مهرجان الإسكندرية ينطلق دون صخب ويفتقد النجوم

المسابقة الرسمية بالدورة الـ36 تضم 12 فيلماً روائياً طويلاً

جانب من تكريم الفنانين بالدورة الـ36 من المهرجان (الشرق الأوسط)
جانب من تكريم الفنانين بالدورة الـ36 من المهرجان (الشرق الأوسط)
TT

مهرجان الإسكندرية ينطلق دون صخب ويفتقد النجوم

جانب من تكريم الفنانين بالدورة الـ36 من المهرجان (الشرق الأوسط)
جانب من تكريم الفنانين بالدورة الـ36 من المهرجان (الشرق الأوسط)

على الرغم من ضعف ميزانيته المالية، وإلغاء حفل الافتتاح بسبب غزارة الأمطار، وغياب السجادة الحمراء وإطلالات النجوم والنجمات التي تتصدر غالباً اهتمامات «السوشيال ميديا» في مصر والعالم العربي، فإن مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، يحاول تجاوز أزمات دورته الـ36، بتقديم عدد من الأفلام العربية والأجنبية المهمة لجمهور مدينة الإسكندرية (شمال مصر).
ويحتفي المهرجان في دورته التي انطلقت أول من أمس، بلا صخب أو حفل افتتاح، وتستمر حتى 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بالسينما اللبنانية (ضيف شرف المهرجان)، حيث يُعرض لها 10 أفلام، بالإضافة إلى مشاركتها في مسابقتي الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة، ويهدي المهرجان دورته الحالية للفنان المصري الكبير عزت العلايلي، كما يكرّم المخرجة المصرية إيناس الدغيدي، والفنانة السورية رغدة، والفنان صلاح عبد الله، ومدير التصوير محسن أحمد.
ويواجه المهرجان الذي لا يمنح جوائز مالية للأفلام الفائزة، أزمات عدة، من أبرزها تقليص ميزانيته إلى النصف بعد صدور قرار بتخفيض حجم الدعم المقدم للمهرجانات السينمائية الرسمية عقب جائحة كورونا، واضطر رئيس المهرجان الأمير أباظة إلى توجيه اعتذار للسينمائيين العرب والأجانب، لاقتصار دعوات الحضور على أصحاب الأفلام المشاركة وأعضاء لجنة التحكيم، مع تقليل أعداد الإعلاميين أيضاً، كما تقرر إلغاء عدد من المسابقات، أبرزها «مسابقة الأفلام المصرية»، مع الإبقاء فقط على مسابقتي الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام القصيرة.
وجاء قرار تأجيل إقامة هذه الدورة بعد شهر من موعدها المعتاد بسبب وباء كورونا، لتواجه شتاء وأمطار الإسكندرية التي تواصلت منذ اليوم الأول، لكنها لم تؤثر على حضور جمهور مدينة الإسكندرية لعروض الأفلام، كما تواجد أيضاً خلال ندوات تكريم الفنانين التي حضرها عدد من الطلاب الجامعيين.
ووقع اختيار إدارة المهرجان على أفلام شكّلت مراحل مهمة من تاريخ السينما اللبنانية من بينها فيلم «بيروت يا بيروت» 1975 أول الأفلام الطويلة للمخرج الراحل مارون بغدادي، بجانب الفيلم الروائي القصير «الخروج من بيروت» 2019 للمخرج إيلي سلامة، و«النجمة» للمخرج ألبرت كرم، و«صورة وفندق». كما تؤكد السينما اللبنانية حضورها في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة عبر فيلمي «بالصدفة» للمخرج جوني أبي فارس وبطولة المطربة كارول سماحة، بديع أبو شقرا، باميلا الكيك، و«مفقود» للمخرج بشير أبو زيد.
وينافس الفيلمان اللبنانيان 10 أفلام أخرى بالمسابقة وهي «قابل للكسر» من مصر، «غيوم داكنة»، من سوريا، «باري» إنتاج مشترك بين اليونان وفرنسا، «بحيرتي» من ألبانيا، «بيسكا ماري» من إيطاليا، «اللكمة» من المغرب، «خذني إلى مكان لطيف» إنتاج هولندا والبوسنة، «لا تنسَ أن تتنفس»، إنتاج مشترك بين سلوفينيا وإيطاليا وكرواتيا، «نافذة على البحر» إنتاج إسباني - يوناني، و«ماري» إنتاج سويسري - كرواتي.
الناقد عصام زكريا، المدير الفني للمهرجان، يقول في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، «وقع الاختيار على السينما اللبنانية لتكون ضيف شرف هذه الدورة تضامناً مع الشعب اللبناني من جهة، ولتأكيد أهمية السينما اللبنانية من جهة أخرى»، مضيفاً «نقدم خلال هذه الدورة بانوراما كاملة للسينما اللبنانية التي تعكس حياة اللبنانيين في أفلام طويلة وقصيرة لمخرجين كبار، وأسماء شابة للتأكيد على تواصل الأجيال والإصرار على الحياة».
وعن تأثير وباء كورونا على اختيارات أفلام المهرجان يقول «الوباء أثر على الإنتاجات السينمائية كافة في العالم، وبات عدد الأفلام المتاحة قليلاً جداً في ظل تنافس مهرجانات كثيرة عليها؛ لذا اخترنا أفضل المتاح لنا وسط هذه الظروف مع التركيز على أفلام دول البحر المتوسط التي تتناول ثقافة شعوبها»، مشيراً إلى أن «هناك تمثيلاً عربياً قوياً في مسابقات المهرجان من سوريا ولبنان والمغرب».
وأُلغي حفل الافتتاح بسبب غزارة الأمطار في الإسكندرية خلال اليومين الماضيين، في حين تُنظّم فعاليات المهرجان الذي ترعاه وزارتا الثقافة والسياحة والآثار، داخل فندق شيراتون المنتزه، بينما أقيمت عروض الأفلام داخل مجمع «رينسانس» السينمائي، ويكرم المهرجان في دورته الحالية كلاً من عبد العزيز فهمي، أحد رواد التصوير السينمائي الذي صور عدداً كبيراً من أهم الأفلام المصرية من بينها «المومياء» للمخرج شادي عبد السلام، و«عودة الابن الضال»، و«فجر يوم جديد» ليوسف شاهين، كما عقدت ندوة مئوية ميلاد الفنان الكبير فريد شوقي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».