«بيروت للرقص المعاصر» ينطلق من ليون

«معمارية جسد منهك»... عنوان عروض النسخة الـ16

فريق «Alias» السويسري يفتتح المهرجان مساء 25  نوفمبر الجاري
فريق «Alias» السويسري يفتتح المهرجان مساء 25 نوفمبر الجاري
TT

«بيروت للرقص المعاصر» ينطلق من ليون

فريق «Alias» السويسري يفتتح المهرجان مساء 25  نوفمبر الجاري
فريق «Alias» السويسري يفتتح المهرجان مساء 25 نوفمبر الجاري

للمرة الأولى منذ 15 عاماً تغيب العروض الحيّة لـ«مهرجان بيروت للرقص المعاصر» (Bipod) عن العاصمة اللبنانية. ففي نسخته الـ16 لعام 2020، اختار منظموه مدينة ليون الفرنسية للانطلاق منها. ليقدم عروضه الراقصة على مدى 7 أيام متتالية تبدأ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ولغاية 1 ديسمبر (كانون الأول) المقبل تحت عنوان «معمارية جسد منهك».
وبموازاة عروض فنية تتوزع على أكثر من مدينة غربية، بينها سويسرا ومدريد وتولوز وبرلين، إضافة إلى بيروت، يجري نقل وقائع المهرجان عبر منصة «سيترن.لايف» الإلكترونية (Citerne.live).
وستكون مشاهدته متاحة للجميع مقابل مبلغ رمزي (يورو واحد) لبلدان عربية محددة كمصر ولبنان وسوريا والأردن وغيرها. أمّا باقي البلدان الأجنبية فحُدّدت أسعار مغايرة.
يفتتح المهرجان السادسة مساء 25 الحالي بإلقاء كلمات لمنظميه عمر راجح وميا حبيس. ويعرَض بعدها شريط مصور لطلال خوري بعنوان «المتوسط» (Mediterranean). يحكي الفيلم عن مصير الضحايا الذين لقوا حتفهم تحت أمواج البحر. أمّا العرض الراقص الافتتاحي فينطلق مع الفرقة السويسرية الراقصة «آلياس» تحت عنوان «نورميل». ويتخلّله لوحات إيمائية تترجم مراحل حياة تدور بين السقوط والتعافي وصولاً إلى الحالة الأولية للإنسان المنتصب.
يقول عمر راجح في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن فكرة عنوان المهرجان «معمارية جسد منهك»، استنبطت من أجواء يعيشها اللبناني كغيره من سكان الكرة الأرضية، في ظل الجائحة والأزمات الاقتصادية؛ مما أصاب جسده بالإنهاك. ويضيف، أن «العنوان يخاطب الإنسان في أي مكان وجد فيه. وفي النهاية، فإن المهرجان كناية عن فكر فنّي لا حدود تقيّده، والجغرافيا لا تشكّل عقبة أمامه».
أُجّل مهرجان بيروت للرّقص المعاصر في نسخته الـ16 لأكثر من مرة، بسبب أزمات متلاحقة مرّت على لبنان هذا العام. ويوضح راجح في سياق حديثه «لقد اضطررنا إلى نقل تاريخ إقامته نحو خمس مرات منذ أبريل (نيسان) الفائت حتى اليوم. فعدا الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان جاءتنا جائحة (كورونا)، من ثمّ توالت الأزمات وصولاً إلى انفجار المرفأ. كل ذلك دفعنا إلى التأجيل أكثر من مرة، فقررنا تنظيمه خارج بيروت، وبالتحديد في مدينة ليون الفرنسية، بالتعاون مع المختبر العالمي للإبداع الفني «Les subsistances».
يشير عمر راجح إلى أن النقطة الأساسية التي كانت تشغل باله كمنظم للمهرجان، هي تمسكه وإصراره على إقامة النسخة الـ61 للمهرجان على الرغم من كل شيء. ويتابع «لدينا شركاء عمل في بلدان عديدة كإسبانيا وفرنسا وأميركا، وكذلك في بلدان آسيوية دعمونا في قرارنا. وفي لبنان نتعاون مع الجامعة اللبنانية الأميركية؛ إذ ننقل أحد عروضنا من صالة (أروين هول). وهناك مسارح وضعت إمكاناتها تحت تصرّفنا لإنجاح المهرجان والإسهام في انتشاره. ولعل استنادنا هذا العام إلى المنصة الإلكترونية (سيترن.لايف)، يأتي ليكمل ما بدأنا به من بيروت منذ سنوات طويلة عبر هذا المسرح الذي حرمنا منه منذ فترة. وهذه المنصة ستكون بمثابة مساحة فنية ثقافية لها تاريخها الطويل، فنكمل من خلالها ما بدأناه معها من عاصمتنا بيروت».
تُنظّم على هامش المهرجان، نقاشات وحوارات ولقاءات تجري في بيروت وغيرها من البلدان المشاركة. وترتكز في حلقاتها على الوضع الفني الحالي وسبل تأمين مشهد ثقافي مهدد.
ويشهد اليوم الثاني، سلسلة حلقات حوارية تشارك فيها ميا حبيس، وبيغي أوليسلايغرس إحدى الرائدات في فن الرقص المعاصر عالمياً. ويختتم، بعرضٍ راقصٍ من إيران بعنوان «آزي ضحاكة». وفي اليوم الثالث، وانطلاقاً من مبدأ التبادل الثقافي يقدّم عرض «بيسايد وايز». ويتألف فريقه من راقصين من مختلف الجنسيات، وبينهم لبنانيون وفلسطينيون وأردنيون وتونسيون، وغيرهم. في حين يتألف المشهد الراقص لليوم الرابع من المهرجان الواقع في 28 الحالي من ثلاثة راقصين عالميين، جوشن رولر، وجول فلييرل، ومونيكا جنتيرسدورفر؛ فيشاركون في لوحة فنية بعنوان «مانيفاكتير سيرييل» تقدم من مدينة برلين.
وفي 29 نوفمبر، تطلّ مدربة الرقص اللبنانية نادرة عساف لتتحدّث عن تجربتها، وتلقي الضوء على أنواع رقص مختلفة. ويطل مايكل تابت في السابعة والنصف من الليلة نفسها ليقدم شريطاً مصوراً بعنوان «حبيبتي بيروت». يتناول فيه انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) والمآسي والخسائر التي تكبدها أصدقاء له. وتختتم الأمسية بعرض «أويكيومن» الإسباني الذي يتناول دور الفرد في المجتمع.
وفي 30 نوفمبر يُعرض «نوكتيلوكا» للفنانة اللبنانية يارا البستاني، وتقدم فيه لوحات راقصة حول هواجس الناس في مجتمعات حديثة.
ويختتم المهرجان فعالياته في 1 ديسمبر (كانون الأول)، بعرض «أويونو 11»، ويعيد النظر في حدث متخيل في تاريخ ثقافة شرق البحر الأبيض المتوسط. وهو مستوحى من ثقافة الكوتشيك المحظورة التي ازدهرت من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، وكان أصلها في «حريم» القصور العثمانية، وهي تجربة موسيقية غامرة، من خلال عيون الراقص «خنسا».
ويختم عمر راجح حديثه بالقول «إن تفكيرنا وعقلنا هو في بيروت، ولكن متطلبات العمل فرضت علينا الخروج منها هذه السنة كي نبقى ونستمر. ويمكننا القول إنّنا من خلال هذا المنبر الافتراضي العالمي استطعنا توسيع بيكار انتشارنا عالمياً ونحضّر لمشاريع كثيرة مستقبلية. فمنصة (سيترن.لايف) الرقمية ستحتضن هذه المشاريع بحيث تتيح لأي شخص ومن مكان إقامته أن يتابعها ويستمتع ببرامجها الثقافية الفنية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».