لماذا يفتح ماكرون ملف الإسلام السياسي الآن؟

الرئيس الفرنسي يتعرض لهجمة شرسة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

لماذا يفتح ماكرون ملف الإسلام السياسي الآن؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

فوجئت بالهجمة الشرسة والظالمة التي تشنها بعض وسائل الإعلام العربية على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ومعظمها صادر عن جهة محددة تماماً: هي جهة الدوحة - إسطنبول وجماعات الإسلام السياسي أو المسيس. فما هي الجريمة التي ارتكبها ماكرون؟ لقد قال بأن الإسلام مأزوم عالمياً وليس فقط فرنسياً. ولكن جميع المثقفين العرب يقولون ذلك ومنذ زمن طويل. وبما أن ماكرون كان تلميذاً أو معاوناً للفيلسوف الكبير بول ريكور؛ فإنه يسمح لنفسه بالتدخل في الشؤون الدينية والميتافيزيقية. وهذا شرف له. فرئيس مثقف أفضل من رئيس جاهل بشؤون الثقافة والفكر. جميع مثقفي الأرض يعرفون أن الإسلام مأزوم، وأنه في حاجة إلى إصلاح داخلي تنويري. بل وصل الأمر بالمفكر التونسي الراحل عبد الوهاب المؤدب إلى حد القول بأن الإسلام «مريض» بالمعنى الحرفي للكلمة. وكلمة مريض أخطر بكثير من كلمة مأزوم. وقد تحاشاها الرئيس ماكرون وكان ينبغي أن يشكروه على ذلك بدلاً من أن يصبّوا جام غضبهم عليه. وعبد الوهاب المؤدب لمن لا يعرفه كان سليل عائلة تونسية عريقة علماً وأدباً وديناً. فوالده كان أحد شيوخ الزيتونة العريقة وكذلك جده. وبالتالي فلا أحد يستطيع أن يزايد عليه إسلامياً. لقد ألّف كتاباً كاملاً بعنوان: مرض الإسلام. ولكنه مريض بماذا؟ إنه مريض بالأصولية الظلامية التكفيرية والدموية التي ارتكبت التفجيرات العشوائية في شتى أنحاء العالم: من نيويورك إلى بالي إلى بومباي، إلى لندن إلى باريس ونيس، إلى مدريد وبرشلونة، إلى شرم الشيخ إلى بغداد والحلة... الخ، والقائمة طويلة. وهذه أشياء يراها حتى الأعمى وقد سمع بها القاصي والداني. ولكن يبدو أن هؤلاء القوم لم يسمعوا بها حتى الآن. لم يسمعوا بــبن لادن، ولا بذلك المجرم الخطير أبو مصعب الزرقاوي الذي أدمى العراق كله، ولا بالخليفة البغدادي الذي لا يقل عنه وحشية، ولا بجماعات «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«بوكو حرام» وعشرات التنظيمات الظلامية الأخرى. ولكن من يصدق أنهم لم يسمعوا بها؟ في الواقع أنهم في أعماق قلبهم معها وإن كانوا لا يتجرأون على التصريح بذلك علناً. بل أحياناً يلومونها بشكل خفيف من رؤوس الشفاه لإبعاد شبهة الإرهاب عن أنفسهم. ثم لكي يثبتوا أنهم مثقفون حداثيون أو على الأقل عصريون محترمون أو يستحقون الاحترام... كنت قد تحدثت عن هذه القضايا بشكل مفصل ومطول في كتابي الأخير: لماذا يشتعل العالم العربي؟ منشورات دار المدى. بغداد. العراق. ولا أعرف لماذا لم يُعملوا بي سكاكينهم حتى الآن؟ لحسن الحظ أنهم لم يطلعوا عليه بعد. وأخشى ما أخشاه أن يقرأوه!
يقول عبد الوهاب المؤدب في كتابه التالي ما فحواه: الإسلام ليس في وضع صحي جيد. أحواله ليست على ما يرام. هذا أقل ما يمكن أن يقال. في الواقع إنه مريض بحركات التزمت والتطرف. وكنت قد حاولت تشخيص هذا المرض ووصف العلاج المناسب له من خلال كتبي الأربعة السابقة. وهذا الكتاب الجديد يواصل المهمة ذاتها ولا يحيد عنها. وأبتدئ القول بأن هذا المرض الخطير، هذا المرض العضال، مختصر كله بكلمة واحدة: استخدام العنف باسم الله والإسلام. المقصود خلع المشروعية الإلهية والدينية على العنف الأعمى الممارس بشكل عشوائي ووحشي إجرامي من قِبل حركات التطرف والظلام. ونضيف من عندنا قائلين بأن هذا العنف حصد حتى الآن عشرات الآلاف أو حتى مئات الآلاف من المدنيين العزّل الأبرياء في شتى أنحاء العالم. وعلى الرغم من كل ذلك، فلا يجوز لك أن تقول بأن الإسلام مأزوم! ما هذا الهراء؟ على أي كوكب يعيش هؤلاء القوم؟ وهل يعتقدون بأن العالم بشرقه وغربه، بشماله وجنوبه سوف يسكت عليهم؟ ألا يعلمون بأنك لم تعد تستطيع الجهر بأنك مسلم في أي مكان في العالم حالياً خوفاً من نظرات الاحتقار والازدراء؟ ألا يعلمون بأنك لا تستطيع أن تظهر هويتك العربية أو الإسلامية ليس فقط في باريس ولندن ونيويورك وواشنطن وبرلين وروما وأمستردام... الخ، وإنما أيضاً في الصين أو الهند أو اليابان؟ فيما يخص تشخيص أمراضنا انظر كتاب عبد الوهاب المؤدب الأخير: رهان على الحضارة. ففيه وضع العرب والمسلمين أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما الحضارة وإما البربرية الهمجية، إما إسلام الأنوار وإما إسلام الظلام. نقطة على السطر. أضيف بأن عبد الوهاب المؤدب كان معتزاً جداً بالتراث العربي الإسلامي العريق الذي ولد في أحضانه. كان متعلقاً جداً بابن عربي وابن رشد وابن المقفع وعشرات غيرهم مثلما كان متعلقاً بدانتي وفولتير وروسو ومونتسكيو... الخ، وكان يعتبر نفسه نتاج كلا التنويرين الكبيرين: أي التنوير العربي والتنوير الفرنسي في آن معاً.
ولكن قبل المؤدب بسبعين سنة على الأقل كان المفكر الباكستاني الشهير محمد إقبال قد تحدث عن الموضوع نفسه. هو الآخر مسلم عريق: من يشك في إسلامه؟ أليس هو الأب الروحي للباكستان؟ لقد تحدث عن هذه القضايا في كتابه الكبير: تجديد الفكر الديني في الإسلام. ونلاحظ أنه يستخدم عبارات أقسى بكثير من عبارات الرئيس الفرنسي. فهو يقول صراحة بأن الإسلام تجمد وتحجر وتكلس وتحنط بعد الدخول في عصر الانحطاط وإغلاق باب الاجتهاد. فلماذا لا يحاكمونه إذن بدلاً من محاكمة الرئيس ماكرون؟ لماذا لا يصبّون عليه جام غضبهم ولعناتهم واتهاماتهم.
أخيراً، ليعلم القاصي والداني ما يلي: أنا أعتقد أن الإسلام أكبر من الإخوان المسلمين بألف مرة. الإسلام تراث ديني وأخلاقي وروحاني عظيم. الإسلام هو أحد الأديان الكبرى للبشرية. الإسلام يقدم الطمأنينة والسكينة لمليار ونصف المليار شخص. الإسلام يحتوي على كنوز من المعارف والحكم ومكارم الأخلاق. الإسلام قدّم للعالم ابن رشد وابن خلدون وسواهما من العباقرة. وهذا ما يقوله إيمانويل ماكرون أيضاً. فهو يعرف قيمة دين عالمي كبير كالإسلام بخاصة في عصره الذهبي. لكنه بعد عصر الانحطاط والجمود الطويل أصبح في حاجة إلى إصلاح وتجديد بغية التوصل إلى إسلام الأنوار المتصالح مع الحضارة الحديثة. وبالتالي، فالمشكلة ليست في الإسلام ككل، وإنما فقط في الجماعات الراديكالية المتطرفة التي أشعلت العالم والتي هي معادية ليس فقط للحداثة الفرنسية وإنما أيضاً للحداثة العربية الإسلامية ذاتها. وعلى أي حال، فالإسلام بحر متلاطم الأمواج من المذاهب والتيارات والشخصيات المبدعة. عباقرة العرب والإسلام أضاءوا الدنيا يوماً ما بعلومهم واختراعاتهم وابتكاراتهم وفلسفاتهم... كانوا قدوة ليس فقط لأوروبا وإنما للعالم كله في فترة من الفترات. كانوا منارات حضارية مشعة. وكان الأوروبيون يتسابقون على ترجمة علمائنا وفلاسفتنا ويبنون على ذلك نهضتهم المقبلة. وكانوا يفتخرون بأنهم يعرفون ابن سينا وابن رشد والفارابي مثلما نفتخر نحن الآن بأننا نعرف ديكارت أو كانط أو هيغل. وكانت اللغة العربية لغة العولمة والفلسفة والإبداع تماماً كالإنجليزية حالياً. ثم إن الإسلام جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم كما يتوهم هؤلاء القوم من إخوان وقواعد ودواعش وقرضاويين وإردوغانيين... الخ. على أي حال، فالعالم العربي، بل الإسلامي كله منقسم حالياً إلى قسمين كبيرين متصارعين: قسم منفتح على العالم - وقسم متقوقع على الذات، قسم متسامح - وقسم تكفيري، قسم تنويري - وقسم ظلامي. القسم الأول تجسد في وثيقتين مهمتين: الأولى هي وثيقة مكة المكرمة التي صدرت في 30 مايو (أيار) من عام 2019 على هامش المؤتمر الدولي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، ووقّعت عليها 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة ومن مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية. وقد نصت الوثيقة على تأصيل قيم التعايش بين الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب. واعترفت بمشروعية التنوع والاختلاف في الدين والمعتقد والمذهب، وقالت إن هذا سنّة كونية. وأما الوثيقة الأخرى، أي «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك»، فقد صدرت في 4 فبراير (شباط) من عام 2019 في أبوظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة. ووقّع عليها كل من شيخ الأزهر وبابا روما تحت إشراف السلطات الإماراتية بطبيعة الحال. وقد دعت إلى نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام بين مختلف الأديان والشعوب دون أي تمييز طائفي أو عنصري. هذا التوجه العام المستنير هو الذي ينبغي أن يسود العالم العربي. ولا نملك إلا أن نكون معجبين بهذه الثورة الفكرية والدينية التي تدشنها حالياً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أما التوجه الآخر المضاد، أي توجه الإخوان المسلمين وتفرعاتهم، فهو الذي ينبغي تحاشيه لأنه يشكل خطراً على العرب والمسلمين قبل غيرهم. لماذا؟ لأنه يشوه سمعتهم في شتى أنحاء العالم، ثم لأنه يكفّر الآخرين ولا يعترف بمشروعية أتباع الأديان والمذاهب الأخرى. بل يدعو إلى استئصالهم وإبادتهم على الطريقة الداعشية. ولذلك؛ أقول بأن خط الدوحة – إسطنبول «أي خط الانغلاق والتعصب الإخواني» مسدود لأنه يمشي ضد حركة التاريخ. وحده خط مكة المكرمة وأبوظبي الذي بلور للبشرية نص الوثيقتين المذكورتين، يفتح للعرب والمسلمين كلهم ثغرة في جدار التاريخ المسدود. وحده هذا الخط الجديد المستنير يمثل بصيص نور. إنه أمل المستقبل. علاوة على كل ذلك فهو وحده الذي يمثل الجوهر الحقيقي للإسلام والقرآن الكريم:
« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...» (الحجرات، 13) صدق الله العظيم.



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».