لأول مرة... الباريسيون محرومون من استقبال 2021 في الشانزليزيه

أضواء الميلاد تزين «الشانزليزيه» وفي الخلف قوس النصر(رويترز)
أضواء الميلاد تزين «الشانزليزيه» وفي الخلف قوس النصر(رويترز)
TT

لأول مرة... الباريسيون محرومون من استقبال 2021 في الشانزليزيه

أضواء الميلاد تزين «الشانزليزيه» وفي الخلف قوس النصر(رويترز)
أضواء الميلاد تزين «الشانزليزيه» وفي الخلف قوس النصر(رويترز)

خبر سعيد وخبر حزين أعلنهما رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس، لمواطنيه قبل أيام: سيتاح لهم الخروج واستقبال العائلة والسهر ليلة عيد الميلاد، لكن ليس ليلة رأس السنة. وحسب تعليمات الوقاية من داء «كورونا»، فإن منعاً للتجول سيبدأ من الثامنة مساء الحادي والثلاثين من الشهر الحالي، حتى السادسة من الصباح التالي.
اعتاد جموع الباريسيين، معهم آلاف السائحين الذين يحلون في العاصمة الفرنسية ليلة رأس السنة، التجمهر في جادة الشانزليزيه والتمتع بأنوار زينتها الشهيرة، وتبادل التهاني والأنخاب والعناقات عند اقتران عقربي الساعة معلنين ابتداء عام جديد. إنها اللحظة التي تتعالى فيها صيحات الفرح والأمنيات بالعديد من اللغات: «بون آني»، «سنة حلوة»، «هابي نيو يير»، وما يقبلها باليابانية والصينية والإيطالية والإسبانية والروسية والتركية. لكن رغم أحزان 2020 ومروره الثقيل على العالم شهراً بعد شهر، فإن الشارع الشهير لن يردد، هذه المرة، أصداء تلك الصرخات، ولن يكون الحاضنة المثالية للمحتفلين بحلول 2021.
تختزن ذاكرة الجادة التي توصف بأنها الشارع الأجمل في العالم، مئات المناسبات السعيدة التي جرت على حجارتها المرصوفة ورصيفيها العريضين العامرين بالمقاهي والمطاعم ودور السينما وأرقى المتاجر. وهي مناسبات لا تقتصر على الأعياد فحسب، بل تشمل الانتصارات العسكرية والرياضية ولحظات الفوز الانتخابي واستعراضات اليوم الوطني. ويقدر عدد الذين قطعوا هذه الجادة، أو مروا بها، في السنوات العشر الأخيرة بعشرة مليارات شخص، من شمالها عند قوس النصر، حتى جنوبها في ساحة «الكونكورد» التي تتوسطها المسلة المصرية.
بدأت أعمال شق الشانزليزيه قبل أكثر من 350 عاماً. وكما طوله يبلغ 1910 أمتار وعرضه 70 متراً. وفي القرن الثامن عشر كان المتنزه المفضل لسيدات الطبقة النبيلة، حيث يستعرض فيه الموسيقيون معزوفاتهم. ومنه اشتق القصر الرئاسي اسمه. وقد سارت فيه نماذج المركبات الأولى التي ابتكرتها مصانع السيارات الفرنسية. وفي جنباته أقيم المعرض الكوني الأول. وفيه افتتحت أولى صالات العرض السينمائي. وتحت أرضه حُفر أول خط لمترو الأنفاق في العاصمة. وتقع فيه اليوم 4 محطات، ويرتاده 100 مليون زائر في السنة. ويعتبره السائحون إحدى الوجهات الرئيسية لمدينة النور، إلى جانب برج «إيفل» ومتحف «اللوفر». كما أنه الممر الذي يجري فيه استعراض وحدات الجيش في العيد الوطني الفرنسي. ومنه عبر الجنرال ديغول وكبار ضباطه قلب باريس بعد تحريرها من الاحتلال الألماني. وهو النقطة التي ينتهي عندها ماراثون باريس للدراجات. وفي جنباته احتفل أكثر من مليون فرنسي بفوز منتخبهم الوطني بـ«المونديال» عام 1998، ثم عام 2018. ومنه مرت جنازة الأديب فيكتور هوغو عام 1885 في القرن التاسع عشر، من ثم جنازة المغني جوني هاليداي عام 2017 في قرننا الحالي.
ونظراً لموقعه في «ضمير» الأمة، أُعلن عن حملة بكلفة 150 مليون يورو لمنح الشارع جمالاً إضافياً، استعداداً لاستضافة باريس للألعاب الأولمبية المقررة لسنة 2024. وكانت آخر عملية تحديث للشارع قد جرت في عام 1993 في عهد عمدة باريس الأسبق جاك شيراك. وشيراك هو الرئيس الذي كان قد أصدر قراراً بإيقاع غرامة نقدية فورية على كل من يبصق علكته على رصيف «الشانزليزيه». وجاء القرار بعد تجديد الأرصفة وتبليطها بالحجر الفاخر.
وفي حين كانت هذه الجادة التجارية العريضة عنواناً للحداثة أواخر القرن الماضي، تحولت مع الوقت إلى شريان يختنق بالسيارات ويسوده الضجيج. كما بات من الصعب الحفاظ على نظافة الأرصفة بسبب انتشار مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي المكشوفة التي تزدحم بالمدخنين.
وبسبب زحام السيارات، فإن عدد أيام تلوث الجو في الشارع يبلغ 140 يوماً في السنة. ومع انطلاق تظاهرات الاحتجاج المعروفة بـ«السترات الصفراء»، شهد الشانزليزيه أعمال عنف وتكسير وحرائق خطيرة، ومواجهات عنيفة بين فئات من المتظاهرين الفوضويين وبين قوات حفظ الأمن، كان من نتيجتها إغلاق محطات المترو المارة به والمؤدية إليه، ومحاولة توجيه التظاهرات إلى مناطق أخرى في العاصمة.

ورغم تلك الأحداث، وكذلك حوادث السطو التي عانت منها متاجر المجوهرات القريبة منه، ظل هذا الشارع قبلة للسائحين وزوار باريس من المحافظات الفرنسية الأخرى، وهو ما لن نراه فيه آخر سنة «كورونا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».