الفن وسيلة اتصالنا بعالم صار بعيداً

أصبح أكثر مركزية في حياتنا اليومية في زمن «كورونا»

الفن وسيلة اتصالنا بعالم صار بعيداً
TT

الفن وسيلة اتصالنا بعالم صار بعيداً

الفن وسيلة اتصالنا بعالم صار بعيداً

يلقى الناس حتفهم في كل مكان، ويجري نقل الموارد بالغة الأهمية إلى الأنحاء كافة، مع انكماش واضح ومتزايد لجوهر حرياتنا الفردية، ومع ذلك فإننا نواصل التحرك إلى الداخل، إلى ذلك الفضاء الذاتي الواسع من أفكارنا وخيالاتنا، ذلك المحيط الداخلي المتسع الذي ربما غفلنا عنه وأهملناه طويلاً. ومن بين الضروريات الحياتية كافة التي صرنا نشعر بها وبشدة غير معهودة من قبل، ازداد وضوح الحاجة إلى الفنون وإسهاماتها في رفاهية حياتنا اليومية، ومن بعض المناحي، باتت تتخذ موضع الأهمية لدى أولئك الذين حكم فيروس كورونا عليهم بضرورة لزوم منازلهم. وبالنسبة إلى بعضهم، هناك احتياجات حياتية أكثر إلحاحاً. غير أن المباهج اللحظية العابرة، حتى في خضم الظروف العسيرة والأوقات العصيبة، غالباً ما تتأتى من خلال الفنون والتعبيرات الجماعية.
وبصفتي محاضراً في الرسوم التوضيحية، فإنني غالباً ما أشجع طلابي على نحو مستمر على العثور على الصوت الفني الرخيم مع محاولة الوقوف – في خضم هذا العالم المفعم بالصور اللامتناهية من حولنا – على بعض المحاور أو المحكات التي تُعنى بتعزيز أحاسيسهم الفنية والجمالية الذاتية. وقف الناقد والمفكر الفني جون بيرغر من خلال أعماله الفنية – التي تعكس مجالاً أشبه بصياغة السيرة الذاتية المتأصلة – على عملية متواصلة من تنقيح الرؤية الفنية التي تحفزنا على إدراك مفاهيم جديدة حول أنفسنا وحول العالم بأسره من حولنا.
تضطلع الفنون، في الزمن الراهن من الأزمة والعزلة القسرية، بدور أكثر مركزية وأهمية في حياتنا اليومية، سواء أدركنا تلك الحقيقة أم نحن غفلنا عنها. ومن اليسير أن نأخذ ذلك الخضم الهائل من الوسائط الكثيرة المتاحة بين أيدينا كأمر من الأمور المسلم بها – ويمكن أن ألوم نفسي بنقصان الصبر عندما أجد تلامذتي يعانون صعوبات بالغة في تمييز الأشياء الجيدة في وسط بحر متلاطم من الرمزيات والتساهلات الفنية الناشئة عن الهواة غير المتخصصين، والذي يبدو لحفنة من الغافلين كما لو أنه مستحق للجدارة بدرجة من الدرجات، فضلاً عن أن الافتقار إلى التنظيم عبر شبكة الإنترنت يثير مشاعر الإحباط لدى أشخاص من شاكلتي ممن يقدرون المعنى الحقيقي للثقافة وأثرها وإسهاماتها، ويتحولون على نحو سريع إلى أناس غاضبين للغاية من أغلب ما يرونه من تفاهات الحياة.
وسواء أردنا ذلك أم رفضناه، فإن عاداتنا الاستهلاكية اليومية – بما في ذلك وسائل الإعلام المختلفة – تشكل هوياتنا الشخصية، وقيمنا الذاتية، وميولنا، وأهوائنا. وهي عبارة عن مزيج من المعتقدات التي تخضع لاختبارات الزمن في تلك الأوقات العصيبة التي نمر بها.
- الفن يحرر ذاتك
كنت أعمل مدرساً في إحدى المدارس الثانوية في بلدة «سليبي هولو» بولاية نيويورك، وهي تبعد مسافة 20 ميلاً تقريباً عن موقع انهيار برجي التجارة عندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المريعة. لقد كان وقتاً عصيباً – مثل الأوقات الراهنة – التي خضعت فيها قدراتنا الجماعية لاختبار شديد على فهم وإدراك الوضع الطبيعي الجديد مع حزن دفين يعيش في أعماق أنفسنا على الأوقات الماضية السعيدة التي لن تعود إلى واقع حياتنا أبداً. تلك الأوقات العصيبة التي أسفرت عن انشقاق خطير في الوعي الجماعي لأمتنا مترافقاً مع معاناة جماعية لمواجهته وتأطيره حتى بين جموع الفنانين.
جاءت رواية «ذا شادو أوف نو تاورز – ظلال الأبراج المتلاشية» المصورة لفنان الكاريكاتير الأميركي «أرت سبيغلمان» أقل ارتباطاً وربما أدنى تعبيراً عن سردية أحداث الحادي عشر من سبتمبر من كونها محاولة حثيثة لإعادة تركيب الذات من خلال الارتياح الإبداعي الخاص ووسائل السرد االكاريكاتوري المصور الخفيف. ويتشارك الناس عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في قوائم التشغيل الخاصة بعروض شبكة «نتفليكس» الترفيهية، وقوائم الأغاني، ومقاطع الفيديو المنوعة، وحتى سلاسل الأعمال الفنية المفضلة في محاولة للوثوب على حالة العزلة القسرية المفروضة عليهم ومشاركة ما يحبونه ويفضلونه مع الآخرين. ومن السذاجة الواضحة اعتبار أن مثل هذه القوائم الترفيهية هي عبارة عن مبادلات مجردة أو عرضية للمواد الترفيهية التي يستمتع بها أحدهم، بل ويوصون بعضهم بعضاً بمتابعتها. بل إنها في حقيقتها انعكاس أو ربما تجسيد لشخصية صانع تلك القوائم الترفيهية؛ إذ نجده متيماً بالرومانسية، أو عاشقاً من عشاق الكوميديا الهزلية، أو ساعياً وراء المغامرة أو الإثارة، أو ربما الرعب والهلع، وبعضهم يفاخر بقائمة مطولة من الأفلام الوثائقية ذات المحتويات الغامضة.
وفي زمن القيود المجتمعية الصارمة، يتيح لنا التلفزيون، والأفلام السينمائية، والكتب، وألعاب الفيديو الفرصة للتحرك والانتقال – رغم لزوم أماكننا – عبر عالم خيالي كبير بوسائل صارت محالة في الواقع الراهن لحياتنا. يربطنا الفن بكل ما هو عجيب، وغريب، ومحال – وهو في سياق حياتنا الراهنة يزيد من اتصالنا بالعالم الذي يتسم بكل ما هو ممكن، ذلك العالم الذي بات بعيداً عن متناول أيدينا في الأوقات الحالية.
إن العالم الذي نستيقظ يومياً عليه لا يعبر إلا عن حقائق بالغة الزيف. فالأمور والأشياء كما هي من دون تغيير يطرأ عليها. وعلى العكس من الأفلام المألوفة لدينا راهناً، فإن تقهقر البشرية لا تستوضح معانيه تلك التقلبات البطيئة من أنين الموتى الأحياء المزيفين من ذوي العيون البراقة الجاحظة. إن الخطر الذي يتهددنا حالياً يشبه بصورة من الصور أفلام الرعب الذكية من شاكلة «ذا بلير ويتش بروجكت»، أو «بارانورمال أكتيفيتي»، أو «ذا كوايت بليس» الأكثر حداثة، والتي نادراً ما تعكس المنشأ الحقيقي للرعب بين مجريات الفيلم. وإنني أرى أن أفضل إدراك للحظة الراهنة من حياتنا يتمثل في أنها درجة طفيفة من همهمات القلق، أو كمثل صرير بوابة عتيقة تُفتح للمرة الأولى منذ زمن بعيد.
- العالم الماضي والحاضر
من خلال رحلتي السابقة إلى مدينة نيروبي في كينيا، كنت لا أتوقف عن الرسم بانتظام. وكنت أعمل في مشروع «توبوموي» البحثي المعني بقياس سعة الرئة لعدد 2600 طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و18 عاماً من سكان منطقتين في العاصمة نيروبي، وهما: مستوطنة «موكورو» غير الرسمية، ومنطقة «بورو بورو» الثرية المجاورة. وكان الفريق البحثي يتعاون مع الفنانين المحليين، ومع المعلمين، ومع أفراد من المجتمع المدني من أجل صياغة الأساليب الإبداعية التشاركية للتفاعل والانخراط المباشر مع المنطقتين المذكورتين في أعمال الدراسة البحثية. كانت الرسومات خاصتي تعكس انطباعاتي الذاتية عن شوارع مدينة نيروبي النابضة بالحياة، لا سيما مستوطنة «موكورو» الكبيرة وغير الرسمية، والتي تعكس فياضاً غامراً وعميقاً من الحواس. وخلال فعالية معينة انتقلنا فيها عبر شوارع مستوطنة «موكورو»، واختبرنا أساليبنا الإبداعية في التوعية والتي اشتملت على صناعة الدمى، ومختلف الفنون (بما في ذلك الكتابة والرسم على الجدران)، والأغاني، والرقص. ولقد أبلغني أحد الزملاء – ممن كانوا يستطلعون حشود الأطفال والناس عبر الطرقات الضيقة والمتربة في تلك المستوطنة الفقيرة، قائلاً «لا أود أبداً أن أرى ما الذي يمكن لفيروس كورونا أن يفعله بهذه الفئة الضعيفة من السكان».
ورغم كل شيء، لقد صرنا نشهد ذلك ينكشف ويتبدى أمام أعيننا، ويساورني قلق عميق على كل أولئك الناس الذين يعيشون في تلك الأماكن المزدحمة بالسكان. إن العزلة الذاتية فضلاً عن مشاركة قوائم «نتفليكس» الترفيهية تعد من أنماط الرفاهية السخيفة للغاية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون محاصرين في أكواخ الصفيح المتراصة الصغيرة. لقد كانت الحياة صعبة لما قبل نشوء جائحة فيروس كورونا المستجد، ثم صارت الحياة ظلاً قاتماً كئيباً لا يُطاق لما بعد حلول الجائحة.
الحياة المنعزلة ليست بالأمر الجديد، فلقد ظلت مثل تلك المجتمعات معزولة وغير مرئية لدى السواد الأعظم من العالم لفترة طويلة من الزمن. إنها سلة مهملات الرأسمالية العالمية. وعندما تُصاب الرأسمالية بالسعال، تهلك تلك المجتمعات وتتلاشى.
فماذا عن الفنون في حالة العزلة؟ أعتقد أنه من السابق لأوانه تأليف مثل هذا الكتاب أو رسم تلك الصورة التي تجسد همهمات القلق والتوتر التي نشعر بها جميعاً. وربما أننا في حاجة إلى المزيد من الوقت، ويحتاج الفنانون إلى المزيد من شروق الشمس وغروبها على المنازل المصابة بالعصبية الزائدة. إنهم في حاجة إلى الكثير من الوقت للاستماع إلى أصوات الحياة المتهدجة واستشعار الحزن العظيم على «العالم الذي كان»، وملاحظته وهو يواصل الانجراف.

- خدمة «نيويورك تايمز»



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».