بينما يتطلع العالم إلى لقاح لفيروس «كورونا المستجد»، المسبب لجائحة «كوفيد - 19»، فإن الخوف من العدوى بالفيروس الجديد، جعلت قطاعا عريضا من المواطنين حول العالم يحجمون عن زيارة المراكز الصحية لمنح أبنائهم لقاحات الأمراض القديمة مثل، الخناق والكزاز والسعال الديكي والتهاب الكبد (بي) والأسباب البكتيرية للالتهاب الرئوي والتهاب السحايا والحصبة والحصبة الألمانية والحمى الصفراء، مما يهدد بعودة هذه الأمراض مجدداً.
ورصد باحثون من مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي بالمملكة المتحدة، تنامي هذه الظاهرة، الأمر الذي دفعهم إلى التحذير من خطورتها بشكل عملي في دراسة نشرتها في 17 يوليو (تموز) الجاري دورية «ذي لانسيت»، حيث قارنوا بين الفوائد الصحية للمحافظة على التطعيمات الروتينية في أفريقيا، في مقابل الأخطار المتوقعة من العدوى بالفيروس. ووجد الباحثون أن «الفوائد الصحية للمحافظة على برامج التطعيم الروتينية للأطفال تفوق بكثير خطر انتقال الفيروس، وفقاً لسيناريوهات النمذجة المنشورة في الدراسة».
ومقابل كل وفاة إضافية بـ(كوفيد - 19)، قد تكون مرتبطة بالتعرض الإضافي للفيروس أثناء زيارات العيادة، يتوقع النموذج أنه يمكن منع 84 حالة وفاة للأطفال قبل سن الخامسة من خلال الاستمرار في التطعيمات الروتينية.
وتشير النتائج إلى أن «الاستمرار في جداول التطعيم المعتادة يمكن أن يمنع 702 ألف حالة وفاة للأطفال من وقت التحصين حتى بلوغهم خمس سنوات». ونظرت الدراسة في جميع بلدان أفريقيا الـ54 ووجدت أن «عدد وفيات الأطفال التي تم تجنبها من خلال التطعيم، تجاوزت عدد الوفيات بسبب (كوفيد - 19) التي قد تحدث بسبب زيارات العيادة».
ومع ذلك، يعترف المؤلفون أن «هناك قضايا أخرى ستؤثر على ما إذا كانت برامج التطعيم يمكن أن تستمر، مثل مشاكل سلسلة توريد اللقاحات أو نقص موظفي الرعاية الصحية خلال الوباء».
وتقول الدكتورة كاجا عباس، المؤلفة الرئيسية للدراسة، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني لمدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي بالمملكة المتحدة بالتزامن مع نشر الدراسة، «وجدنا أنه حتى مع أكثر التقديرات تحفظاً، من المرجح أن فوائد التحصين الروتيني للأطفال في أفريقيا تفوق بكثير خطر انتقال (كوفيد - 19) الإضافي الذي قد يحدث، وينبغي إعطاء هذه البرامج الأولوية قدر الإمكان من الناحية اللوجيستية».
واستند الباحثون في تقديراتهم لعدد وفيات الأطفال التي يمكن الوقاية منها بالتحصين الروتيني على البيانات الصحية الموجودة من كل بلد. وركزوا على تأثير اللقاحات ضد الخناق والكزاز والسعال الديكي والتهاب الكبد B والأسباب البكتيرية للالتهاب الرئوي والتهاب السحايا والحصبة والحصبة الألمانية والحمى الصفراء، وتم افتراض أن معدلات التطعيم لكل بلد هي نفسها كما كانت في عام 2018.
ووفقاً للنموذج، قد يؤدي الاستمرار في برامج التحصين الروتينية مع وجود الوباء إلى 8 آلاف و300 حالة وفاة إضافية في جميع أنحاء أفريقيا، ومع ذلك، فإن تعليق برامج التطعيم لتجنب الوفاة بسبب (كوفيد - 19) يمكن أن يؤدي إلى وفاة 702 ألف طفل في جميع أنحاء أفريقيا.
وحتى في سيناريو أكثر تحفظاً بكثير، حيث يُفترض أن تعليق التطعيم في المقام الأول يزيد من فرصة تفشي مرض الحصبة المحلي ويحمي الأطفال من أمراض أخرى، كان عدد وفيات الأطفال التي يمكن منعها لا يزال أكبر من الزيادة المحتملة في وفيات (كوفيد - 19) لمعظم بلدان أفريقيا.
وبينما تظهر الدراسة بوضوح الفوائد الصحية للتطعيم للأطفال، فقد كشفت عن أن الخطر الإضافي للعدوى المكتسبة خلال زيارات للعيادة سيؤثر بشكل أساسي على البالغين من نفس الأسرة. ووفقاً للنموذج، من المتوقع أن تؤثر 11 في المائة من حالات الوفاة الزائدة عن طريق (كوفيد - 19) التي تعزى إلى زيارات العيادة على الآباء أو مقدمي الرعاية البالغين.
ويقول الباحثون إن «هذا يسلط الضوء على أهمية حماية كبار السن لتقليل خطر اكتساب الفيروس، بينما يمكن للأطفال في أسرهم الاستفادة من اللقاحات الروتينية».
وحذرت منظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة من خطورة إهمال التطعيمات التقليدية، وخلال بث مباشر نفذه أمس المكتب الإعلامي لإقليم شرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، مع الدكتورة نادية طلب، المستشارة الإقليمية للتمنيع واللقاحات بالمنظمة، بمناسبة الأسبوع العالمي للتمنيع واللقاحات في أبريل (نيسان) الماضي، عبرت المستشارة الإقليمية للمنظمة عن قلقها إزاء مؤشرات تكشف عن أن برامج التطعيمات الروتينية تأثرت بسبب فيروس «كورونا».
وعبرت عن خشيتها أيضاً من أن «إهمال تلك التطعيمات يمكن أن يتسبب في عودة (فاشيات) مرضية قديمة، فتجد الأنظمة الصحية الوطنية نفسها أمام تحد صعب يتمثل في مواجهة (كورونا)، بالإضافة للمرض القديم الذي عاد بسبب إهمال التطعيمات الخاصة به، وهو ما حدث مؤخرا في دولة الكونغو الديمقراطية، حيث ركزت كل طاقتها على مواجهة فاشية (إيبولا)، فعادت الحصبة بقوة».
ولا يوجد حل للتغلب على تلك المشكلة، سوى بالالتزام بالإجراءات الوقائية، التي تقلل فرص الإصابة بالفيروس الجديد أثناء الحصول على لقاحات ضد الأمراض القديمة.
ويقول الدكتور محمود شحاتة، الباحث بقسم الفيروسات بالمركز القومي للبحوث في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «مسؤولية هذه الإجراءات الوقائية مشتركة بين المنشأه الصحية التي ينبغي أن تلتزم بأعلى درجات الأمان من التعقيم وتطهير الأدوات وارتداء (الماسكات الطبية) وتنفيذ قيود التباعد الاجتماعي بين روادها، وفي المقابل يجب على الأفراد أيضاً، أن يتخذوا الإجراءات الوقائية من ارتداء الماسكات والالتزام بقيود التباعد التي تضعها المؤسسة».
«فوبيا كورونا» والإحجام عن التطعيمات... الحرص الزائد يعيد أمراض الماضي
«فوبيا كورونا» والإحجام عن التطعيمات... الحرص الزائد يعيد أمراض الماضي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة