاء، مع تبقي شهرين فقط قبل العودة إلى الأرض.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق رحلة ولادة الكسوف الاصطناعي (أ.ب)

«عرض تكنولوجي» فضائي يمهِّد لولادة أول كسوف شمسي اصطناعي

انطلق زوج من الأقمار الاصطناعية الأوروبية إلى الفضاء، الخميس، في أول مهمّة لإنشاء كسوف شمسي اصطناعي من خلال تشكيل طيران فضائي مُتقن.

«الشرق الأوسط» (كيب كانافيرال فلوريدا )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».