قبل قرون عدة كانت الحركة نشطة بين ضفتي المحيط الأطلسي؛ الضفة الأميركية التي كانت تنهض وتستعد لقيادة العالم، والضفة الأفريقية التي كانت أرضَ الذهب والعبيد وبلاد العجائب. اليوم تتشابه الأوضاع بين الضفتين؛ الولايات المتحدة تخوض انتخاباتٍ رئاسية تشد أنظار العالم أجمع وقد تغيّره، أما دول غرب أفريقيا فتخوض سلسلة انتخابات رئاسية ستُغير مستقبل هذه المنطقة حين تضع الديمقراطية على المحك، ولو أنها لا تلفتُ انتباه العالم المشغول بالجائحة وسباق البيت الأبيض.
خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، أعيد انتخاب فور غناسينغبي إياديما، رئيس جمهورية توغو لولاية رئاسية رابعة، وهو الذي يحكم توغو منذ 2005، وسبق أن أجرى تعديلاً للدستور يفتح أمامه باب البقاء في الحكم حتى 2030، مكرّساً بذلك حكم عائلته للبلاد الممتد منذ 1967، فوالده توفي رئيساً للبلاد عام 2005، ليرث منه حكم العائلة الممتد منذ 53 سنة.
توغو دولة تنتمي إلى عصر ما قبل الإصلاحات الديمقراطية، ورغم أخذها طابع «الدولة الوطنية» الذي ورثته من الاستعمار الفرنسي، على غرار أغلب دول غرب أفريقيا، فإنها لا تدعي الكثير من الحرية والديمقراطية، على العكس من كوت ديفوار وغينيا، البلدين اللذين خاضا خلال العقود الأخيرة حروباً طاحنة، سقط فيها الكثير من القتلى من أجل الديمقراطية. غير أن هذين البلدين يقفان راهناً عند مفترق طرق قد يعيدهما إلى مربّع العنف والحروب، بسبب تمسك الرئيسين ألفا كوندي (غينيا) والحسن واتارا (كوت ديفوار) بالسلطة، وتعديل الدستور للبقاء في الحكم ولاية رئاسية ثالثة.
أما في دولة بنين، التي توصف بأنها «نموذج ديمقراطي هادئ ومستقر» في غرب أفريقيا، فقد بدأت الأمور تتعقد أكثر عندما صدرت قوانين جديدة تضع شروطاً صعبة أمام الترشح للانتخابات الرئاسية، واتُّهم الرئيس باتريس تالون بمحاولة إقصاء معارضيه من خوض الرئاسيات، بعدما قاطعت أحزاب المعارضة الوازنة الانتخابات التشريعية والمحلية مطلع العام الحالي، حتى أن مراقبين وصفوا ما يجري في هذه الدولة الصغيرة بأنه «انقلاب دستوري دائم».
منطقة الساحل والصحراء
في منطقة الساحل والصحراء، إلى الشمال من الدول الشاطئية في منطقة غرب أفريقيا، يبدو الوضع أكثر هدوءاً. فالنيجر تستعد لانتخابات رئاسية نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لن يترشح لها رئيس البلاد محمدو يوسفو، الذي أكمل ولايتين رئاسيتين وقرر احترام الدستور. غير أن يوسفو يسعى لتوريث الحكم لوزير داخليته محمد بازوم.
وتبدو الأمور تسير بشكل طبيعي في البلد الذي يواجه مخاطر أمنية كبيرة، في ظل تصاعد نفوذ تنظيمات «داعش» و«القاعدة» و«بوكو حرام» في محيطه الإقليمي.
والشيء نفسه يصدق في بوركينا فاسو، البلد الذي يعيش منذ 2015 على وقع هجمات إرهابية لا تتوقف. هذا البلد يتأهب قريباً لإجراء انتخابات رئاسية يسعى خلالها الرئيس روش مارك كابوري لخلافة نفسه، وهو الذي وصل إلى الحكم عام 2016، ويمنحه الدستور الحق في التجديد مرة واحدة، ولا يبدو أنه يواجه معارضة منظمة قد تقطع الطريق عليه.
أما دولة مالي، المنهكة منذ قرابة عشر سنوات بفعل الحرب على الإرهاب، فهي الأكثر تضرراً من الأحداث السياسية الساخنة للعام الحالي. ذلك أن مالي شهدت أحدث انقلاب عسكري في أفريقيا، خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، إثر أزمة سياسية واجتماعية خانقة، ومظاهرات شعبية مطالبة برحيل الرئيس إبراهيم ببكر كيتا. وعلى الأثر، تحرك العسكريون «لتلبية مطالب الشعب»، وأعلنوا أمام الضغط الدولي والإقليمي، مرحلة انتقالية مدتها عام ونصف العام، تنتهي بانتخابات رئاسية تقود إلى استعادة الوضع الدستوري.
غينيا: ديمقراطية مهدّدة
هكذا، يمكن القول إن العام الحالي كان «عاماً انتخابياً ساخناً» في دول غرب أفريقيا، وأنه وضع الديمقراطية على المحك في منطقة من أفقر مناطق العالم، تواجه تحديات تمدد الإرهاب وتغير المناخ وتداعيات جائحة «كوفيد - 19»، بالإضافة إلى الهجرة غير الشرعية التي يروح ضحيتها آلاف الشبان سنوياً، عطشاً في الصحراء أو غرقاً في البحر. وأمام هذه الأوضاع الصعبة، لا يبدو أن الأنظمة الحاكمة بخير، في ظل تراجع الديمقراطية والحريات، وعودة الرؤساء إلى القبضة الحديدية للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وتغيير الدستور من أجل ذلك، واستغلال القضاء لضرب الخصوم السياسيين، وفق ما يعتقد الصحافي فرانسيس لالوبو، الذي يعتقد أن ما يجري في بلدان غرب أفريقيا هو دليل على أن «المكاسب الديمقراطية يمكن أن تتآكل وتختفي، بعدما ظن الجميع أنها باقية».
الصحافي الأفريقي الذي يدرس العلوم السياسية في المعاهد الفرنسية، يؤكد أن تحوّل زعماء المعارضة التاريخيين في غرب أفريقيا إلى قادة أنظمة شمولية عندما يصلون إلى الحكم «ظاهرة تستحق الدراسة». ويعتبر أن هؤلاء المعارضين هم مَن يقودون إلى انهيار الديمقراطية في دول غرب أفريقيا بعدما كانت توصف قبل سنوات بأنها «مختبر الديمقراطية في القارة الأفريقية».
يضرب لالوبو المثال على ذلك بما جرى في غينيا، حيث كسر الرئيس ألفا كوندي (82 سنة) صورته كـ«معارض تاريخي»، عانى لسنوات طويلة من المنفى القسري والسجن، وحُكم عليه بالإعدام مرات عدة، إبان فترة كانت غينيا تعيش تحت رحمة الانقلابات العسكرية والعنف الدامي. كوندي نجح بعد وصوله إلى الحكم، عام 2010، في تهدئة الأوضاع وتحقيق الكثير من وعوده الانتخابية، وهو الذي يُلقب في بلاده وفي القارة الأفريقي بـ«البروفسور». وهو رجل هادئ بطبعه وذكي اجتماعياً وماكر سياسياً. إلا أنه عندما أراد الاستمرار في الحكم لجأ إلى تعديل الدستور، وترشح لولاية رئاسية ثالثة، متجاهلاً ما يثيره ذلك من جدل وانتقادات، ترتّبت عليها احتجاجات سقط فيها عشرات القتلى.
اليوم، يصف مراقبون الخطوة التي أقدم عليها كوندي بأنها «خيانة» لمساره النضالي والديمقراطي، خاصة أنه كان العنوان البارز لدخول غينيا أول مسار ديمقراطي في تاريخها. بيد أن أنصاره يرفضون ذلك، ويعتقدون أن كوندي هو «رجل المرحلة»، وأن مشروعه لنهضة غينيا لم يكتمل بعد، كما أن الدستور ليس مقدساً وإنما إرادة الشعوب هي المقدسة.
لقد بدأت رحلة ألفا كوندي نحو الولاية الرئاسية الثالثة منذ سنوات عدة. إذ ظل يلتزم الصمت حيال أي سؤال يعتلق بمستقبله السياسي، فالرجل يرفض أن يكشف أوراقه، حتى مارس (آذار) الماضي عندما تقدم بمشروع تعديل دستوري إلى الاستفتاء الشعبي، بالتزامن مع انتخابات تشريعية. عندها خرجت المعارضة وأتمته بالتخطيط لما سمته «انقلابا دستورياً»، وقالت إن شكوكها القديمة حول رغبته في الرئاسة مدى الحياة قد تأكدت. وأعلنت المعارضة مقاطعتها الاستفتاء والانتخابات التشريعية.
ورغم الصمت الكبير الذي التزم به كوندي خلال السنوات الأخيرة من حكمه، خرج في سبتمبر (أيلول) الماضي ليعلن رسمياً ترشحه لولاية رئاسية ثالثة. وهكذا، بدأت «نسخة غينية» من «أزمة العهدة الثالثة»، في بلد اشتهر بالعنف الانتخابي. أما المعارضة التي قاطعت الاستفتاء على الدستور والانتخابات التشريعية، وحاولت تعبئة الشارع ضد ترشح كوندي، فلقد قررت بشكل مفاجئ أن تشارك في الانتخابات الرئاسية.
في الواقع، واجهت المعارضة الغينية صعوبات كبيرة في الانتخابات، ودفعت ثمن مقاطعتها السابقة الاستفتاء والانتخابات التشريعية، فكانت نسبة كبيرة من ناخبيها خارج القوائم الانتخابية رغم قوتها في الشارع.
وبالتالي، أصبحت مشاركتها في الانتخابات خطأ كبيراً، وعليه لم يضطر «البروفسور» إلى تزوير النتائج من أجل الفوز، وهكذا نجحت خطته للبقاء في الحكم بطريقة «دستورية». وحقاً، لا يبدو أن الأمر يحمل مخاطر كبيرة بالنسبة إلى كوندي، فالمعارضة في غينيا ضعيفة ومشتتة. ومن المرجح عقد تسويات داخلية لتعود الأمور إلى نصابها، ويستتب الأمر للرجل الممسك بخيوط اللعبة، فيحكم البلاد خمس سنوات مقبلة، في انتظار انتخابات قادمة ستأتيه وهو يبلغ من العمر 87 سنة.
كوت ديفوار: إعادة صناعة الأزمة
وصف الكثير من المراقبين ما يجري في كوت ديفوار بأنه «أزمة طبخت على نار هادئة» منذ سنوات عدة، وذلك عندما تقدم الرئيس الحسن واتارا (78 سنة) بمشروع لتعديل الدستور عام 2016، تضمن إصلاحات مهمة تمس المؤسسات الدستورية وتعزّز حقوق الإنسان وحرية التعبير، غير أن هذا لم يمنع المعارضة من إثارة الشكوك حول نيته الالتفاف على المواد الدستورية التي تمنع ترشحه لولاية رئاسية ثالثة، وهذا مع أن واتارا بذل جهداً كبيراً لتأكيد أنه لا يرغب في جعل الدستور الجديد مطية للبقاء في سدة الحكم.
بالنتيجة، حصل مشروع تعديل الدستور على دعم 93 في المائة من الأصوات، رغم عزوف الكثير من الإيفواريين عن التصويت؛ إذ لم تتجاوز نسبة المشاركة في الاستفتاء 42 في المائة، فأحزاب المعارضة دعت إلى مقاطعة الاستفتاء، وحاولت تأزيم الوضع لقطع الطريق أمام خطة واتارا، لكنها لم تنجح في ذلك.
وعاد واتارا في مارس الماضي ليجري تعديلاً جديداً على الدستور، بعدما أضعف المعارضة وأنهكها، فأصبحت غائبة عن أغلب المؤسسات الدستورية، مثل البرلمان ومجلس الشيوخ والمجلس الدستوري. وبالتالي لم يواجه معارضة منظمة وقوية قادرة على أن تحرجه، وإن ظل في الوقت يخشى الشارع، وخاصة اتهامه بأنه يسعى للبقاء في الحكم مدى الحياة. وفي أحد خطاباته أمام الشعب لعرض مشروع تعديل الدستور، قال واتارا بشكل صريح «صحيح أن مراجعات الدستور تثير الشكوك؛ لأن التاريخ القريب لبلدنا وللكثير من البلدان الأخرى، يظهر أن هذه المراجعات كانت حجة لإطالة أمد الأنظمة أو منع الخصوم السياسيين من اللعبة الانتخابية، لكنني أريد أن أطمئنكم: إن مشروع مراجعة الدستور الذي أتقدم به إليكم لا يدخل في هذا السياق».
ولم يكتف الرئيس الإيفواري بذلك، بل أعلن أمام شعبه والعالم أنه ينوي الانسحاب من السلطة مع نهاية ولايته الرئاسية الثانية، والعمل على «تسليم السلطة لجيل الشباب». ولكنه مع هذا كان ينوي توريث الحكم لوزيره الأول أمادو غون كوليبالي، الذي يمثل رجل ثقته وذراعه اليمنى منذ عقود عدة، وسبق أن وصفه في أكثر من مرة وبشكل علني بأنه «ابنه». إلا أن هذا «الخلف» الضعيف البنية والذي كان يعاني من مشاكل صحية، توفي يوليو (تموز) الماضي بأزمة قلبية، تاركاً فراغاً لم يجد واتارا من يملأه بعده.
وفق الصحافي لالوبو، فإن النقاش الذي فتحه واتارا بعد وفاة وزيره الأول، كان يقوم على ربط مصير كوت ديفوار بحزب واحد وبرجل واحد. وأوضح «إنه يعيد الخطأ نفسه المعروف لدى جميع الأنظمة الشمولية»، حتى أن الخطاب الذي روّج له بشدة خلال الأشهر الماضية، كان يقوم على حجة أن «واتارا هو الوحيد القادر على قيادة البلاد نحو مستقبل مشرق». ويضيف الصحافي، أن «ذلك الخطاب شكل زرعاً لبذور أزمة حقيقية في البلاد». وبالفعل، يوم 6 أغسطس 2020، قطع واتارا الشك باليقين وأعلن ترشحه للانتخابات، لتدخل البلاد في موجة من المظاهرات العنيفة الرافضة ترشح الرئيس. وأسفرت الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن عن سقوط عشرات القتلى، في حين بدا خطاب المعارضة يرتكز على القول بـ«لا شرعية العهدة الرئاسية الثالثة»، وهو ما كان يرد عليه أنصار الرئيس بأنها ليست «عهدة رئاسية ثالثة»، وإنما الأولى بموجب الدستور الجديد... أي الحجة ذاتها التي سبق أن نفاها الرئيس خلال الترويج لمشروع تعديل الدستور.
وكما كان متوقعاً، أعلنت الحكومة أن ترشح واتارا هو «الضامن الوحيد لاستقرار البلد»، وهي الحجة المعهودة نفسها - حسب فرنسيس لالوبو – التي تسوّق عندما يسعى أي رئيس أفريقي للالتفاف على الدستور من أجل البقاء في الحكم، ويستطرد الصافي الخبير «اللجوء إلى حجة الاستقرار أمر مستغرب، تلك الكلمة التي لديها حمولة تاريخية سيئة وحزينة؛ لأنها كانت حجة لإبقاء العديد من دول القارة الأفريقية في قبضة أنظمة الحزب الواحد لعقود عدة».
الهدوء الخادع... السمة الغالبة في بنين
> لطالما قدمت دولة بنين الصغيرة في غرب أفريقيا على أنها نموذج ديمقراطي في شبه المنطقة، خاصة بعد التناوب الديمقراطي الهادئ الذي حدث عام 2016، حين قرر الرئيس السابق بوني يايي احترام الدستور الذي يمنحه عهدة رئاسية واحدة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة وحيدة. إذ لم يترشح الرئيس، بل أشرف على انتخابات وصفت بالشفافة، فاز بها رجل الأعمال وأثرى أثرياء البلد، الرئيس الحالي باتريس تالون، الذي قدّرت ثروته إبان وصوله إلى الحكم بقرابة نصف مليار دولار أميركي.
كان باتريس تالون أحد مموّلي الحملة الانتخابية التي أوصلت سلفه إلى الحكم عام 2006. وكثيراً ما اتهم بالحصول على صفقات كبيرة ضاعفت ثروته طوال سنوات حكم يايي، خاصة في زراعة القطن، المصدر الأول لثروة تالون. إلا أن العلاقة بينه الرجلين توترت عام 2013، عندما اتهم بمحاولة قلب نظام الحكم، ويومذاك رفض تالون هذه التهمة وقال إنها محاولة لتصفيته سياسياً بعدما أصبح أحد النافذين الكبار في المشهد. فعلاً، برّأته المحكمة وحصل على عفو رئاسي، ليعود إلى البلاد بعد سنوات من المنفى عام 2014. وهو منذ وصوله إلى الحكم شرع في إصلاحات اقتصادية، مع تركيز كبير على قطاع الزراعة، لتصبح بلاده في غضون سنوات قليلة أكبر منتج للقطن في أفريقيا، وهو الحدث الذي احتفل به واستغله لزيادة رصيده السياسي، وهو الذي لا يحمل وراءه أي خبرة سياسية كبيرة.
لكن سرعان ما بدأ تالون ينحرف بالبلد - الذي كان يُعرف سابقاً باسم «داهومي» - عن سمعته الديمقراطية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية (مارس 2021)، فأدخل تعديلات على القانون الانتخابي تضع عراقيل كبيرة أمام الترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما يعني إغلاق الباب أمام ترشح الأحزاب المعارضة لمنافسته. إذ سنّ تالون قانوناً جديداً يفرض على أي شخص يرغب في الترشح للانتخابات الرئاسية أن يحصل على تزكية 16 نائباً في البرلمان، من أصل 83 نائباً هم إجمالي أعضاء البرلمان. أي أن القانون الجديد يشترط تزكية 20 في المائة من أعضاء البرلمان لدخول السباق الرئاسي، وهذا الشرط رفضته المعارضة، معتبرة أنه محاولة لإغلاق الباب أمام مشاركة مرشحيها في الاقتراع الرئاسي، وهو ما أدخل البلاد في حالة من الاستقطاب السياسي الحاد.
الآن، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، لا يبدو من الواضح أن الأحزاب السياسية المعارضة ستكون قادرة على المشاركة، وهي التي قاطعت الانتخابات التشريعية العام الماضي، وبالتالي، لا تملك مقاعد في البرلمان تمكنها من تقديم مرشحين، في وقت يهيمن فيه الحزب الحاكم على أغلبية مطلقة. في غضون ذلك أجرى تالون تعديلاً على الدستور، عبر البرلمان الذي يملك أغلبيته المطلقة. وهو التعديل الدستوري الذي قال إنه يحمل إصلاحات من شأنها أن تقود إلى تهدئة الساحة السياسية، تضمنت إنشاء منصب نائب الرئيس وإلغاء عقوبة الإعدام وترقية حصة المرأة في البرلمان.
ولكن الدستور الجديد تضمن تعديلاً توقّف عنده المراقبون طويلاً، وهو أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يتولى عهدتين رئاسيتين فقط طيلة حياته؛ وذلك من أجل سد ثغرة في الدستور السابق الذي كان ينص على أن الرئيس لديه ولاية رئاسية قابلة للتجديد مرة واحدة. ويرى مراقبون في ذلك إغلاقاً للباب أمام عودة محتملة للرئيس السابق بوني يايي، الذي سبق أن حاول تأسيس حزب سياسي معارض. ووسط الأزمة وفي ظل حالة التذبذب التي دخل فيها الرئيس تالون، أعلن في يونيو (حزيران) الماضي إفشال محاولة انقلاب عسكري استهدف الإطاحة به، واعتقل 15 عسكرياً من ضمنهم الحارس الشخصي لنجل الرئيس الأسبق ماثيو كيريكو، ولكن تفاصيل المحاولة الانقلابية لم تعلن للرأي العام.
اليوم تعيش بنين في وضع صعب، وتجربتها الديمقراطية الوليدة أصبحت على المحك، لا سيما أنها خاضت مارس 2020 انتخابات تشريعية من دون المعارضة. وبعد ذلك بشهرين جرت فيها انتخابات محلية غابت عنها المعارضة أيضاً، وفي غضون أشهر قليلة ستجري انتخابات رئاسية لن تكون المعارضة شريكة فيها بقوة القانون... إنه «انقلاب مستمر»، على حد وصف أحد قادة المعارضة. أما لالوبو فيعتبر أن رئيس بنين «نجح خلال أربع سنوات في إقامة نمط جديد من الحزب الواحد، وأحدث قطيعة مع المنظومة الديمقراطية التي شكلت العلامة المميزة لهذا البلد منذ 1990. لقد كرس مبدأ إقصاء المعارضين، واستغل العدالة ضدهم، وتلاعب بالدستور».