السجون العراقية في مسرحية بريطانية

فازت بالجائزة الأولى «للكتابة الإبداعية الجديدة» في مهرجان إدنبره الدولي

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

السجون العراقية في مسرحية بريطانية

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

بعد فوز مسرحية «الكولّكتر» بالجائزة الأولى «للكتابة الإبداعية الجديدة» في مهرجان إدنبره الدولي تم عرضها مجددا في مسرح الأركولا، وهو أحد المسارح الفرعية في لندن. الصالة الصغيرة للعرض تضفي جوا من الحميمية على المكان حيث الجمهور يلتف حول مكان العرض من 3 جوانب. هناك 3 مقاعد خشبية موزّعة بشكل ثلاثي في مساحة العرض. يدخل الممثلون الـ3 في بداية العرض ليحتل كل منهم مكانه على إحدى هذه المقاعد. ويفتتح العرض بقراءة الممثلة ريتو أريا بتلاوة سورة الفاتحة من القرآن الكريم.
يطرح العرض إشكالية وجود الجيش الأميركي في العراق وانخراطه في الفساد القائم، الشخصية الرئيسة في العرض هي نصير، لكن نصير المترجم العراقي الشاب الذي يعمل لصالح الجيش الأميركي في العراق ليس موجودا على الخشبة، نعرف عن تطورات حياته فقط من خلال الشخصيات الـ3 في العرض، وهم محقق ومحققة من الجيش الأميركي وزوجة نصير.
عادة ما يقوم الكاتب هنري نايلور بكتابة عروض كوميدية، لكنه اختار هذه المرّة كتابة هذا العرض وإخراجه مع المخرج ميشال كابوت. رغم غياب الشخصية المحورية نصير عن الخشبة، فإن حياكة هنري نايلور لشخصيته التي تعكسها الحوارات القائمة بين الشخصيات الـ3 تجعل صورته حاضرة بشكل قوي طوال مدة العرض. يمثّل نصير نموذج الشاب العراقي الثائر والناقم على الواقع الحاضر. يستمع إلى أغاني مغني الراب الأميركي إمينيم ويطلب من زوجته أن ترتدي اللباس الغربي. يغني الراب كذلك ويحتذي بالنموذج الأميركي للحياة بوصفه طريقة لخلاص المجتمع من التخلف والفوضى القائمة. وهو يعمل مترجما لدى الجيش العراقي. يظهر تفانيا في عمله حتى يصبح محبوبا جدا من قبل رؤسائه.
من الجهة الأخرى يطرح العرض أيضا معاناة المحققين الأميركيين اللذين يحاولان تطبيق الديمقراطية في السجون في العراق، لكن مع تطور مسار العرض نراهما منهكين يشككان ويتساءلان عن مدى مصداقية مهامهما خصوصا عندما يفشلان في حماية نصير وزوجته اللذين يتعرضان للاضطهاد من بعض الجهات العراقية الموالية لصدام بسبب تعامل نصير مع الأميركان.
أما زوجة نصير فقد نحت الكاتب شخصيتها لتكون نموذجا للمرأة العراقية التي تدعم كل خيارات زوجها، هي الزوجة المحبة التي تتحمل عقبات خياراته وتقول نصوصا في المسرحية تعكس ألم الوطن العراقي المفقود.
إيقاع العرض سريع. الحوارات القائمة بين الشخصيات ساخنة ومشحونة بالتوتر الذي يعود مصدره إلى سوء الوضع القائم في العراق، لا سيما في السجون حيث تدور معظم أحداث المسرحية، هناك الكثير من المونولوغات التي يؤديها الممثلون. نشهد بعض الحوارات بينهم، لكنها غالبا ما تعود وتؤدي إلى انعزال الشخصيات بعضها عن بعض وأدائها لهذه المونولوغات المتوجهة مباشرة إلى الجمهور، حتى يبدو أن الممثلين يقومون بحوار دائم مع الذات.
كان أداء الممثلين جيدا في الغالب لا سيما الممثلة ريتو أريا التي أدت دور الزوجة، إذ استطاعت من خلال عفويتها في أداء الدور والرقة التي أظهرتها في تمثيلها الشخصية أن تنقلنا إلى عالم زوجها نصير الغائب وخوفها الدائم على مصيره.
أما الممثلة ليزلي هاركورتس فوستر التي أدت دور المحققة فقد بدا وكأنها تغالي في أداء دور المرأة المحققة الصلبة حتى بدا أداؤها مصطنعا في بعض الأحيان.
أخيرا.. ما الإشكالية الحقيقية في هذا الطرح للكاتب البريطاني؟ ومن أين انطلق حين نحت شخصية نصير الشاب العراقي الثائر؟
بغض النظر عن العقبات التي تواجهها الشخصيات في المسرحية، فإن معالجة المسرحية لواقع التدخل الأميركي في العراق تفترض أن الجيش الأميركي قدم لنشر الديمقراطية في العراق، لكن العقبات والفوضى القائمة التي واجهته حالت دون قيامه بذلك، كما تفترض أن الشاب العراقي المثالي هو الذي ينظر إلى النموذج الأميركي بوصفه قدوة تعلمه الحرية والتحضّر.
وهنا لا يسعنا إلا أن نقول إننا نأمل أن نتعلم المزيد عن الحرية!

* مسرحية لبنانية تقيم في لندن



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.