يفتح الفنان المصري إبراهيم الطنبولي، في معرضه الجديد، خزائن مشاعره، تلك المترعة بذكريات الطفولة والصبا، والمشتقة من مفردات الشوارع، والبحار، والأسفار، ووجوه المنسيين، وحتى الحيوانات البريئة تجد ضالتها في براح مسطحاته المنسوجة بتجليات الفن وشطحاته الحرة. يشتهر الطنبولي، (66 سنة)، بلونه التشكيلي الفريد، الذي يحتفظ ببصمته الخاصة على مدار تاريخه ومعارضه الفنية التي أقامها داخل مصر وخارجها منها معارض في كندا وأستراليا وإنجلترا وإيطاليا وفرنسا، وهو اللون الخاص الذي حصد به العديد من الجوائز، لعل آخرها حصوله على الجائزة الكبرى من بينالي شرم الشيخ الدولي للفنون عام 2018.
ويستضيف غاليري «الزمالك للفن»، معرض الفنان الطنبولي، الذي لم يختر له عنواناً، ويستمر حتى 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وبه يعرض 26 عملاً ما بين تصوير ونحت، وهي أول مرة يقوم فيها الفنان عبر تاريخه بتقديم أعماله التصويرية والنحتية في معرض مشترك، والتي تبدو كحكاية سردية بصرية ممتدة، تحاكي تعبيرات صاحبها المنغمسة في الحنين الشجي لأيام طفولته في مدينة الإسكندرية (شمال مصر) فترى بائع الفول وعربته وقد تكدست حولها الأفواه، وكذلك تجد المقهى بروائح الونس، وبائع الخبز وهو يقود دراجته في نهر طريق عامر بصخب الحياة: «أتذكر إلى اليوم دراجتي التي كنت أقودها وأنا صغير، وكذا كل التفاصيل التي ظهرت على سطح لوحاتي من شوارع مزدحمة بتفاصيل الحركة، والطعام، والمقاهي، جميعها تحررت على سطح اللوحات، وجميعها تفصيلات من وجداني ومشاعري الدفينة» هكذا يقول الطنبولي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» مستدعياً علامات من طفولته الأولى التي تعد منهلاً رئيساً لمشروعه الفني.
يبدو من الصعب حصر مدرسة فنية تنتمي لها أعمال الطنبولي، فلوحاته تتداخل فيها المدارس وتتواصل، ما بين تعبيرية وتجريدية، وحتى الرمزية والسريالية، في تماه كامل وكأنما نبتت لها أجنحة لتحلق معاً في فضاء الطنبولي الخاص، وهذا ما يعتبره صاحب اللوحات إحدى ركائز مشروعه، فهو ضد كل تصنيف أكاديمي أو حصار داخل خانات وقوالب محددة: «على مدار تاريخ رحلة الفن التشكيلي قدم كل شيء، كل المدارس والاتجاهات، لذلك فدائماً كنت أرى أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن أساهم به في تلك الرحلة هو تجربتي الشخصية، والتعبير هذا المخزون الذي أملك بحرية من دون أي قيود أو تصنيفات أكاديمية».
تلك الحركة والديناميكية التي تسود لوحات الطنبولي تبدو كأنها مقتطعة من مشاهد حية، يطلي عليها الطنبولي من روحه العفوية ولغته التشكيلية الشفيفة ولمساته التجريدية المراوغة، فتظهر مسطحاته كأنها خرجت لتوها من حالة اشتباك طويل ومتراكم مع صاحبها، يقول الطنبولي «عادة ما يقودني اللون لشحنة فنية ووجدانية ما، فيلهمني بمسار العمل، فاللون لدي هو المثير الأول للعمل، ولا أخطط لشيء، فقط أترك لنفسي العنان بلا خطة أو مسار مجهز، فاللون هو الذي يقودني إلى مشهد قديم في الإسكندرية، أو حيث الطبيعة الحالمة في كندا».
وكما لا يميل الطنبولي للتخطيط المسبق لأفكار لوحاته، فينطبق هذا أيضا مع توظيفه المنطلق للألوان، وتراسلات فرشاته الجريئة «استخدم ألوان الأكريليك، والزيتية، والباستيل، والأحبار، لتنطلق بشحناتها اللونية على اللوحة، حتى أجد أنها عبرت عن المشهد كما يتداعى في خيالي، وأترك في اللوحة مساحات لخيال المتفرج الذي عادة ما سيرى فيها كل مرة زاوية وتفصيلة جديدة كل مرة».
أما فلسفة الطنبولي في النحت فلا تنحى بعيداً عن فكرة الحرية، والانطلاق الفني، والانفعال اللحظي الطازج: «لم أنقطع أبداً عن النحت، كان لي تمثال ميداني في الكلية في السبعينات، وتشجعت في هذا المعرض أن أضم تماثيل إلى جوار اللوحات، ودائما أجد أن النحت له تأثيره المباشر على الرسم، فهو يقوي الخط واللون».
وتقف مجسمات النحت البرونزية في المعرض في وضعيات حركية وكأنها خرجت لتوها من اللوحات بكل تفاصيلها المتحركة، فالبشر في لوحاته، رغم ملامحهم المجردة، في حالة وصال، وحميمية، وشغف بالجمال والموسيقى، وكأنها شذرات من أحلام ما، أو قبس من حياة نوستالجية موازية.
الطنبولي يفتح {خزائن مشاعره} في معرض بغاليري {الزمالك للفن}
الطنبولي يفتح {خزائن مشاعره} في معرض بغاليري {الزمالك للفن}
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة