يوسف البنيان
- رئيس مجموعة الأعمال السعودية B20، صوت القطاع الخاص في مجموعة العشرين- نائب الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة «سابك»
TT

أهمية تبني روح القيادة في المملكة وعلى مستوى العالم

قبل عشرين عاماً تعاقبت سلسلة من الأزمات على الأسواق الناشئة، حينها ظهرت الحاجة إلى توسيع مجموعة الدول السبع إلى مجموعة العشرين. وهي مجموعة وزارية تمثل الاقتصادات الأكبر والأكثر أهمية من الناحية النظامية؛ وذلك من أجل توفير منظور أوسع وتنسيق أفضل بشأن السياسة الاقتصادية الدولية. وفي أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008، اجتمع قادة دول مجموعة العشرين لتحديد الخطوات التي من شأنها إعادة الاستقرار إلى الاقتصاد العالمي، وقد نجحوا في مهمتهم. وقد توسع نطاق تركيز مجموعة العشرين في العقد الماضي عبر إنشاء مجموعات للتواصل هدفها إقامة حوار مع المجتمع المدني حول مجموعة واسعة من الموضوعات تشمل البيئة والمساواة بين الجنسين، والعدالة الاجتماعية، وغيرها من المواضيع.
وتعد مجموعة الأعمال السعودية B20 بين هذه المجموعات الموجهة للتفاعل مع المجتمع، وهي تمثل صوت مجتمع الأعمال لأكبر الاقتصادات في العالم. وقد تشرفت بتكليفي قيادة مجموعة الأعمال خلال رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين هذا العام.
وقد كانت تلك فرصة رائعة، ليس فقط لقادة الأعمال مثلي، ولكن أيضاً للمملكة بشكل عام. فالمملكة العربية السعودية هي أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تُمنح فرصة استضافة مجموعة العشرين ومجموعة الأعمال، وتأتي في توقيت يمثل واحداً من أبرز التحديات في التاريخ الحديث نظراً لوباء «كوفيد – 19». ولربما ظن البعض أن المملكة العربية السعودية لم تكن محظوظة بالشكل الكافي نظراً لهذا التوقيت، ولكنني أعتقد أن العكس هو الصحيح.
ستتجه أنظار العالم إلى بلدنا في الأشهر القليلة المقبلة خلال قمتي مجموعة الأعمال السعودية وقادة مجموعة العشرين، حيث سيجتمع القادة السياسيون ورجال الأعمال العالميون افتراضياً لمناقشة جملة من القضايا المهمة، وفي مقدمتها إيجاد أفضل السبل التي يمكن للقطاعين العام والخاص من خلالها معالجة التداعيات الصحية والاقتصادية الناتجة من أزمة «كوفيد – 19». وهذا ليس بالأمر الهين، حيث إن المملكة لم تكن أبداً تتجنب التحديات، سواء كان الأمر يتعلق بإدارة المشكلات الصحية الرئيسية أو إنشاء مخطط اقتصادي جديد لواحد من أكثر مجتمعات العالم شباباً.
وتماشياً مع المساهمات السابقة لمجموعة الأعمال السعودية، فإننا على ثقة من قدرتنا على تقديم التوصيات، والتي إن تم تبنيها ستكون ضرورية للمساعدة في استعادة الاقتصاد العالمي وتنشيطه. وفي الواقع، لقد اجتمعنا كمجموعة في وقت مبكر من بدء انتشار الجائحة لإطلاق مبادرة مخصصة لـمواجهة تبعات «كوفيد – 19»، والاستفادة من قادة الأعمال العالميين للحصول على رؤاهم حول أفضل السبل للتعامل مع الأزمة والمساعدة في استعادة الانتعاش الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي.
وكان من حسن حظي خلال الأشهر التسعة الماضية أن شاركت العديد من قادة الأعمال السعوديين الذين يشغلون مناصب قيادية في مجموعة الأعمال السعودية ومجلس سيدات الأعمال. ومن خلال العمل معهم ومع الرؤساء المشاركين والأعضاء البالغ عددهم أكثر من 650 عضواً في مجموعة الأعمال السعودية الذين يمثلون كل قطاع أعمال يمكن تصوره من جميع أنحاء العالم، نجحنا في تحديد 25 أولوية لمجتمع الأعمال العالمي.
ومن المثير للاهتمام، أنه عندما كنا نعمل على تطوير هذه الأولويات لأول مرة، لم يكن هذا الوباء على رادار أي أحد منها، لكن أولوياتنا كانت متماسة مع كل جزئية وبالأهمية نفسها. حيث تغطي تلك الأولويات مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك الحاجة إلى زيادة الرقمنة، وإدارة تغير المناخ، والتجارة الحرة وتساوي الفرص، وتعزيز سلاسل التوريدات الصحية لنقل السلع والخدمات الحيوية عبر الحدود والقضاء على الفساد. وقد تم وضع كل هذه الأولويات مع الأخذ بعين الاعتبار الكثير من العوامل، بما في ذلك المواءمة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وزيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد العالمي، وتأسيس بيئة مزدهرة للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
وقد ساعدت الرئاسة ومؤتمرات القمة في الارتقاء بصورة المملكة؛ مما وفر صوتاً ليس فقط لبلادنا، ولكن لمنطقة الشرق الأوسط والدول النامية بشكل عام. كما أنها تأتي في الوقت الذي تسعى فيه المملكة لتحقيق أهداف «رؤية المملكة 2030»، والتي تتماشى مع الكثير من الأولويات التي وضعناها. وفي الواقع، فإن ذلك يعدّ دليلاً لقدرتنا على تقديم قدوة يحتذى بها.
ويعد تركيز «رؤية المملكة 2030» على إعداد الجيل القادم لسوق العمل، وتعزيز مشاركة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد وتوفير فرص متكافئة للسيدات، مثالاً يجسد قدرة المملكة على المواءمة مع جهود مجموعة الأعمال السعودية. وفي ظل تميز مجتمع المملكة بأنه من الأكثر شباباً على مستوى العالم (50 في المائة تحت سن 25)، وحيث تلعب السيدات دوراً متنامياً وقوياً (50 في المائة من خريجي الجامعات من الإناث)، فإنه يتوجب علينا التركيز على المستقبل لبناء عالم أفضل للأجيال المقبلة.
ومع ذلك، لا يمكننا معالجة هذه التحديات من خلال استراتيجية منفردة. وباعتبارنا قادة أعمال، فإننا في حاجة إلى التواصل مع الحكومات والمجتمع المدني والمؤسسات المتعددة الأطراف لوضع خريطة طريق للنجاح. وبينما يتوجب علينا التوافق مع شركائنا في دول مجموعة العشرين وخارجها، فإنه يجب أيضاً أن نبدأ داخلياً. وقد بدأت المملكة هذه العملية من خلال تحديد مجموعة من الأهداف الطموحة، وقد فعلت ذلك أيضاً مجموعة الأعمال السعودية. وأنا على ثقة من أننا سنصل إلى أهدافنا، ولكن للقيام بذلك سيتعين علينا تعزيز وتوسيع عمليات التعاون داخلياً على المستوى الوطني وعالمياً.