أليكس عازار... مدافع شرس عن ترمب في مواجهة «كورونا»

وزير الصحة الأميركي متحدر من جذور لبنانية وأوكرانية

أليكس عازار... مدافع شرس عن ترمب في مواجهة «كورونا»
TT

أليكس عازار... مدافع شرس عن ترمب في مواجهة «كورونا»

أليكس عازار... مدافع شرس عن ترمب في مواجهة «كورونا»

عادة، لا يجذب اسم وزير الصحة الأميركي وعمله انتباه الإعلام الدولي. بل أحياناً كثيراً لا يصل اسمه إلى مسامع الصحافة المحلية إلا في حالات بسيطة عند صدور قرار تعيينه أو إقالته، وبينهما أحياناً ينشر عنه بعض الأخبار القليلة. إلا أن فيروس «كوفيد - 19» أدى إلى شهرة عدد من العلماء والخبراء والأطباء والمسؤولين الذين تصدّرت أسماؤهم وأعمالهم وتصريحاتهم الصفحات الأولى للصحف وعناوين الأخبار.
من المسؤولين، برز اسم أليكس عازار وزير الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة، الذي ارتبط وسيربط التاريخ اسمه بظهور وتفشي جائحة «كوفيد - 19» في البلاد، وعجز جهازها الصحي عن احتواء الأزمة، وسط نقص في الموارد الصحية من اختبارات وأمصال وأجهزة وبحوث معملية وصدور تصريحات متضاربة ومضللة.
أليكس عازار (53 سنة) هو رسمياً المسؤول المنوطة به مهمة إدارة السياسات الصحية، وليس الجوانب العلاجية التقنية، فضلاً عن تجميل وجه إدارة الرئيس دونالد ترمب في استجابتها للجائحة. ومن ثم، سيرتبط اسمه – حسب كثيرين – بالفشل الأميركي في مواجهة جائحة القرن الحادي والعشرين.
خلال عمل عازار مستشاراً لوزارة الصحة في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، لعب الرجل دوراً مهماً في الاستجابة لفيروس الجمرة الخبيثة عام 2001، وضمان وجود لقاح لمرض الجدري. وعام 2015 عندما كان يحتل منصب نائب وزير الصحة تعامل بشكل جيد مع تفشي فيروس «سارس»، وقاد جهود الحكومة الأميركية لتشجيع ابتكار الأجهزة الصيدلانية والطبية.
إلا أن الأزمات تكشف القدرات، ولا جدال في أن «كوفيد - 19» كشف الغطاء عن تقصير وتراجع أحوال الخدمات الصحية في الولايات المتحدة. فمن كان يصدق أن أغنى قوة في العالم، بكل ما تملكه من خبرات وتكنولوجيا وتقدم علمي مذهل، تقف عاجزة عن التصدي لهذا الفيروس، وتتصدر دول العالم في أعداد الإصابات والوفيات. ويؤدي النقص الكارثي في المعلومات عن الفيروس إلى انهيار الأسواق المالية وصراعات في الدوائر السياسية الداخلية ولعبة إلقاء اللوم على منظمة الصحة تارة، والصين تارة أخرى. وألقت وسائل الإعلام بثقل وتبعات تفشي الوباء على كاهل وزير الصحة أليكس عازار الذي تولي منصبه في نهاية يناير (كانون الثاني) 2018.
- بطاقة شخصية
لكن من هو أليكس عازار؟
عازار ولد عام 1967 في بلدة جونزتاون بولاية بنسلفانيا، وهو يتحدّر من جذور لبنانية وأوكرانية، إذ هاجر جده لأبيه من لبنان إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين. وبعدما أنهى دراسته الابتدائية والثانوية، درس عازار الاقتصاد في كلية دارتموث، التي تعد إحدى أعرق الجامعات الأميركية وأرقاها، عام 1988. وبعدها تخرّج مجازاً بالقانون من كلية الحقوق في جامعة ييل، التي تُعد أهم كلية حقوق في الولايات المتحدة، عام 1991. وعلى الأثر، عمل بمحكمة الاستئناف الأميركية، ثم محامياً في مكتب محاماة وايلي رين بالعاصمة واشنطن. ومنذ عام 2001 حتى عام 2007 عمل مستشاراً لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية، قبل أن يستقيل ويعمل في منصب نائب رئيس شركة إيلاي ليلي لخدمات الرعاية الصحية، ثم رئيساً للفرع الأميركي (الأكبر) في الشركة العملاقة في يناير 2012 ومسؤولاً عن عمليات الشركة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
في تلك الفترة، واجه عازار انتقادات لاذعة بسبب ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير تحت قيادته، إذ وصل تكلفة الإنسولين (الأكثر مبيعاً لشركة إيلاي ليلي) إلى أكثر من 3 أضعاف سعره. كذلك، واجهت الشركة في عهده دعاوى قضائية بتهم استغلال نظام تسعير الأدوية لزيادة أرباحها من الإنسولين. كما وجّه انتقادات شديدة لبرنامج «أوباما كير» للرعاية الصحية. واستقال من الشركة في يناير 2017.
- نشاطه الحزبي
نشط أليكس عازار، في هذه الفترة أيضاً، داخل صفوف الحزب الجمهوري، وساهم في حملات كل من مايك بنس (نائب الرئيس الحالي) والسيناتور ميتش ماكونيل (زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ). وأيضاً ساهم في حملة دونالد ترمب خلال السباق الانتخابي عام 2016.
في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، أعلن ترمب عبر «تويتر» عن ترشيحه عازار لمنصب وزير الصحة. وأثار هذا الإعلان في حينه مخاوف كثير من المدافعين عن الرعاية الصحية، مستشهدين بسجل الرجل في رفع أسعار الأدوية، ومعارضته برنامج «أوباما كير» وميوله الصريحة للتوجه الرأسمالي وأفكار السوق الحرة في تلبية احتياجات الرعاية الصحية للأميركيين. لكن رغم تلك الانتقادات، وافق مجلس الشيوخ حيث الغالبية للجهوريين على ترشيحه للمنصب بسلاسة، ومن دون معارضة قوية.
- هل يتحمّل المسؤولية؟
اليوم، يتساءل البعض، هل من الإنصاف إلقاء اللوم على إدارة ترمب، وعلى أليكس عازار بصفته وزير الصحة والخدمات الإنسانية، عن جائحة عالمية ظهرت بدايةً في مدينة ووهان الصينية؟
الإجابة السريعة هي النفي. إلا أن الإعلام الأميركي ألقى على هذا الرجل اللوم في الاستجابة الفيدرالية التي وصفها بـ«المخزية» في التنبؤ والتأهب لمواجهة مخاطر تفشي الفيروس القاتل. فقد كشفت وكالة رويترز في شهر مارس (آذار) الماضي أن الوزير عازار أبقى تقارير عن تهديدات تفشي ما بات يُعرف بفيروس «كوفيد - 19» «سرّية» بناء على أوامر من البيت الأبيض. وكان الأمر، على ما يبدو، جزءاً من استراتيجية إعلامية للبيت الأبيض لتجنب إثارة المخاوف والحفاظ على استقرار الأسواق المالية.
أيضاً، أشارت تسريبات من مصادر مطلعة في البيت الأبيض أن الرئيس ترمب قلّل عمداً من الاختبارات المبكرة للإصابات بالفيروس، معتبراً أن الأرقام المرتفعة ستضرّ بفرص إعادة انتخابه. وأشارت التسريبات أن الرئيس لم يعمد إلى توسيع تقديم الاختبارات في بداية تفشي الجائحة، وتردد في إطلاق حملة لتعميم الاختبارات، ما كان من شأنه حصر مناطق تفشي الفيروس.
من ناحية ثانية، ذكر موقع «بوليتيكو» الإخباري في مارس الماضي أن من يحقق في كيفية تعامل إدارة ترمب مع تفشي «كوفيد - 19» سيدرك أن أحد الأسباب يرجع جزئياً للتأخر في توفير الاختبارات. ولقد دافع «بوليتيكو» عن وزير الصحة عازار، مشيراً إلى أنه حذّر ترمب من أن الفيروس يهدد بأن يصبح أزمة كبيرة، بيد أن ترمب رفض تلك التحذيرات.
لكن في المقابل، أفادت وكالة «آسوشييتد برس» أن عازار استسلم لمطالب البيت الأبيض في بداية ظهور الفيروس، بإحجامه عن نشر توجيهات «مركز ضبط الأمراض» الأميركي التي توصي الأميركيين بالامتناع عن السفر. وإبان الشهور التالية لانتشار الفيروس، أيّد عازار تصريحات الرئيس ترمب، حينما قال الأخير إن الفيروس «سيختفي مع حلول الطقس الحار»، وأيضاً لجوءه إلى التقليل من شأن الفيروس، في حين أقرّ مسؤولو الصحة العامة الآخرون بأن خطره المميت يبلغ 10 أضعاف خطر فيروس الإنفلونزا.
وحينما أعلن ترمب، منذ أسبوعين، عن التفويض باستخدام بلازما المتعافين كعلاج طارئ للمصابين بالفيروس، واستصدار تصريح من «إدارة الغذاء والدواء» الأميركية بالسماح بعلاج البلازما، دافع عازار عن ترمب في وجه التهم التي وجّهت له بالضغط على «إدارة الغذاء والدواء» لإصدار هذا التصريح، على الرغم من غموض مدى فاعلية هذا العلاج. وبالفعل، دافع عازار عن اتهام ترمب «الدولة العميقة» بتعمّد تأخير التوصل إلى لقاح وعلاج إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. ورفض وزير الصحة، أيضاً، التهم القائلة إن إدارة ترمب ضغطت على «إدارة الغذاء والدواء» للإجازة السريعة لعلاج «كوفيد - 19» باستخدام البلازما قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية.
- ولاء مطلق لترمب
باختصار، كان أليكس عازار، منذ ظهور فيروس «كوفيد - 19» حتى اليوم، الرجل المسؤول عن الدفاع عن سياسات البيت الأبيض وتلميع صورة الرئيس ترمب والدفاع الدؤوب عن تصريحاته ومقترحاته وأفكاره في مواجهة «كوفيد - 19». ومن الواضح أن عازار يتوافق تماماً مع توجهات رئيسه، عكس كثير من وزراء الصحة السابقين. ومما ذكر عنه، وفق صحيفة «نيويورك تايمز» أنه عمل على شطب كل اللوائح التي صدرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، واستمتع بإصدار لوائح جديدة.
المدافعون عن عازار يقولون إن وزارة الصحة الأميركية علمت بخطر الفيروس في بداية يناير 2020. وبادر عازار إلى إبلاغ الرئيس ترمب بالأمر يوم 19 يناير 2020. ومن ثم كافح لجذب انتباه ترمب للخطر الداهم، ولكن على الرغم من تحذيرات عازار، اتجه ترمب نحو التقليل من شأن الفيروس، وقدرة إدارته على السيطرة عليه.
غير أن الإعلام الأميركي ينسب إلى عازار قوله في 28 يناير 2020 إن إدارة ترمب لا تخطط لإعلان حالة طوارئ صحية مع انتشار فيروس «كوفيد - 19» في الصين، وتأكيده في حينه أن الخطر على الأميركيين ضئيل، وليس هناك سوى 5 حالات مؤكدة فقط في الولايات المتحدة. ولكن في اليوم نفسه، كان عازار قد طلب من الحكومة الصينية الموافقة على دخول فريق من خبراء مركز ضبط الأمراض إلى مدينة ووهان للتعرف على المزيد عن الفيروس، وأشاد عازار يومذاك بمساعدة الصين.
- انتقادات بالجملة
توالت الانتقادات لوزير الصحة خلال شهري فبراير (شباط) ومارس بسبب قلة الاستعداد والتقاعس، ما أدى إلى سرعة تفشي الجائحة. وانتقدت وسائل الإعلام خصوصاً نقص اختبارات الكشف عن الإصابات. ففي أوائل مارس 2020 ركز النقاد على النقص الكبير في الاختبارات، إذ بينما أجرت الصين في ذلك الوقت اختبارات على أكثر من مليون شخص، أُجري في الولايات المتحدة أقل من 500 اختبار. وفي 25 أبريل (نيسان) 2020 أفاد كثير من وسائل الإعلام أن البيت الأبيض كان يدرس خطة لعزل عازار بسبب الإحباط من طريقة معالجته التفشي، ولكن في اليوم التالي غرّد الرئيس أن هذه التقارير «مزيفة» وأنه لا ينوي الاستغناء عن وزيره.
أخيراً، في 10 أغسطس (آب) الحالي كان أليكس عازار يرأس وفداً أميركياً رفيع المستوى إلى تايوان ليغدو أول مسؤول أميركي يزور تايوان منذ عام 1979. وقال الوزير إنه ينقل دعم الرئيس ترمب والولايات المتحدة لتايوان في قضايا الصحة ومواجهة «كوفيد - 19». ووقّع مذكرة تفاهم للتعاون الطبي بين البلدين. غير أن المراقبين أكدوا أنه كانت للزيارة أهداف سياسية أخرى لا علاقة لها بالصحة العامة، على رأسها استفزاز السلطات الحاكمة في الصين التي تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها، وتعهدت بضم الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر.


مقالات ذات صلة

عمالقة التكنولوجيا يخطبون ودّ ترمب… بالملايين

الولايات المتحدة​ مؤسس شركة «أمازون» الأميركية العملاقة جيف بيزوس متحدثاً في لاس فيغاس (أ.ب)

عمالقة التكنولوجيا يخطبون ودّ ترمب… بالملايين

اصطف مليارديرات صناعة التكنولوجيا الأميركيون، وآخرهم مؤسس «أمازون» جيف بيزوس، لخطب ود الرئيس المنتخب قبل عودته للبيت الأبيض من خلال تبرعات بملايين الدولارات.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب في ولايته الأولى رئيساً للولايات المتحدة يلوح بيده خلال اجتماع ثنائي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة زعماء مجموعة العشرين في أوساكا باليابان في 28 يونيو 2019 (رويترز)

ترمب ينتقد قرار بايدن إرسال صواريخ تستهدف العمق الروسي ويصفه بالأحمق

موسكو ترحب بانتقادات دونالد ترمب لقرار جو بايدن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى ضد أهداف داخل عمق الأراضي الروسية

هبة القدسي (واشنطن)
المشرق العربي وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والأميركي أنتوني بلينكن خلال إفادة صحافية مشتركة بعد مباحثاتهما في أنقرة الجمعة (رويترز)

«توافق عام» تركي - أميركي على مستقبل سوريا ما بعد الأسد

سيطر ملفان رئيسيان على مباحثات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في أنقرة؛ أولهما مستقبل سوريا ما بعد بشار الأسد، والثاني التباين حول مكافحة الإرهاب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

استطلاع: الأميركيون ليس لديهم ثقة كبيرة في اختيارات ترمب لأعضاء الحكومة

أظهر استطلاع جديد للرأي أن الأميركيين ليست لديهم ثقة كبيرة في اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترمب لأعضاء الحكومة، أو فيما يتعلق بإدارة ملف الإنفاق الحكومي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.