عثمان ميرغني
كاتب وصحافيّ سوداني، نائب رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عمل في عدد من الصحف والمجلات العربية في لندن. متخصص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية ومهتم بقضايا الاقتصاد العالمي والمناخ والبيئة.
TT

خبر سار في معركة «كورونا»

مهما حاولت أن تهرب من أخبار «الكورونا» لن تستطيع، فهي أمامك حيثما توجهت، وستبقى إلى حين، على الأقل حتى يحدث أحد أربعة أمور أو كلها؛ أن تنجح الجهود الجارية في عدد من الدول والمختبرات حالياً في اكتشاف علاج، أو أن يسيطر العالم تماماً على انتشار العدوى والمرض من خلال الجهود التي طورت، أو أن يضعف الفيروس تدريجياً، أو أن نتعلم التعايش معه مثلما حدث مع فيروسات أخرى لم تعد مخيفة كما كانت.
في زحمة الأخبار التي لا تهدأ عن الجائحة، وأكثرها يغم النفس عادة، تلقينا أول من أمس أول خبر سار هلل له المختصون وعدوه تطوراً بارزاً في المعركة ضد (كوفيد - 19) بينما وصفته منظمة الصحة العالمية بالاختراق العلمي باعتباره أول علاج مثبت يؤدي إلى نتائج محققة في تقليص الوفيات بين مرضى (الكوفيد) في الحالات الحرجة أو الصعبة. فالعلماء في جامعة أوكسفورد العريقة بالتعاون مع عدد من المستشفيات البريطانية نجحوا باستخدام عقار «ديكساميثازون» في إنقاذ حياة أعداد من مرضى (كوفيد - 19) ممن كانوا في حالة حرجة ووضعوا على أجهزة التنفس الصناعي، أو في مرحلة أقل خطورة نسبياً ويتلقون المساعدة على التنفس من قوارير الأوكسجين. ففي حالة المجموعة الأولى ساعد عقار «ديكساميثازون» في تقليص الوفيات بنسبة 30 في المائة، وفي الحالة الثانية بنسبة 20 في المائة.
ميزة هذا العقار أنه متوفر حالياً ويباع من دون وصفة طبية بسعر رخيص نسبيا (5 جنيهات إسترلينية) ونتائجه فعلية بعدما استخدم في عدد من المستشفيات البريطانية على المرضى وأثبت فاعليته. وقال الخبراء إن العقار لو كان قد استخدم منذ بداية انتشار الفيروس لأنقذ نحو خمسة آلاف شخص ممن راحوا ضحية المرض. الأمر الآخر المهم أن العقار، وهو من نوع سترويد، موجود في أكثرية الدول بما فيها الدول الفقيرة ويستخدم في أمراض متنوعة مثل الروماتيزم والالتهابات والأمراض التنفسية مثل الربو وأمراض متعلقة بالجهاز المناعي. وبعد ثبوت نجاحه في تقليص الوفيات بين مرضى (الكوفيد) في الحالات الحرجة والصعبة، فإن عدد الدول التي يمكن أن تستفيد منه فوراً سيكون كبيراً.
لكن حتى لا يركض بعض الناس لشرائه واستخدامه من تلقاء أنفسهم، فإن الخبراء ينصحون بأن يكون تناوله وفقاً لتوجيهات طبيب بسبب آثاره الجانبية المحتملة على الناس المصابين ببعض الأمراض. وفي كل الأحوال فإن فاعلية العقار قاصرة على الحالات الحرجة من مرضى (كوفيد - 19)، ولم تثبت له جدوى مع المرضى ذوي الأعراض الخفيفة. وهو ليس علاجاً في حد ذاته من المرض، لكنه يساعد فقط في تقليص الوفيات بين المرضى في حالات حرجة بما قد يعطيهم فرصة للمقاومة وربما الشفاء بمساعدة مزيج من العلاجات الأخرى ونظامهم المناعي الذاتي.
لماذا احتفى الخبراء بالتجربة البريطانية؟
بعد فشل تجارب أخرى على أدوية مختلفة، وثبوت عدم فاعلية بعض الأدوية التي أثيرت حولها ضجة مثل «هايدروكسي كلوروكين» في حالات (كوفيد - 19)، فإن نجاح عقار «ديكساميثازون» يعد خطوة مبشرة في المعركة ضد المرض المرعب. ذلك أنه يؤشر نحو إمكانية التوصل إلى نجاحات أخرى مع عقارات موجودة يجري عليها الأطباء والمختصون تجارب لأنها تستخدم في علاج أمراض تنفسية أو لها علاقة بالجهاز المناعي أو أي أمراض قد تلتقي مع بعض أعراض (الكوفيد). فهناك قناعة بين جهات الاختصاص بأن العلاج إذا لم يأت من عقار واحد، قد يكتشف في السباق المحموم الجاري حالياً في عدد من الدول أو لا يكتشف، فإنه قد يتحقق من خلال استخدام «كوكتيل» من العقارات المختلفة كما هو الحال مع بعض الأمراض الأخرى.
في كل الأحوال فإن التوصل إلى العلاج، إذا حدث، سوف يستغرق وقتاً يقدره العلماء بين 12 إلى 18 شهراً، وحتى ذلك الوقت فإن أي عقار يتم التوصل إليه وإثبات فاعليته في تقليل نسبة الوفيات وزيادة فرص مقاومة المرض والشفاء منه، سيكون خطوة مهمة. فهذا الأمر سيعيد الاطئنان للناس، ويسمح بعودة الحياة الطبيعية مع بقاء بعض إجراءات التحوط، ويعطي مهلة للعلماء الباحثين عن عقار للعلاج ومصل للوقاية، علهم يتوصلون إلى الحل المنشود الذي سيخلص العالم من كابوس هذه الجائحة. لكن حتى إذا لم تنجح جهودهم فإن العالم سيكون قد قطع مرحلة متقدمة في كبح جماح المرض من خلال العقارات الأخرى التي تجعلنا قادرين على التعايش معه أسوة بأمراض وفيروسات أخرى باتت متوطنة وطورت عقارات تخفف من أعراضها وتكبح جماحها مثل الإنفلونزا الموسمية والملاريا والإيبولا وحتى الإيدز.
فالإنفلونزا مثلاً تصيب سنوياً نحو مليار إنسان، تكون إصابات ثلثهم أو أكثر شديدة، بما يؤدي إلى وفاة ما بين 290 ألفاً إلى 650 ألفاً سنوياً وفق أرقام منظمة الصحة العالمية. وعلى الرغم من ذلك فإنها عندما تذكر لا تثير ذلك الرعب ولا يربط الناس بينها وبين «الكورونا»، علما بأن فيروسات الإنفلونزا المتعددة، ارتبطت بأوبئة وجائحات أسوأها حتى اليوم هو الإنفلونزا الإسبانية (1918 - 1920) التي أصابت نحو 500 مليون إنسان وقتلت ما قد يصل إلى نحو 50 مليوناً وفق التقديرات القصوى.
عموما فإن خبر عقار «ديكساميثازون» يعطي الناس جرعة يحتاجونها من الأمل، مع الاستئناف التدريجي لمناشط الحياة، وتخفيف القيود، مع الإبقاء على الإجراءات التحوطية. فالمعركة مع جائحة «الكورونا» تبقى طويلة، وعلى الرغم من بعض الانتكاسات في الدول التي خففت القيود، والمخاوف من موجة ثانية، فإن جهود الدول والعلماء و«الجيوش البيضاء»، بدأت تحقق نتائج ملموسة في كبح جماح الفيروس والحد من انتشاره. وكل يوم يمر يضيف الناس خبرات ومعلومات تساعدهم في هذه المعركة.