علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

ترميم بيوت التجار

نشأت الغرف التجارية الصناعية في المملكة العربية السعودية باجتهادات فردية من رجال الأعمال، يضع رجال الأعمال في كل مدينة سعودية بيتاً لهم. وكان أول بيت للتجار أُنشئ في السعودية أُنشئ في مدينة جدة، وطبيعي أن يكون البيت الثاني مقره مكة لطبيعة التنافس بين المدينتين؛ إذ لا يمكن أن ينشأ شيء في مكة لا تقلده جدة، والعكس صحيح، وهذا على كل حال من التنافس المحمود.
بعد ذلك، نشأت غرفة تجارة الدمام، تلاها غرفة تجارة الرياض، ثم توالت الغرف التجارية الصناعية لتعم جميع المدن الكبرى، ولتفتح لها فروعاً في المدن المتوسطة.
سنتحدث اليوم عن نشأة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، وذلك لعدة أسباب، أولها أن رئيسها رجل الأعمال عجلان العجلان رئيس مجلس الغرف التجارية بالسعودية، والذي تحول اسمه وفق التنظيم الجديد إلى اتحاد الغرف.
ثانياً أنها الأكبر من حيث عدد المشتركين في السعودية، والأهم من ذلك أنني أعرف تاريخ نشأتها بشكل مباشر بحكم التواصل عن قرب مع منسوبي الغرفة ومؤسسيها.
نشأ بيت تجار الرياض عام 1381 هجرية الموافق 1961 ميلادية. وكان ذلك بمبادرة شخصية من رجل الأعمال عبد العزيز بن سليمان المقيرن (رحمه الله) الذي ذهب لأمير منطقة الرياض في ذلك الوقت الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك سلمان حالياً) الذي أبدى حماساً شديداً لنشأة الغرفة وفق رواية ابن المقيرن؛ لكنه طلب استشارة مفتي السعودية في ذلك الوقت محمد بن إبراهيم الذي أرسل موافقة مكتوبة، لينشأ أول بيت للتجار في الرياض، في شقة في شارع الثميري يدفع إيجارها رجل الأعمال عبد العزيز المقيرن، ليكون أول أمين للغرفة عاطف دجاني تلاه صالح الطعيمي، ولأن ابن المقيرن تاجر، فقد بحث عن موارد مستدامة لبيت التجار، فعرض على أعضاء البيت شراء أرض بموارد البيت «الغرفة» فتردد الأعضاء، ولإيمان ابن المقيرن بصحة هدفه، فقد قال لأعضاء البيت: «اشتروا الأرض، فإن ربحت فهي للغرفة أو بيت التجار، وإن خسرت فأنا ضامن للخسارة». وفق هذه الضمانة وافق الأعضاء، ليرتفع سعر الأرض، وتباع بمكسب كبير بني به أول مقر لبيت التجار في الرياض مقره شارع الضباب، لتتوالى الأجيال في خدمة بيت التجار، بعضهم ما زال يعمل في الغرفة، وبعضهم سلم الراية لغيره من الشباب، منهم على سبيل المثال لا الحصر خالد المقيرن، وماجد بن عبد المحسن الحكير، وعلي بن صالح العثيم، وفارس بن إبراهيم الراشد الحميد.
ومن طرائف ما يروى بداية نشأة الغرفة، ويدلل على أنها نشأت بالإخلاص وحسن النيات، ما يرويه أمين الغرفة صالح الطعيمي (رحمة الله) أنه في أحد اجتماعات مجلس الغرفة كان أحد التجار، وهو عضو في المجلس، لديه ما يمنعه من حضور المجلس، فأرسل ولده نيابة عنه، فلما وصل، يقول الطعيمي: «منعته من دخول المجلس»، وقلت - والرواية للطعيمي -: «قل لوالدك: إذا غاب أكثر من النصاب فسيتم فصله من المجلس. وقل لوالدك: هذه ليست مناسبة اجتماعية حتى يرسلك نيابة عنه». فمن عادة أهل نجد إذا دعوا لمناسبة اجتماعية وحدث لهم ظرف طارئ، فإنهم يرسلون أحد أبنائهم نيابة عنهم، وهذا يدل على تقدير الضيف للمضيف. بهذه الطريقة العفوية والبسيطة كانت تدار الغرفة التجارية أو بيت التجار.
صدور نظام الغرف الجديد الذي وافق علية مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي، أتى ليرمم بيوت التجار، وليعطي دفعة جديدة لهذه البيوت عبر الحوكمة والبحث عن موارد مستدامة لهذه البيوت، وأعطى الأمين العام صلاحيات، والنظام الجديد رفع من قبل وزير التجارة ماجد القصبي، وقد كان سابقاً أميناً عاماً لبيت تجار جدة، مما يوحي بأن النظام نابع من الميدان، ويجعله مناسباً للمستقبل ومستجداته. ودمتم.