داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

هل نشهد قريباً أول وكالة فضاء عربية؟

نقرأ ونسمع كثيراً عن وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية. واسمها يعني الوكالة الوطنية للفضاء والطيران. وتم تأسيسها في عام 1958 بأمر من الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور. مقرها الرئيسي في واشنطن العاصمة ولها فروع في معظم الولايات الأميركية. تبلغ ميزانيتها السنوية نحو عشرين مليار دولار، عدا تكاليف بناء المركبات الفضائية التي لا تقل عن عشرات المليارات للمركبة التي تهبط على القمر! ويعمل فيها أكثر من واحد وعشرين ألف موظف ثابت، بالإضافة إلى عشرين ألف موظف يعملون بصورة مؤقتة.
لم تكن «ناسا» منظمة عسكرية، فقد كانت مشروعاً مدنياً علمياً للبحوث والبرامج الفضائية. إلا أنها تحولت إلى واجهة عسكرية مباشرة تتصدر الأخبار في الغزو الأميركي على العراق عام 2003. إذ أطلقت المنظمة بالتعاون مع القوات الجوية الأميركية قمراً صناعياً مزوداً بكاميرات نقلت أحداث الحرب والمعارك منذ اللحظة الأولى لانطلاق الطائرات القاذفة والصواريخ الذكية على العاصمة العراقية بغداد بأمر من الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. كان النقل التلفزيوني مباشراً مثل نقل أي مباراة كرة قدم! الصواريخ تنهال على مواقع عسكرية ومدنية، وطائرات القنابل الذكية تكمل المهمة بلا هوادة. لم تكن الحرب متكافئة بأي شكل من الأشكال، وكان العالم يتفرج على حرب لا شرعية ولا مسوغ لها إلا أكداس من الأكاذيب كما اعترف المسؤولون الأميركيون فيما بعد والمفتشون الدوليون الذين كانوا يجوبون مدناً وقرى ومعسكرات وجامعات ومعاهد ومراكز البحوث والمستشفيات والأنهار والبحيرات والأراضي الزراعية والبساتين والمقابر وحتى القصور الرئاسية في بغداد ومدن أخرى. والنتيجة كما يعرف الجميع إعلان الرئيس بوش احتلال العراق، سواء وافق مجلس الأمن الدولي أو لم يوافق.
بالنسبة لوكالة «ناسا»، أثبتت نجاحاً لم يحدث من قبل في البث المباشر المستمر من الأراضي المحروقة عبر القمر الصناعي الأميركي. وبذلك دشنت «ناسا» مرحلة عسكرية جديدة في مسيرتها التي تعثرت في الثمانينات بعد انفجار مركبة الفضاء «تشالنجر» ومقتل روادها، ما أدى إلى توقف أنشطتها الفضائية الاستكشافية المدنية باستثناء أقمار التجسس المعروفة التي ترصد، بين ما ترصد، التفجيرات النووية والهيدروجينية في الصين وكوريا الشمالية، والأنشطة الإيرانية المحظورة في مجالات أسلحة الدمار الشامل.
ومن باب الفضول والتطفل، تعادل مهنة رائد الفضاء الأميركي، أو الرائدة، رتبة عقيد أو نقيب بحري في الجيش الأميركي، ويبلغ راتبه 155 ألف دولار سنوياً أي نحو 13 ألف دولار شهرياً. بالإضافة الى مزايا كثيرة من بينها الإعفاء من الضرائب والتأمين على حياة كل منهم ورواتبهم التقاعدية العالية حسب العمل الفعلي في الوكالة. أما الموظفون المدنيون الآخرون في الوكالة فينالون في حدود خمسة آلاف دولار شهرياً حسب مهاراتهم. ولا يقتصر العمل في هذه الوكالة العملاقة على رواد الفضاء، فهناك أطباء وباحثون في مختلف المجالات الكيميائية والفيزيائية والنفسية والبيولوجية وكل ما يخطر في بالك. وبين المهن المطلوبة وظيفة عنوانها «حارس الكواكب» ومهمته هي مراقبة التغيرات الفلكية والنفايات الفضائية واحتمال قيام كائنات فضائية مجهولة بزيارة الأرض من دون دعوة رسمية! ومن شروط التقدم لإشغال وظيفة في «ناسا» أن يحمل الراغب درجة ماجستير على الأقل في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات والفلك، أو أن يكون قد تدرب على قيادة الطائرات النفاثة لمدة لا تقل عن 1000 ساعة.
عربياً، كان الأمير سلطان بن سلمان أول رائد فضاء عربي يسافر إلى الفضاء الخارجي في عام 1985. وكان عمره 28 عاماً كمتخصص في الحمولة على متن مكوك «ديسكفري»، برفقة 7 رواد فضاء أميركيين وفرنسيين، وتعاونت المملكة العربية السعودية مع «ناسا» في إنشاء مركز لأبحاث القمر والأجرام القريبة من الأرض. وتتضمن «رؤية 2030» السعودية تدشين برنامج فضائي سعودي يفتح آفاقاً عربية فضائية لأول مرة تأخرنا فعلاً في ريادتها. ويعد السوري محمد أحمد فارس ثاني رائد فضاء عربي في رحلة أبحاث علمية في مركبة الفضاء السوفياتية «سويوز» في عام 1987.
تحتفظ وكالة «ناسا» بمكانة خاصة لعالِم الفضاء المصري الدكتور فاروق الباز الذي ساعدها في تخطيط الاستكشافات العلمية للقمر. كما تحتفظ دولة الإمارات العربية المتحدة بمكانة مميزة للدكتور الباز الذي زار الإمارات ثلاث مرات واستقبله خلالها الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله. وفي إحدى هذه المرات اصطحب الباز معه إلى أبوظبي ثلاثة رواد فضاء أميركيين من وكالة «ناسا»، وأهدى إلى الشيخ زايد مكوك فضاء مصغراً كبداية لتعاون مستقبلي مع الوكالة. وتعزز ذلك في نجاح رحلة رائد الفضاء العربي الثالث الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية (1ss)، حيث أمضى ثمانية أيام في المحطة قطع خلالها 34 مليون ميل حول الأرض.
وتولي مصر اهتماماً خاصاً وسريعاً بعلوم وتكنولوجيا الفضاء، لدخول عصر المستقبل، عبر نقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء بما يخدم التنمية. وفي عام 2016، أعلنت مصر تدشين أول برنامج مصري لإنشاء وكالة فضاء مصرية، قد تصبح أول وكالة فضاء عربية بالتعاون مع السعودية والإمارات ودول أخرى.
لقد انطلق الاهتمام الإنساني بالفضاء الخارجي في عام 1957، عندما أطلق الاتحاد السوفياتي أول قمر صناعي «سبوتنك 1». وفي العام نفسه، أطلق القمر «سبوتنك 2» الذي حمل أول كائن أرضي حي إلى الفضاء وهي الكلبة «لايكا». وفي عام 1961، اتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي قراراً تم وصفه بأنه «مصيري» لإرسال أول إنسان إلى الفضاء الخارجي؛ وهو يوري غاغارين ليكون أول رائد فضاء في تاريخ الإنسانية. وبعد ثماني سنوات في عام 1969 أصبح الرائد الأميركي نيل أرمسترونغ أول إنسان يطأ بقدمه سطح القمر.
يضم نادي الفضاء الدولي حتى اليوم 15 دولة؛ هي الولايات المتحدة وروسيا واليابان وكندا وبلجيكا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا وبريطانيا. أما نادي الفضاء العربي المتعاون مع وكالة «ناسا» فيضم ثلاثة علماء من المغرب؛ وهم السيدة أسماء بو جبيار حاملة شهادة الدكتوراه في مجال علوم الأرض والبراكين، والسيدة سلوى رشدان التي انتمت إلى «ناسا» وعمرها 27 سنة؛ وهي متخصصة في علوم البيئة والتنوع الأحيائي، وكمال الودغيري ويعد من أهم العلماء الذين عملوا في مهمات إرسال مركبات إلى المريخ وهبوطها هناك. ومن لبنان شارل العشي ويتولى في «ناسا» منصب مدير مختبر الدفع النفاث، ومصطفى شاهين المولود في عام 1935 وهو متخصص في دراسة المناخ على الأرض ويؤيد فكرة وجود مخلوقات فضائية تعيش خارج كوكبنا، وتكريماً للإنجازات الكبيرة التي قام بها لوكالة «ناسا» تم إطلاق اسمه على أحد الكويكبات، وهو كويكب 4103 شاهين، وقد توفي في عام 2011. ومن الجزائر نور الدين ميكيليشي ويحمل لقب سفير ولاية ديلاوير الأميركية إلى الكوكب الأحمر لأنه طور صناعة كاميرات للحصول على صور أفضل لكوكب المريخ، ويوسف تومي كمال ويعد أحد أشهر الباحثين في وكالة «ناسا». ومن تونس لمع محمد الأوسط العياري الذي يعمل كبيراً لمستشاري وكالة «ناسا».
وبالإضافة إلى العالم المصري فاروق الباز، نبغ العالم المصري عصام حجي وهو يشرف الآن على المهمات العلمية المتعلقة باستكشاف كواكب المجموعة الشمسية من خلال التصوير بالرادار. كما أنه أحد أعضاء فريق يجمع بين علماء من «ناسا» ووكالة الفضاء الأوروبية «إيسا» من أجل دراسة المذنبات والبحث عن المياه في كوكب المريخ.
ومن العلماء العرب الذين شرفونا العالم الفلسطيني من رام الله لطفي مزيد عياد ويعمل في «ناسا» منذ ثمانينات القرن الماضي، وصمم لوكالة «ناسا» مختبراً فضائياً خلال سبعة أشهر فمنحته الوكالة أرفع أوسمتها، كما أسهم في صناعة مكوك فضائي وصيانة مركبات فضائية.
لا تعني البرامج الفضائية «وجاهة» علمية بقدر ما تعني تقدماً في خدمة المشاريع التنموية الأرضية لمكافحة التصحر والفيضانات والتلوث والأوبئة والاحتباس الحراري. وربما يتم اعتماد الأقمار العربية في تحديد مواعيد الأعياد وتجاوز الاختلافات السنوية الحالية.
في عام 1995، غنت أيقونة الطرب العربي فيروز من كلمات وألحان الأخوين رحباني أغنيتها الأشهر «نحن والقمر جيران».