ظروف «كوفيد ـ 19» تطور الممارسات الطبية

توظيف عقاقير وطرق علاجية جديدة لإنقاذ المرضى

ظروف «كوفيد ـ 19» تطور الممارسات الطبية
TT

ظروف «كوفيد ـ 19» تطور الممارسات الطبية

ظروف «كوفيد ـ 19» تطور الممارسات الطبية

مع مرور ما يقارب السنة تقريباً على انتشار الجائحة العالمية «كوفيد-19»، وفقدان أكثر من مليون ونصف المليون شخص حول العالم بسببها، لا يزال الأطباء في جميع أنحاء العالم يتعلمون عن هذا الفيروس ويتكيفون معه، حيث يكتشفون طرقاً جديدة وعلاجات أكثر فاعلية في الحفاظ على الناس على قيد الحياة.
- مرض جديد
يتعلم الأطباء تحسين الرعاية والعلاج لمرضى «كوفيد-19»، من أجل إنقاذ مزيد من الأرواح، ويعود الفضل في ذلك للتضحيات التي قدمها أوائل ضحايا الجائحة من المرضى. ووفقاً للدكتور مارتن لاندراي (Martin Landray)، أستاذ الطب وعلم الأوبئة في جامعة أكسفورد رئيس الفريق البحثي لدراسة (Recovery trial) التي استغرقت 100 يوم، فإن الجائحة أفرزت نتائج غيرت الممارسة السريرية تماماً على المستوى الدولي.
لقد غلب على الأطباء شعور بـ«العجز» في أول أربعة شهور من تفشي الوباء، بشأن قدرتهم على علاج المرض، من حيث حجم الأعداد الكبيرة للمصابين، وقلة المعلومات، سواء حول سبب تحويل بعض المرضى للعناية المركزة أو وفاة بعض آخر خلال أيام معدودة أو تعافي الآخرين، والتغيير المتكرر لبروتوكولات العلاج.
ولم يرَ الأطباء من قبل، مطلقًا، أي شخص مريض بـ«كوفيد-19»، ولكنهم بعد أربعة أشهر أصبحوا على دراية بالمرض، وعلى قرب شديد من المرضى في غرف الطوارئ والعناية المركزة، وتعلموا الكثير عن أفضل السبل لعلاج المرضى.
لقد كانت التوصيات الخاصة بخطط وبرتوكولات العلاج تتغير بشكل متكرر غير معهود في بداية الوباء، وكذلك ممارسات العاملين الصحيين باتت تتغير من يوم إلى آخر تقريباً، مما جعل الأمر محيراً حقاً للأطباء والممرضات بشكل خاص.
وما لبثت الأمور أن تغيرت شيئاً فشيئاً، مع مرور الأيام والشهور للجائحة، وبدأ الأطباء يحققون تقدماً في اكتشاف علامات الإنذار المبكر للحالات الخطيرة من المرض، وتعلموا كيفية التدخل المبكر الفعال، ورافق ذلك انتشار الوعي بين الناس عن معظم ما يتعلق بالفيروس المستجد، فبدأوا يشعرون بقدر أكبر من السيطرة على المرض.
- دراسات وبيانات
مع بداية ظهور الوباء في مدينة ووهان الصينية، بدأت الدراسات في جميع المراكز الطبية، وأخذت البيانات تتدفق من جميع أنحاء العالم، بعضها واعد وبعضها الآخر ضعيف محبط. الواعد منها منح الأطباء الثقة بشكل متزايد بأن العلاجات الجديدة والاستراتيجيات السريرية سوف تساعد في تقليل خطر الوفاة بسبب كورونا، وبالفعل أصبحت معدلات الوفيات السريرية تشهد تراجعاً نتيجة التحكم في العلاج بشكل أفضل، وبالاستخدام الأمثل للأكسجين وموارد العناية المركزة، والاستخدام الأفضل للديكساميثازون، والاحتياطات الكبيرة التي يتخذها الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، مثل كبار السن والذين يعانون من حالات مزمنة كالسكري وأمراض القلب، مما ساعد في تجنب تعرضهم للفيروس، وفقاً للمدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية.
- التعامل مع الحالات
> خلال الأشهر الأولى للجائحة، حدثت تغييرات في استراتيجيات الأطباء تجاه المرضى من ذوي الحالات الخطيرة، فمريض «كوفيد-19» من النوع الشديد الذي يستلزم التنويم بالمستشفى خارج قسم العناية المركزة سوف يحظى بالعناية الأساسية من الأطباء، مثل إعطائه السوائل الوريدية لمنع الجفاف، والمحافظة على خفض درجة الحرارة، وإعطائه الأكسجين حسب الحاجة، مع مراقبة المؤشرات الحيوية. وقد أصبح الأطباء الآن أكثر يقظة للتعامل مع جلطات الدم التي تظهر لدى كثير من مرضى كورونا وتهدد حياتهم.
> أما مريض «كوفيد-19» من النوع المتوسط، فسوف يخضع لعمل الاختبارات المتاحة في المستشفيات لتأكيد الإصابة، ويتم تجنيب إعطائه علاجات غير ضرورية، مع الحرص على ألا ينتقل إلى النوع الشديد بإعطائه الستيرويدات مبكراً، وكذلك علاجات الأجسام المضادة الصناعية التي تمنع الفيروس.
> وبالنسبة لمرضى النوع الخفيف الذين يعانون من أعراض أقل حدة، فإنهم يتلقون العلاج المناسب في المنزل، مع المراقبة اليقظة للأعراض، وتجنب انتشار المرض للآخرين. وفي بعض الحالات، يُطلب من المريض عزل نفسه في أثناء المرض قدر الإمكان عن الأسرة والحيوانات الأليفة، وارتداء الكمامة، واستخدام غرفة نوم وحمام منفصلين، واتباع الإرشادات الطبية حتى الانتهاء من العزلة المنزلية.
- عقاقير واعدة
ورقة بحثية اخترناها من بين ما تم نشره (أكثر من 25600 ورقة تتعلق بالفيروس) خلال انتشار الجائحة، كانت تركز على إجراء تجارب عشوائية كبيرة ذات شواهد مصممة بدقة، وهي التي تعد في البحوث الطبية «معياراً ذهبياً»، فهي التي تثبت بالدليل ما الذي ينجح بالفعل، وليس ما الذي نأمل أن ينجح. ونُشرت الدراسة البحثية بعنوان «Recovery trial» الشهر الماضي في مجلة الأبحاث ساينتومتريكس (the research journal Scientometrics)، وقادها الدكتور مارتن لاندراي (Martin Landray)، أستاذ الطب وعلم الأوبئة في جامعة أكسفورد، مع باحثين آخرين في المملكة المتحدة، وشارك فيها الآلاف من المشاركين في خمس دراسات جارية تسعى إلى تحديد ما إذا كانت خمسة عقاقير مختلفة يمكن أن تفيد مرضى «كوفيد-19» أم لا، وهي:
> ديكساميثازون (كورتيكو ستيرويد)، رخيص متوفر على نطاق واسع، تم التوصل في يونيو (حزيران) الماضي إلى أنه يقلل من خطر الوفاة بنحو الثلث بين المرضى الأكثر خطورة، فكان أول «اختراق» رئيسي في علاج «كوفيد-19».
> عقار رمديسيفير (Remdesivir)، دواء مضاد للفيروسات من جيليد (Gilead)، يُعتقد أنه يسرع من الشفاء في المرضى المنومين بالمستشفى، ولكن لا تزال هناك مجموعة من الأسئلة حول ما إذا كان هذا الدواء يمنع بالفعل الوفاة الناجمة عن «كوفيد-19» بين المرضى الأكثر خطورة، كما يفعل الديكساميثازون والكورتيكوستيرويدات الأخرى.
> عقار هيدروكسي كلوروكين (hydroxychloroquine) المضاد للملاريا، وقد أبلغ الأطباء في فرنسا في بداية تفشي المرض في شهر مارس (آذار) عن أدلة غير مؤكدة على أنه يبدو منقذاً للأرواح. فاستخدم على أساس طارئ، وارتفعت الوصفات الطبية له بنسبة 2000 في المائة بين المرضى البالغة أعمارهم 60 عاماً، لكن الدراسات اللاحقة وجدت أنه يسرع في الواقع من الموت لدى بعض المرضى، فسحبت إدارة الغذاء والدواء الأميركية تصريح الطوارئ في يونيو (حزيران).
> عقاقير فيروس نقص المناعة البشرية (lopinavir وritonavir) ألهمت الأمل، فتم وصفها على نطاق واسع علاجاً مشتركاً لمرضى «كوفيد-19» المنومين بالمستشفيات، إلا أن تأثيرها في خفض الوفيات كان ضئيلاً أو معدوماً، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
> عقار ريجينيرون (Regeneron) المضاد للفيروسات، وُجد في أوائل سبتمبر (أيلول)، ضمن دراسة «Recovery trial»، أنه علاج واعد، ولكن لن يتم الإعلان عن نتائجه حتى نهاية الدراسة التي قد تأتي في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الحالي أو يناير (كانون الثاني) المقبل 2021.
لقد استطاعت دراسة «Recovery trial» أن تؤكد فاعلية عدد من الأدوية التي يمكنها أن تنقذ الأرواح، وأسفرت عن نتائج غيرت ممارسة الأطباء في التعامل مع «كوفيد-19» تماماً على المستوى الدولي. فقد تغير نهج الأطباء في العلاج، وأصبح أكثر تحفظاً عندما يتعلق الأمر باستخدام العقاقير، بعد أن كان كثير منهم يميلون للأفراط في استخدام العقاقير لعلاج الأعراض، مع حدوث عدد من الآثار الضارة، فغالبية الأمراض -متوسطة إلى خفيفة الشدة- تتحسن من تلقاء نفسها عند غالبية الناس.
- طرق علاجية
> علاج بلازما النقاهة. بلازما النقاهة (convalescent plasma) هو دم يتم التبرع به من قبل الأشخاص الذين تعافوا من مرض «كوفيد-19»، وقد تم اعتماده من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) للاستخدام الطارئ في علاج الأشخاص المصابين بـ«ـكوفيد-19» في المستشفى، مع استمرار الرعاية الداعمة لتخفيف الأعراض، ومنها مسكنات الألم (إيبوبروفين أو إسيتامينوفين)، شراب أو دواء للسعال، مع الراحة وتناول السوائل.
> وضعية الانبطاح للحصول على الأكسجين. وفيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد، فإن أحد أهم الإنجازات التي حققها الأطباء هو الفهم الأفضل لكيفية تزويد مرضى الحالات الحرجة بالأكسجين دون وضعهم على جهاز التنفس الصناعي. ففي الوقت المبكر من تفشي الجائحة، دأب الأطباء على وضع المرضى المصابين في مراحل خطيرة متقدمة على أجهزة التنفس الصناعي، وهي طريقة تدخلية (invasive)، ولكنها فعالة لتوفير الأكسجين عند فشل الرئتين. وأدى ذلك إلى تسابق الدول في الحصول على أجهزة التهوية الصناعية التي لم تكن متوفرة بالعدد الكبير الذي يفي بمتطلبات الجائحة، فأنفقت مئات الملايين من الدولارات لإعادة تجهيز المصانع لبناء آلات إنقاذ الحياة.
ولكن مع مرور الوقت، واكتساب الخبرة، اتجه الأطباء نحو وسائل أقل توغلاً للأكسجين الإضافي، ووجهوا المرضى إلى مزيد من الراحة في وضعية الانبطاح على بطونهم لمساعدتهم على تجنب الحاجة إلى التهوية الميكانيكية، فحصلوا على نتائج باهرة، وتحسن كثير من المرضى الذين قدمت لهم الرعاية بطريقة أكثر تحفظاً. لماذا وضعية الانبطاح هذه؟ عندما ينام شخص على ظهره، تضغط أعضاؤه على رئتيه، وتجعل من الصعب على الشعب الهوائية أن تتوسع بالكامل، أما عندما يكون على معدته، يكون لرئتيه مساحة أكبر لملء الهواء، مما يساعد في الحصول على ما يكفي من الأكسجين لتجنب الحاجة إلى جهاز التنفس الصناعي. ووفقاً للدكتور جيمس هودسبيث (James Hudspeth)، رئيس قسم استجابة «كوفيد» للمرضى الداخليين في مركز بوسطن الطبي، كان الأطباء يلجأون إلى الكانيولات الأنفية للحصول على مستويات عالية من الأكسجين.
- الجدول الزمني للعلاج
لا تزال هناك أسئلة كثيرة تحير الجمهور تدور حول مزيج العلاج والرعاية والراحة التي يحتاج إليها مريض «كوفيد-19».
ويتفق الأطباء في جميع أنحاء العالم على أنهم يعالجون الآن مرضى «كوفيد-19» بطرق أكثر فاعلية، وبخيارات علاجية أكثر من ذي قبل، وأن هناك تحسناً كبيراً في الأشهر الأخيرة، ليس فقط في أسلوب علاج «كوفيد-19»، وإنما أيضاً على الجدول الزمني لرعاية المرضى. فالآن، يتم إدخال عدد أقل من المرضى إلى المستشفيات، ويقيمون فيها لفترة أقصر من ذي قبل، وقد بدأ معظم المرضى يظهرون الاستجابة في غضون ثلاثة إلى أربعة أيام.
ولقد أصبح متوفراً لدى المراكز العلاجية نظام علاجي واضح متفق عليه، يبدأ عادة باستخدام مضاد الفيروسات ريدميسيفير (remdesivir) وعقار ديكساميثازون (dexamethasone)، وبعض المراكز تضيف البلازما إلى ذلك، ومن ثم تقدم لهم فرصة للأجسام المضادة مثلاً.
وإذا نظرنا إلى غالبية مرضى «كوفيد-19»، نجدهم من صغار السن الذين يتمتعون بصحة جيدة، وتكون حالتهم بين الخفيفة والمتوسطة، ونادراً ما يحتاجون إلى دخول المستشفى. أما الحالات الشديدة التي تتطلب التنويم بالمستشفى، فيكون الإطار الزمني بين خمسة إلى عشرة أيام كحد أقصى. وهذا يعني أن المرضى يقضون وقتاً أقل في المستشفى من ذي قبل.
وأخيراً، فإن من الملاحظ في الشهور الأخيرة للجائحة أن معدل توارد المعلومات الجديدة قد تباطأ، وأن الأطباء لم يعودوا يغيرون ممارساتهم بالسرعة التي كانوا عليها في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، ومن المتوقع أن تصبح معظم الأمور مستقرة نسبياً في الأشهر القليلة المقبلة. وتستثنى من ذلك المعلومات الجديدة حول الأدوية الأكثر فائدة أو الأقل فائدة، وحول اللقاحات المرتقبة ومدى تأثيرها في الوقاية من الفيروس، ومنع مضاعفات المرض على المصابين، والقضاء على انتشار الفيروس بين الناس، لكن معظم الممارسات الشائعة الأخرى ستكون أكثر رسوخاً.
- استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك من اليسار: القلب السليم مقابل القلب المصاب بالرجفان الأذيني (غيتي)

تتبُع الرجفان الأذيني باستخدام ساعة ذكية؟ تجنّبْ هذا الفخ

يعاني الملايين من الأميركيين من الرجفان الأذيني - وهو اضطراب سريع وغير منتظم في إيقاع القلب يزيد من خطر المضاعفات القلبية الوعائية، بما في ذلك السكتة الدماغية

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل
TT

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب. ولم أحصل على نتائج مُرضية في غالب الأحيان. ما تنصح؟»

وللإجابة فإني أفترض بداية أن تناوله فياغرا كان بعد استشارة الطبيب وإجرائه الفحص الإكلينيكي والفحوصات اللازمة لهذه الحالة، وأنه تناول الحبة حسب توجيهات الطبيب.

مفعول فياغرا

ولكن سواء كان الأمر كذلك أو لم يكن، فإن الأمر يتطلب متابعة عرض النقاط التالية بشكل سردي متسلسل لفهم أسباب فشل أو توقف مفعول فياغرا، أو غيره من أدوية تنشيط الانتصاب، عن العمل:

1. فياغرا دواء مصمم لمساعدة الشخص للحصول على الانتصاب والحفاظ عليه، إذا كان يعاني من ضعف الانتصاب. والدواء النشط هو «سيلدينافيل»، والذي يصنف على أنه من فئة أدوية «مثبط للفوسفوديستيراز - 5». وهناك أدوية أخرى من نفس الفئة، ولديها مميزات قد لا تتوفر في فياغرا، مثل سيالس (تادالافيل)، وليفيترا (فاردينافيل)، وستيندرا (أفانافيل).

وهذه الفئة من الأدوية هي خط العلاج الأول لضعف الانتصاب. ومع ذلك، قد تجد أن أياً منها لا يعمل أبداً أو يتوقف تدريجياً عن العمل، بعد استخدامه بنجاح لفترة.

وإذا حدث هذا، فأنت لست وحدك، حيث تشير المصادر الطبية إلى أن ما يصل إلى 40 في المائة من المرضى قد لا يستجيبون بشكل مرضٍ لهذه الأدوية ولا يجدون الرضا بتناولها. كما أنه، ووفقاً للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية، فإن «الاستخدام غير الصحيح» لفئة أدوية «مثبط للفوسفوديستيراز - 5» يمثل 56 في المائة إلى 81 في المائة من حالات فشل العلاج.

2. يحدث الانتصاب عندما تكون هناك زيادة في تدفق الدم إلى القضيب. وإذا كان تدفق الدم هذا محدوداً، يعاني الشخص من ضعف الانتصاب. وأثناء الإثارة الجنسية، يتم إطلاق بروتين يسمى «أحادي فوسفات الغوانوزين الدوري». وهذا يزيد من تدفق الدم إلى القضيب للحصول على الانتصاب أو الحفاظ عليه. ولكن بمجرد إطلاقه، يقوم بروتين آخر يسمى «فوسفوديستيراز - 5» بتكسير بروتين «أحادي فوسفات الغوانوزين الدوري»، مما يحد من تدفق الدم إلى القضيب، وبالتالي يتلاشى الانتصاب (أي نتيجة تفاعل بين نوعين من البروتينات).

ويعمل دواء فياغرا وغيره من مجموعة أدوية مثبطة للفوسفوديستيراز - 5. عن طريق تثبيط وإعاقة عملية التكسير هذه مؤقتاً، بغية الحفاظ على زيادة تدفق الدم إلى القضيب واستمرار انتصابه بهيئة أقوى أثناء الجماع. وبهذا يستفيد منْ لديه ضعف في الانتصاب بشكل مُرضٍ، وكذلك يستفيد بشكل أقوى منْ ليس لديه ضعف في الانتصاب بالأصل، ولكن لديه عوامل نفسية وذهنية تشتت رغبته الجنسية في أن تترجم بطريقة طبيعية عبر تكوين انتصاب العضو الذكري.

حالات ضعف الانتصاب

3. عملية الانتصاب هي عملية معقدة تتطلب نجاح أجزاء مختلفة من الجهاز العصبي والأوعية الدموية والغدد الصماء والجهاز التناسلي والصحة النفسية، في تكوين الانتصاب. وتُعرّف الأوساط الطبية ضعف الانتصاب بأنه: عدم القدرة على تكوين الانتصاب والحفاظ عليه لإتمام ممارسة العملية الجنسية لفترة معتادة. ويحدد الإصدار الخامس للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطراب العقلي DSM – 5 أن تستمر المشكلة لمدة لا تقل عن 6 أشهر كأحد عناصر تشخيص الإصابة به.

وتؤكد المصادر الطبية على أنه من الضروري إتمام عملية تشخيص الإصابة بضعف الانتصاب بطريقة طبية صحيحة، وليس الاعتماد فقط على ملاحظة الرجل أن لديه «عدم رضا واكتفاء» بدرجة الانتصاب للعضو الذكري. والطريقة الطبية الأكثر استخداماً هي «الفهرس الدولي لوظيفة الانتصاب» International Index of Erectile Function، وهو استبيان مكون من 15 عنصراً، ويعتبر المعيار الذهبي لتقييم المرضى بالنسبة لمشكلة ضعف الانتصاب.

4. تجدر ملاحظة أن هناك حالتين من ضعف الانتصاب، الحالة الأولى ضعف الانتصاب الذي قد يُعاني منه الرجل من آن لآخر أو أن الانتصاب الذي تكوّن لديه لا يستمر حتى إتمام العملية الجنسية. والحالة الثانية هي الضعف التام عن الانتصاب بشكل دائم. ولذا يقول أطباء كليفليلاند كلينك: «ثمة العديد من الدراسات التي حاولت معرفة مدى انتشار هذه المشكلة. وأفادت دراسة شيخوخة الذكور في ولاية ماساتشوستس أن المعاناة منها في أوقات دون أخرى ترتفع بشكل متزايد مع تقدم العمر، ونحو 40 في المائة من الرجال يتأثرون به بعد بلوغ سن 40 سنة، ونحو 70 في المائة من الرجال يتأثرون به في سن 70 سنة. أما حالة الضعف التام في الانتصاب فتصيب نحو 5 في المائة من الرجال في عمر 40 سنة، و15 في المائة منهم في عمر 70 سنة».

رصد عوامل الخطر والأسباب

5. قبل بدء تجربة العلاج الطبي لضعف الانتصاب، من الضروري معالجة عوامل الخطر القابلة للتعديل والتي تتسبب بضعف الانتصاب. ومعلوم أن عوامل الخطر لضعف الانتصاب تشمل التدخين، والسمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، واضطرابات الكولسترول، وعدم انضباط مرض السكري، والاكتئاب، وجراحة البروستاتا، واضطرابات النوم، والتوتر النفسي، ومرض انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، واضطرابات الغدة الدرقية، ونقص هرمون التستوستيرون.

وكل هذه حالات تتسبب بضعف الانتصاب، والتغلب على هذه المشكلة لديهم، يكون بضبط هذه العوامل ومعالجتها أولاً للتغلب على ضعف الانتصاب. كما يجب أن يستكشف التاريخ الدقيق للعوامل النفسية والاجتماعية والعلاقاتية مع شريكة الحياة والممارسات الجنسية، التي قد تؤثر على الأداء الجنسي. وقد يجدر النظر في الإحالة إلى معالج جنسي.

6. أولى خطوات معالجة ضعف الانتصاب، هي تحديد السبب أو الأسباب وراء نشوء حالة ضعف الانتصاب. وتوضح إرشادات علاج ضعف الانتصاب الصادرة عن الجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية، أن تعديل نمط عيش الحياة اليومية بطريقة صحية يحسن وظيفة الانتصاب ويقلل من معدل انخفاضه الوظيفي مع تقدم العمر.

وهذه نقطة مهمة يغفل عنها كثير من الرجال الذين يواجهون مشكلة ضعف الانتصاب ويتجهون تلقائياً نحو طلب تلقي أحد فئة أدوية مثبطات الفوسفوديستيراز من النوع 5 بأنواعها المختلفة في الصيدليات. ولا يلتفتون بشكل كامل نحو نصح الطبيب للمرضى بشأن تعديلات سلوكيات نمط الحياة اليومية.

وعلى سبيل المثال، تذكر الجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية أن بعد سنة واحدة من التوقف عن التدخين، وُجد أن المرضى لديهم تحسن بنسبة 25 في المائة في جودة الانتصاب. وكذلك الحال مع حفظ وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية والحفاظ على ممارسة الرياضة البدنية ومعالجة انقطاع التنفس أثناء النوم وغيرها من الأسباب.

7. ضعف الانتصاب قد يظهر نتيجة الآثار الجانبية للأدوية التي يتناولها الشخص، وقد يُساهم في نشوء هذه المشكلة. وهنا قد يكون من الصعب على أدوية ضعف الانتصاب التغلب على تلك الآثار الجانبية. وعندما يشتبه الطبيب في أن «بعض» أدوية علاج الاكتئاب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو الحساسية، أو إدرار البول، أو الأدوية الهرمونية، أو غيرها من أنواع الأدوية المستخدمة بشكل شائع في أوساط المرضى، قد تكون هناك ضرورية للبحث عن أدوية بديلة ذات آثار جانبية أفضل.

وللتوضيح على سبيل المثال، يرتبط تناول أدوية «حاصرات بيتا» بضعف الانتصاب، رغم عدم تحديد السبب بشكل جيد. وقد تساهم معرفة المريض بأن ضعف الانتصاب أحد الآثار الجانبية المحتملة لحاصرات بيتا، في عدم رضاه عن الوظيفة الانتصابية لديه بعد بدء تناوله حاصرات بيتا. ويمكن للطبيب النظر في تجربة دواء بديل للمرضى الذين يتناولون حاصرات بيتا من الجيل الأول (مثل بروبرانولول، أتينولول) إلى أدوية الجيل الثاني (ميتوبرولول، نيبيفولول) من حاصرات بيتا الأقل تسبباً بضعف الانتصاب. كما أن وصف أدوية أخرى لعلاج ارتفاع ضغط الدم، قد يكون أقل تسبباً في ضعف الانتصاب. ومع ذلك، يجب أن يظل علاج ارتفاع ضغط الدم هو الأولوية، لأن مرض ارتفاع ضغط الدم وعدم انضباط الارتفاعات فيه، سبب قوي في ضعف الانتصاب بحد ذاته. وكثيراً ما تتحسن قدرات الانتصاب بضبط ارتفاع ضغط الدم إلى المستويات المُستهدفة علاجياً.

أسباب عدم عمل «فياغرا»

8. السبب الأول لعدم عمل فياغرا أو غيره من أدوية فئة مثبط للفوسفوديستيراز - 5 هو أن مشكلة ضعف الانتصاب ليست ناجمة عن مشكلة في الأوعية الدموية التي تعمل على احتباس الدم في العضو الذكري. وهذا يعني أن عمل هذه الأدوية على زيادة تدفق الدم لا يُساعد في تنشيط الانتصاب. ويمكن أن يحدث هذا بسبب اعتلال الأعصاب أو مشاكل أخرى. وقد تشمل بعض الحالات العصبية التي قد تؤثر على فعالية الفياغرا ما يلي:

- اعتلال الأعصاب بسبب عدم انضباط نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري.

- مرض التصلب المتعدد.

- مرض باركنسون.

- جراحة سابقة في البروستاتا.

- السكتة الدماغية السابقة.

- إصابة مباشرة في أعصاب الحبل الشوكي.

9. الارتباط بين أمراض شرايين القلب وضعف الانتصاب قوي. ووجود مرض تضيق شرايين القلب قد يعني عدم عمل فياغرا نتيجة وجود عائق كبير أمام تدفق الدم في الشريان القضيبي. أي قد يكون هذا أحد أعراض تضيقات الشرايين المغذية للقضيب، وهو عامل خطر للإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية. وفي هذه الحالة، لن تستجيب الشرايين للفياغرا لأنه مجرد موسع للأوعية الدموية. كما أن وجود تسريب وريدي، أي وجود صمامات لا تعمل بكفاءة في الأوردة التي تُصرّف تجمع الدم في القضيب، يعيق تماسك الانتصاب.

وبعد تناول فياغرا، قد يتدفق الدم بمعدل متزايد إلى القضيب، لكنه سيتسرب بالكامل ولن يبقى طويلاً بما يكفي للتسبب في الانتصاب. ووجود المشاكل النفسية بدرجة إكلينيكية مُؤثرة، قد يعيق عمل الفياغرا لدى البعض ممنْ لديهم القلق والاكتئاب والإجهاد المزمن، أو ضغوط في العلاقة مع شريكة الحياة أو لديهم قلق من كفاءة الأداء الجنسي.

الاستخدام غير الصحيح يمثل 56 - 81 % من حالات فشل العلاج

الجرعة ووقت تناول الدواء

10. وفقاً للجمعية الأميركية لجراحة المسالك البولية AUA، فإن «الاستخدام غير الصحيح» لفئة أدوية «مثبط للفوسفوديستيراز - 5» يمثل نسبة عالية من حالات فشل العلاج. وعدم تناول فياغرا، أو غيرها من أدوية تنشيط الانتصاب، بطريقة صحيحة، قد يُؤدي إلى عدم الاستفادة. وللتوضيح، هذه الأدوية تتشابه في طريقة عملها رغم أن ثمة اختلافات ثانوية فيما بينها نتيجة لأن لكل واحد منها تركيبة كيميائية مختلفة. الأمر الذي يُؤثر على طريقة عمل كل دواء منها، مثل مدى سرعة ظهور مفعول الدواء وسرعة اختفاء مفعوله والآثار الجانبية المحتملة. ويعمل عقار سيلدينافيل (فياغرا) بأقصى مستويات مفعوله عند تناوله على معدة فارغة قبل الممارسة الجنسية بساعة واحدة، ويدوم مفعوله لما يُقارب 6 ساعات. ولذا تجنب تناول الفياغرا مع وجبة كبيرة أو وجبة عالية الدهون، كما لا تتوقع أن تعمل الفياغرا قبل دقائق فقط من ممارسة الجنس. بينما يعمل عقار فاردينافيل (لفيترا) بأقصى مستويات مفعوله عند تناوله قبل الممارسة الجنسية بساعة واحدة، على معدة خالية أو ممتلئة. ويدوم مفعوله قرابة 7 ساعات. وبالمقابل، عقار تادالافيل (سيياليس) يُمكن تناوله مع الأكل أو من دونه قبل الممارسة الجنسية بمدة ساعة واحدة إلى اثنتين، ويدوم مفعوله لمدة 36 ساعة. وقد تكون الجرعة غير مناسبة.

ولذا فإن أول شيء يجب التحقق منه إذا لم يكن الفياغرا يعمل هو الجرعة المناسبة. والجرعة الأكثر شيوعاً من الفياغرا لعلاج ضعف الانتصاب هي 50 ملليغراما، والتي يتم تناولها قبل ساعة واحدة من النشاط الجنسي. ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافياً لبعض الأشخاص. ويمكن للطبيب مساعدتك في تحديد ما إذا كانت الجرعة الأعلى من 100 ملليغرام تناسبك.

والمهم في كل ما تقدم ملاحظة أن فياغرا هو نوع من الأدوية المثبطة للفوسفوديستيراز 5. وتُستخدم أدوية مثبطة للفوسفوديستيراز 5 كعلاج أولي لضعف الانتصاب. ورغم أن مثبطات الفوسفوديستيراز 5 تميل إلى العمل بشكل جيد، فإنها قد لا تكون فعالة للجميع. وقد يكون هذا بسبب الظروف الصحية الأساسية وعوامل نمط الحياة، من بين أمور أخرى. وإذا لم يعمل أحد أنواع أدوية مثبطة للفوسفوديستيراز 5، قد يعمل نوع آخر من أدوية هذه الفئة. ولذا يجب التفكير في التحدث مع الطبيب إذا لم يساعد الفياغرا في علاج أعراض ضعف الانتصاب لديك. وقد يوصى بعلاج بديل بما سيكون هو الأفضل لك.