عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

كيف نفهم إدارة بايدن؟

الذين يحاولون قراءة سياسات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من خلال سياسات أو مذكرات الرئيس السابق باراك أوباما، يخطئون، والأسباب كثيرة. فبايدن عندما يتسلم الرئاسة رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، سيجد الأوضاع المحلية والدولية مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل أربع سنوات عندما غادر البيت الأبيض مع أوباما. أربع سنوات تغير فيها المشهد بفعل عوامل كثيرة، وأيضاً بسبب سياسات وأسلوب الرئيس دونالد ترمب.
بايدن نفسه تطرق لهذا الأمر في المقابلة التي أجرتها معه شبكة تلفزيون «إن بي سي» الأميركية هذا الأسبوع عندما قال في رده على سؤال مباشر في هذا الموضوع، إن إدارته «لن تكون مثل ولاية ثالثة لأوباما». وبعدما نوه إلى أن العالم مختلف اليوم عما كان عليه في سنوات أوباما، أشار بالتحديد إلى سياسة «أميركا أولاً» التي انتهجها ترمب واعتبر أن هذه السياسة عزلت أميركا وأضعفت دورها القيادي في العالم.
عموما بايدن كان نائباً للرئيس، وإن حظي بدور وتأثير مع أوباما، فإن السياسة العامة في نهاية المطاف يقررها الرئيس ويبقى مسؤولاً عنها وعن تبعاتها. وتأكيداً لهذا الأمر فإن بايدن على سبيل المثال لم يكن متحمساً لفكرة تدخل حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، وهو التدخل الذي أسهم في إطاحة العقيد معمر القذافي في 2011، كذلك فإنه يرى أن أميركا تحتاج اليوم لأن تكون أكثر حزماً مما كانت عليه في السابق مع الصين، وقد أوضح تفكيره في مقال نشر في مجلة «الشؤون الخارجية» في يناير الماضي.
بعض الناس قد يكونون رأوا أن وجود عدد ممن عملوا مع أوباما في إدارة بايدن المتوقعة يعني أنها ستكون امتداداً لسياسات الرئيس السابق، لكن هذا أيضاً قد يقود إلى نتائج خاطئة. خذ على سبيل المثال أنتوني بلينكن الذي عمل في إدارة أوباما نائباً لمستشار الأمن القومي ثم نائباً لوزير الخارجية، وهو اليوم مرشح بايدن لمنصب وزير الخارجية. فقد بات يرى اليوم أن السياسة التي انتهجت إزاء الأزمة السورية في عهد إدارة أوباما كانت خاطئة، وعبر عن هذا الأمر في مقابلة منتصف العام الحالي قال فيها إنه لا بد من الإقرار بأن تلك السياسة فشلت في منع مأساة فظيعة أودت بحياة آلاف السوريين.
بايدن وفريقه سيرون العالم بعين مختلفة عن إدارة أوباما، لأن الأوضاع تغيرت، ولأنهم يحتاجون في الفترة المقبلة إلى رسم سياساتهم الخاصة التي تتناسب مع المشهد الراهن ومع الأولويات الضاغطة. أولى الأولويات للرئيس الجديد ستكون التعامل مع جائحة الكورونا التي طغت مع آثارها الإنسانية والاقتصادية المدمرة على كل ما عداها وكانت من بين الأسباب الرئيسية التي أسهمت في إسقاط ترمب. فأميركا تتربع على رأس قائمة الدول المتضررة من الجائحة بأكثر من 12 مليون إصابة و260 ألف حالة وفاة، وتواجه اليوم ارتفاعاً كبيراً في الإصابات. وسيكون على الإدارة الجديدة التعامل فوراً مع الأزمة وتنظيم عمليات التطعيم مع بدء إنتاج وتوزيع اللقاحات الجديدة التي يؤمل أن تساعد في كبح جماح الفيروس الذي غيّر حياة الناس وضرب الاقتصادات بشكل لم يمر على العالم منذ الكساد الكبير في نهاية عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي. في الوقت ذاته سيكون على الإدارة العمل على النهوض بالاقتصاد الأميركي مجدداً، وجزء كبير من هذه المهمة سيكون على عاتق جانيت يلين التي يتوقع أن يعلن بايدن ترشيحها لتكون أول امرأة تقود وزارة الخزانة في تاريخها.
في مضمار السياسة الخارجية ستهتم إدارة بايدن أولاً بترميم علاقات أميركا مع المجتمع الدولي ومع حلفائها الغربيين بعد الشروخ التي أحدثتها صدمات ترمب. كان هذا واضحاً في كلمة الرئيس المنتخب التي قدم بها مرشحيه الذين أعلنهم أول من أمس وشدد فيها على أن فريقه للسياسة الخارجية والأمن القومي يوضح «عودة أميركا واستعدادها لقيادة العالم لا الانسحاب منه»، ويمثل قناعته بأن أميركا أقوى عندما تعمل مع حلفائها، وأنه يتوقع من هذا الفريق «أن يقول لي ما يجب أن أعرفه، لا ما أريد أن أسمعه». هذه العبارات تحمل في طياتها نقداً لنهج ترمب وطلاقاً مع سياساته وتأكيداً على أن الإدارة القادمة تضع في أولوياتها إصلاح العلاقات مع حلفائها في الناتو، وتنشيط دورها في حوض المحيط الهادي، والانضمام مجدداً إلى اتفاقية باريس للمناخ، واستئناف مساهمتها في منظمة الصحة العالمية.
خلال المائة يوم الأولى لإدارة بايدن سيتضح للعالم أيضاً ما إذا كانت تنوي اتباع سياسة خارجية حذرة تنأى عن المشاكل ولغة الحرب الباردة، أم أنها ستتبع نهجاً أكثر حزماً لاستعادة دور أميركا في وقت تواجه فيه منافسة قوية من الصين، وتحديات مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران. بالنسبة للتدخلات العسكرية فقد أوضح بايدن موقفه أن إدارته لا تريد الخوض في أي حرب «غير ضرورية»، كما قال إنه يفضل حصر دور أميركا العسكري في أفغانستان في قوة صغيرة مهمتها تنصب على الحرب ضد الإرهاب.
إدارة العلاقات المعقدة مع الصين ستكون أحد التحديات الحساسة لبايدن، فهو يريد نهجاً أكثر دبلوماسية من ترمب، وفي الوقت ذاته يرى أن أميركا لا بد أن تتصدى بحزم لحماية دورها ومصالحها أمام التنين الصيني الزاحف. وفي مقالاته التي نشرتها مجلة «الشؤون الخارجية» خلال العام الحالي يوضح بايدن موقفه بأن الولايات المتحدة تحتاج لأن تكون أكثر حزماً مع الصين ومع روسيا أيضاً من منظور أن كلاً منهما يشكل تهديداً مختلفاً للمصالح الأميركية. ويشعر بايدن والحزب الديمقراطي بغضب شديد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يرون أن تدخلات أجهزته الاستخباراتية في انتخابات عام 2016 كانت من أسباب فوز ترمب على هيلاري كلينتون.
ماذا عن قضايا الشرق الأوسط والخليج وأفريقيا؟
الأمر المؤكد أن الإدارة الجديدة ستكون داعمة بشدة لإسرائيل، فبايدن يصف نفسه بأنه كاثوليكي وصهيوني، وقال في أحد خطاباته إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا أن توجدها لحماية مصالحها. لذلك يتوقع أن يستمر الدعم المطلق لإسرائيل وتشجيع الدول على التطبيع معها، لكن من دون الخوض في ملف السلام الشائك في هذه المرحلة، علماً بأن جيك سوليفان الذي رشحه بايدن لمنصب مستشار الأمن القومي لديه دراية جيدة بهذا الملف وقد قاد مفاوضات الهدنة في غزة عام 2012، كما لعب دوراً في المفاوضات السرية مع إيران التي قادت إلى توقيع الصفقة النووية. وفي هذا الصدد فإن إدارة بايدن يتوقع أن تعدل سياسة الانسحاب من الصفقة النووية التي عمد إليها ترمب، لكنها على الأرجح ستريد إدخال تعديلات على الاتفاقية وتضمينها بنوداً تسد بها بعض الثغرات التي ظهرت وأزعجت دول الخليج وإسرائيل أيضاً.
ورغم الكلام عن اهتمام بايدن بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تطرق إليه في مقالاته المنشورة وفي بعض تصريحاته السابقة، فإنه لن يكون في أولويات إدارته في ظل جبل المشاكل الذي تواجهه، وستبقى حماية المصالح هي الموجه للسياسات الأميركية. ومن المرجح أن الإدارة الجديدة ستعطي اهتماماً أكبر بأفريقيا من ترمب، وذلك ضمن حسابات التصدي للنفوذ الصيني المتنامي، ولأن الإدارة ستضم وجوهاً لها معرفة جيدة بأفريقيا مثل ليندا توماس غرينفيلد المرشحة لمنصب مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة التي عملت دبلوماسية في أفريقيا (سفيرة لدى ليبريا)، وشغلت منصب مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية من 2013 وحتى 2017. كذلك يتوقع أن يمنح بايدن منصباً ليوهانيس أبراهام وهو أميركي من أبوين إثيوبيين مهاجرين عمل مع إدارة أوباما ويشغل الآن منصب مدير الفريق الانتقالي الذي يشرف على ترتيبات تسلم إدارة الرئيس المنتخب لمهامها من إدارة ترمب.
بايدن سيكون بالتأكيد رئيساً مختلفاً عن أوباما، فالرجل لديه خبرة تمتد لأكثر من أربعة عقود في العمل السياسي ما بين عضويته الطويلة في مجلس الشيوخ وعمله في البيت الأبيض، ولديه رؤاه التي يريد تطبيقها. والأهم من ذلك أنه يواجه عالماً مختلفاً عن ذلك الذي كان في فترة أوباما.