ماكرون ليس بوارد تأجيل زيارته إلى بيروت تجنباً لتداعيات سياسية تترتب عليه

ماكرون مع الرؤساء عون وبري ودياب أثناء زيارته لبنان (أ.ب)
ماكرون مع الرؤساء عون وبري ودياب أثناء زيارته لبنان (أ.ب)
TT

ماكرون ليس بوارد تأجيل زيارته إلى بيروت تجنباً لتداعيات سياسية تترتب عليه

ماكرون مع الرؤساء عون وبري ودياب أثناء زيارته لبنان (أ.ب)
ماكرون مع الرؤساء عون وبري ودياب أثناء زيارته لبنان (أ.ب)

مع أن أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة لا تزال تدور في حلقة مفرغة ما دام قطار التكليف لم ينطلق بسبب إحجام رئيس الجمهورية ميشال عون عن تحديد موعد لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلّف تشكيلها، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باقٍ على التزامه بزيارة لبنان في 1 سبتمبر (أيلول) المقبل، الذي يتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لقيام دولة لبنان الكبير التي أُعلنت من دارة السفارة الفرنسية في بيروت.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية متطابقة على تواصل مع الإدارة الفرنسية المعنية بالملف اللبناني، بأن ماكرون ليس في وارد تأجيل زيارته الثانية للبنان، عازية الأمر إلى أن مجرد تأجيلها ستترتب عليه تداعيات سياسية أبرزها أن التأجيل يعني من وجهة نظر معظم الأطراف المحلية، أن باريس اتخذت قرارها بوقف مبادرتها.
وقالت المصادر السياسية إن باريس منزعجة إلى أقصى الحدود من استمرار المراوحة التي يتحمّل مسؤوليتها جميع الأطراف بلا استثناء، والتي لا تزال تتبادل تسجيل المواقف وتحاول تحسين شروطها في التسوية التي تدفع باتجاه طي صفحة التأزّم لمصلحة التوافق على برنامج عمل يلتزم به الجميع وتتولى الحكومة الجديدة تنفيذه بلا أي تردد لوقف الانهيار المالي والاقتصادي، خصوصاً أنه لا مساعدات مالية ما لم تبادر القوى السياسية إلى مساعدة نفسها.
واستغربت استمرار تلكؤ هذه القوى في التوصل إلى برنامج عمل متكامل تتولى الحكومة الجديدة مهمة تطبيقه بحذافيره، وقالت إن بعض الأطراف تتصرف كأن الزلزال الذي استهدف بيروت جراء الانفجار الذي حصل بالمرفأ في 4 أغسطس (آب) الحالي، لا يضعها أمام تحدّيات أبرزها إعادة إعمار العاصمة.
وفي المقابل، لاحظت المصادر أن باريس مستاءة من تلكؤ بعض الأطراف وعدم مبادرتها إلى توظيف الفرصة التي أُتيحت لها بعودة الاهتمام الدولي بلبنان بعد انقطاع استمر لسنوات للانتقال ببلدهم من مرحلة الانهيار الذي أخذ يتدحرج نحو الهاوية إلى مرحلة إزالة آثار الزلزال الذي أحدثه انفجار المرفأ، وصولاً إلى توفير الحلول لتحقيق التعافي المالي المشروط ببرنامج إصلاحي وإداري، لكنها في المقابل باتت أسيرة الارتباك الذي يُبقي لبنان يدور في حلقة مفرغة.
ولفتت إلى أن الاتصالات التي أجراها ويجريها ماكرون مع الأطراف الفاعلة للتأكد من مدى استعدادها لمغادرة المربع الأول باتجاه السير في الخطة الإنقاذية، لم تحقق أي تقدّم بسبب إصرار هذا الطرف أو ذاك على التعاطي بالمفرّق مع الأفكار التي طرحها الرئيس الفرنسي، وقالت إن عدوى الإرباك انتقلت إلى الفريق الفرنسي المولج الملف اللبناني، كاشفة عن أن ماكرون لم يصمد أمام الأفكار التي طرحها على القيادات التي التقاها في «قصر الصنوبر».
وأكدت هذه المصادر أن ماكرون طرح في اتصالاته بأبرز المكوّنات اللبنانية، أكثر من فكرة، وأن بعضها على تناقض مع الآخر، وقالت إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يهوى التدخل في عملية تشكيل الحكومة؛ لكنه اضطر للدخول على خط المشاورات التي تعهد بها الرئيس عون بعد أن اصطدمت بحائط مسدود لغياب أبرز المكوّنات عنها والتي لم تقتصر على قيادات «14 آذار» سابقاً، وإنما انسحبت على زعيم «تيار المردة» النائب السابق سليمان فرنجية.
وتوقّعت في حال أصر ماكرون على مجيئه إلى بيروت - كما يقول عدد من الوجوه السياسية التي تتواصل باستمرار مع مستشار الرئيس الفرنسي، سفير فرنسا السابق لدى لبنان إيمانويل بون - فإن هدفه الأول من عودته إلى بيروت سيكون حضور الاحتفال الذي يقام لمناسبة الذكرى المئوية لولادة لبنان الكبير.
وقالت إن ماكرون سيلقي خطاباً بهذه المناسبة يلفت فيه إلى دور فرنسا في ولادة لبنان الكبير من دون أن يخفي مخاوفه من تجزئته إلى لبنان غير الذي تأسّس انطلاقاً من جبل لبنان، وسألت عن مدى استعداد الأطراف للإفادة من الوقت المتبقي الذي يسبق زيارته وتبادر فوراً إلى تهيئة الأجواء وتوفير الشروط لإخراج عملية تأليف الحكومة من التأزم، خصوصاً أن الذين التقاهم في «قصر الصنوبر» لم يغادروا متاريسهم السياسية للقاء بعضهم بعضاً في منتصف الطريق.
إلى ذلك، قالت مصادر متابعة لملف تشكيل الحكومة إن بري باقٍ على موقفه بإطفاء محركاته ولم تنجح الاتصالات لإقناعه بإعادة تشغيلها أو باستضافته مجدداً للقاء الذي جمعه برئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في حضور المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل والخليل الآخر النائب علي حسن خليل.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.