عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

ترمب أم بايدن؟

ستة أسابيع قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحملة عالمية تدعم المؤسسة الليبرالية الأميركية لعرقلة انتخاب الرئيس دونالد ترمب، تكراراً لسيناريو 2016، بحملة تشويه السمعة، والادعاء بمساعدة من الروس في الدعاية الانتخابية.
نشرت «الغارديان» اليسارية البريطانية هذا الأسبوع نقلاً عن مانيكان سابقة مغمورة، تهمة «تحرش جنسي» ضد ترمب عام 1997 في نيويورك.
رغم توقيت التقرير نتجاهل السؤال البديهي: لماذا سكتت السيدة المحترمة 27 عاماً؟ ولماذا لم تلحق بقافلة النساء اللاتي جئن قبل أربع سنوات من كل صوب وحدب، وكل منهن – كما قالت الراحلة ماري منيب في أحد الأفلام الكوميدية الأبيض والأسود - «ترمي بلاها» على المرشح الجمهوري وقتها «وطلعت التهمة على فاشوش» وانتهى الأمر بنجاحه في 2016؟
نجاح لم تسامحه عليه المؤسسة الليبرالية والدولة العميقة بقوانين ولوائح تُميل التوازن لصالح عناصرها. الزلزال الذي سببه انتخاب ترمب قبل أربع سنوات في توازن العولمة ونظام السوق الدولية منهياً سيطرة الأقلية، دفع الصفوة التي تحتكر صناعة الرأي العام إلى الاستمرار طوال فترة إدارته في التفتيش تحت كل حجر عما يسيء إلى سمعة الرئيس الجمهوري.
الاتهامات التي نشرت قبل يومين لا يغيب عن طفل صغير أن المقصود بها تشويه صورة ترمب أمام الناخب الأميركي، دعماً لمنافسه المرشح الديمقراطي جو بايدن؛ خصوصاً أن أرقام استطلاعات الرأي متقاربة بين الاثنين.
السؤال: أي المرشحين سيكون رئيساً أفضل بالنسبة لأطراف عديدة؟
أولها لنا هنا في بريطانيا، وثانيها بالنسبة لقراء «الشرق الأوسط» ومصالحهم، وهي مرتبطة بالطرف الأول باعتبار أن بريطانيا الصديق التاريخي الأقدم للعرب؛ خصوصاً بالنسبة للأمور السياسية؛ وأيضاً مصالحهم الاقتصادية، بالنسبة للتجارة والأسواق العالمية. ولذا فليسأل الجميع أنفسهم: أي من سياسات المرشحين سيكون لها أثر نافع في هذه المجالات؟
الأسئلة الأخرى تتعلق بالسلام واستراتيجية الأمن العالمي والإقليمي.
بالنسبة للقراء، ربما الأسئلة الأخيرة تسهل الإجابة عنها، إذا وضعنا في الاعتبار الحكمة المأثورة: «الأفعال وليس الأقوال».
وبعيداً عن الشعارات والانفعالات العاطفية التي تسود أسلوب تفكير قسم كبير في منطقة الشرق الأوسط، فلنقارن السجل العملي لترمب بالسياسات العملية لسابقه باراك أوباما؛ لأن بايدن كما يبدو يسير على خطى الرئيس أوباما.
أوباما الذي دفع بلدان الغرب إلى توقيع الاتفاقية النووية مع إيران، استبعد بلدان الخليج العربية التي تهددها إيران من التمثيل في هذه المفاوضات. الاتفاقية النووية عضدت موقف الجمهورية الإسلامية؛ لأنها أفرجت عن أموال مجمدة كان اقتصادها حُرم منها؛ وهي أموال تستخدمها إيران في تمويل ودعم المنظمات المتطرفة، وإثارة المتاعب في المنطقة، وعرقلة مساعي السلام.
الرئيس ترمب وضع حداً لمهزلة الاتفاق النووي الإيراني، واشترط ربطه بالأبعاد السياسية لتحجيم تهديدات إيران للجيران العرب. الحزب الديمقراطي الأميركي سياسته التي تبناها مرشحه بايدن هي العكس تماماً، وإعادة إطلاق العنان لإيران لتهدد منطقة الخليج وأمن منطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن سجل إدارة أوباما التي كانت تفضل وتدعم حكم «الإخوان المسلمين» الذي رفضته مصر وبقية شعوب المنطقة.
إدارة الرئيس ترمب لا تمارس السياسات المألوفة بالتسلسل البيروقراطي الذي عهدته المؤسسة، وعلاقتها متوترة بمؤسسات الصحافة وصناعة الرأي العام؛ حيث تستثار بالاستفزازات المتعمدة من صحافة تخلت عن حيادها المتوقع، فيما يبدو دوراً - سواء كان متعمداً أو مصادفة - يدعم مصلحة الاحتكارات التي تهددها إعادة انتخاب الرئيس ترمب. ورغم هذه السلبيات الظاهرة، فإن الضرورة الاقتصادية والسلام العالمي يحتمان أن يبذل البريطانيون والعرب ومن لهم مصالح في نجاح اقتصاديات السوق العالمية، الجهود في دعم ترمب، على الأقل لمنع بايدن من أن يلحق الأضرار بالمنطقة وبالاقتصاد العالمي.
سياسات ترمب في السنوات الثلاث الماضية أدت إلى رواج اقتصادي؛ لأنه من مدرسة فتح باب المنافسة التجارية وقطع شريط البيروقراطية. أما رئاسة بايدن فستعيد عقارب الساعة الاقتصادية إلى كساد عهد أوباما.
وبالطبع سيكون من الأسهل التوصل إلى اتفاقية تبادل تجاري مع الولايات المتحدة، تحت زعامة ترمب. أميركا هي الشريك التجاري الأكبر بالنسبة للصادرات البريطانية التي يميل الميزان التجاري لصالح بريطانيا فيها، بعكس الاتحاد الأوروبي الذي يختل الميزان لصالحه.
بايدن يسير على خط أوباما الذي خرج عن البروتوكول الدبلوماسي اللائق أثناء زيارته في عام 2016، مهدداً الناخب البريطاني بالوقوف في آخر الطابور إذا لم يصوِّت على البقاء في الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا تواجه صعوبات في التوصل إلى اتفاقية بعد تحريك المفاوض الأوروبي قوائم الهدف في نهاية الملعب بعد بدء المباراة.
وهناك تهديد آخر يمثله انتخاب بايدن، فهو - عن قصد أو عن سذاجة - يصدق الدعاية العبثية التي يروجها اللوبي الداعم للحركة الجمهورية الآيرلندية في أميركا، بأن المضي في «بريكست» كما هو مقرر له في نهاية العام، بدلاً من الخضوع لشروط بروكسل التي تضر بالمصلحة الوطنية لبريطانيا، سيؤدي إلى إعادة استئناف منظمة الجيش الجمهوري الآيرلندي الحملات الإرهابية، وتفجير القنابل في المتاجر والأسواق كما فعلت لسنوات قبل اتفاق الجمعة العظيم.
وبجانب المبالغة في هذه الادعاءات التي يوظفها فريق المفاوضات الأوروبية كورقة ابتزاز ضد بريطانيا، فإن نفوذ لوبي الحركة الآيرلندية في الولايات المتحدة من المتوقع أن يجعل بايدن في حالة انتخابه خاضعاً للضغوط الآيرلندية. تقارب الديمقراطيين من الاتحاد الأوروبي وتفضيلهم أن تبقى بريطانيا دائرة في فلكه، سيجعل التوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة بعد «بريكست» خاضعاً لشروط تمليها الحركة الجمهورية في دبلن، والمفوضية في بروكسل التي تريد أن تجعل من الشعب البريطاني عبرة، حتى لا يصوت شعب آخر بالانفصال عن الفيدرالية مكرراً تجربة «بريكست».
وسيكون من الأسهل والأفضل لبريطانيا توقيع اتفاق تجاري مع إدارة جمهورية برئاسة ترمب، ويصدق عليها كونغرس أغلبيته من الجمهوريين. كما أن هذا الاتفاق سيكون أفضل لحركة التجارة العالمية، بدلاً من الانغلاق الاحتكاري الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي. وسيكون أيضاً أفضل للبلدان العربية التي تعاني بدورها من قيود تجارة يفرضها الاتحاد الأوروبي، ولا تنسَ التعريفة الجمركية الباهظة التي تفرضها بروكسل على مشتقات البترول المصدرة من البلدان العربية حماية لمعامل التكرير الأوروبية.
ربما قد يساعد نجاح المعامل الأميركية في تطوير مصل فاعل ضد فيروس «كورونا» في الأسابيع القادمة، حظ الرئيس ترمب في الانتخابات. ورغم أن الوباء أضر باقتصاديات كل الديمقراطيات الغربية، فإن أداء الاقتصاد الأميركي بإصلاحات ترمب ستساعده على الانتعاش أسرع من اقتصاديات البلدان الأوروبية التي تدعم منافسه بايدن.