«اسألوا كلارا»... منصة رقمية للتعريف بمؤلِّفات موسيقيات منسيّات عبر الأجيال

المؤلفة الموسيقية كايا سارياهو من القليلات اللواتي حصلن على شهرة في مجال الموسيقى ولهذا أعدت قاعدة للبيانات للتعريف بالمؤلِّفات المنسيات من الماضي إلى الحاضر (أ.ف.ب)
المؤلفة الموسيقية كايا سارياهو من القليلات اللواتي حصلن على شهرة في مجال الموسيقى ولهذا أعدت قاعدة للبيانات للتعريف بالمؤلِّفات المنسيات من الماضي إلى الحاضر (أ.ف.ب)
TT

«اسألوا كلارا»... منصة رقمية للتعريف بمؤلِّفات موسيقيات منسيّات عبر الأجيال

المؤلفة الموسيقية كايا سارياهو من القليلات اللواتي حصلن على شهرة في مجال الموسيقى ولهذا أعدت قاعدة للبيانات للتعريف بالمؤلِّفات المنسيات من الماضي إلى الحاضر (أ.ف.ب)
المؤلفة الموسيقية كايا سارياهو من القليلات اللواتي حصلن على شهرة في مجال الموسيقى ولهذا أعدت قاعدة للبيانات للتعريف بالمؤلِّفات المنسيات من الماضي إلى الحاضر (أ.ف.ب)

في تاريخ الموسيقى منسيون ومنسيات، عزفوا وألّفوا المئات من القطع عُرفت في زمانها ولكنها لم تصل إلينا، ولكن تَعِد منصة رقمية فرنسية بأن تعيد بعضاً من المنسيين في عالم الموسيقى وإن كانت المنصة اختارت التعريف بأعمال المؤلِّفات لإعطائهن بعضاً من التقدير الذي حُرمن منه لمصلحة نظرائهن الرجال.
وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، فقد أحصت منصة «اسألوا كلارا»، في إشارة إلى كلارا شومان عازفة البيانو المبدعة والمؤلفة الموسيقية وزوجة المؤلف الشهير روبرت شومان، أعمالاً لأكثر من 700 مؤلفة موسيقية.
وأُطلقت قاعدة البيانات هذه في يونيو (حزيران) بمبادرة من فريق تقوده كلير بودان، مديرة مهرجان «بريزانس فيمينين» (لمسات أنثوية) المكرّس للمؤلِّفات الموسيقيات من الماضي والحاضر.
وتؤكد بودان لوكالة الصحافة الفرنسية: «منذ الصغر، لا نسمع أي أعمال موسيقية موقَّعة من مؤلِّفات، أو يصل إلينا القليل من هذه الأعمال لدرجة أنها لا تَعلق في الذاكرة».
وتقول: «جرى تلقيننا منذ الصغر فكرة أن النبوغ الموسيقي هو صنيعة مؤلفين كبار من الرجال دائماً، من دون التساؤل يوماً عن نتاج المؤلِّفات».
وتحظى هذه المنصة الرقمية بتمويل من جمعية المؤلفين والملحنين ومنتجي الموسيقى (ساسيم)، وهي أحصت ما لا يقل عن 4662 عملاً من توقيع 770 مؤلفة من 60 جنسية، منذ عام 1618 حتى 2020.
ويعتزم الموقع إدراج أربعة آلاف عمل إضافي في الخريف، بينها مقطوعات لهايدغارد فون بينغن (1098 - 1179) وهي قديسة في الكنيسة الكاثوليكية وإحدى أولى المؤلِّفات المعروفات.
وتجري عمليات البحث في المنصة عبر إدخال اسم المؤلفة أو عنوان العمل المطلوب أو الآلة الموسيقية أو البلد أو الحقبة.
ومن بين أقدم المؤلِّفات المنشورة أعمالهن في الموقع: الإيطاليات فرانشيسكا كاتشيني وهي أول امرأة تؤلف عملاً أوبرالياً، وإيزابيلا ليوناردا وباربارا ستروتسي، إحدى أولى المؤلِّفات المحترفات، وأيضاً الفرنسية إليزابيت جاكيه دو لا غير.
كذلك تضم المنصة عدداً كبيراً من المؤلِّفات المتحدرات من الدول الناطقة بالإنجليزية، «وهي أكثر تقدماً بكثير في هذا المجال»، وفق بودان.
وأمكن إنجاز هذه المنصة الرقمية بفضل عمل شاق بدأ في 2006، حسب بودان التي تؤكد أن ذلك لم يجرِ «لركوب موجة سائدة» حالياً.
وتوضح بودان لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس المقصود إعادة كتابة التاريخ بل إثراء المكتبة» الموسيقية، مضيفةً: «لا يجب الإضاءة على هذه الأعمال لمجرد أنها موقَّعة من نساء ولإرضاء ضميرنا، بل لكونها تنطوي على قيمة فنية حقيقية».
وتشير العازفة التي أوقفت مسيرتها الموسيقية للتفرغ لهذه المشاريع، إلى أن عدم الاستعانة بأعمال المؤلِّفات الموسيقيات في الأحداث والمهرجانات الفنية يشكل عائقاً كبيراً أمام انتشارها.
ومنذ نحو عقد من الزمن، تعقد بودان بانتظام مؤتمرات حول الموضوع وقلّما يتمكن أيٌّ من الحاضرين خلالها من تسمية أيٍّ من المؤلِّفات باستثناء حفنة صغيرة من الأكثر شهرة بينهن، من أمثال كلارا شومان وفاني مندلسون وليلي بولانجيه إضافة إلى بيتسي جولاس وكايا سارياهو.
وتشير إلى أن منظمي الحفلات يواجهون «قيوداً مرتبطة بضرورة ملء القاعة»، وهو ما يفرض عموماً الاعتماد على أعمال كبار المؤلفين الموسيقيين من أمثال بيتهوفن وموتسارت وتشايكوفسكي وبرامز وباخ.
وتقول بودان: «ما نراه ليس سوى غيض من فيض، فحتى لدى الرجال ثمة مؤلفون كثر يستحقون تسليط الضوء عليهم».
وهي تشدد على «ضرورة أن يضع الجميع في برامج عروضهم الموسيقية أعمالاً لمؤلِّفات لأن الفنانين المدعوين سيترددون في أداء هذه المقطوعات إذا لم يكونوا على ثقة بأن قاعات أخرى تفعل الأمر عينه».
وقد أُرجئ مهرجان «بريزانس فيمينين» إلى أكتوبر (تشرين الأول) بعدما كان مقرراً في مارس (آذار) الفائت.
ورعى المهرجان منذ إطلاقه سبعة أعمال لمؤلِّفات، أحدها من توقيع الشابة كامي بيبان البالغة 29 عاماً والتي أصبحت هذا العام أول مؤلفة موسيقية تفوز بجائزة «فيكتوار» للموسيقى الكلاسيكية.
ولنسخة عام 2021 أطلق المهرجان مسابقة لتأليف قصة موسيقية موجهة للشباب. وقد فازت فيها سيسيل بوشيه متفوقة على 15 مؤلفة.
وتلفت بودان إلى أن تحسين موقع المؤلِّفات في المشهد الموسيقي العام يمر أيضاً في معاهد الموسيقى (الكونسرفاتوار).
وقالت كامي بيبان في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية العام الماضي، إنها كانت الفتاة الوحيدة في حصص التأليف الموسيقي في معهد الكونسرفاتوار في باريس.
لكنها أوضحت أن «المدرّسين الذين ألتقيهم اليوم والمؤلفين الشباب يرغبون في تغيير الوضع. ثمة معتقدات موروثة راسخة لكنها بدأت تسقط».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».