رحيل الفنان المصري محمود مسعود بعد مسيرة مسرحية وتلفزيونية بارزة

عن عمر ناهز 68 عاماً

الفنان المصري الراحل محمود مسعود (الصفحة الرسمية لنقابة الممثلين المصريين على «فيسبوك»)  -   لقطة من أحد مشاهده السينمائية
الفنان المصري الراحل محمود مسعود (الصفحة الرسمية لنقابة الممثلين المصريين على «فيسبوك») - لقطة من أحد مشاهده السينمائية
TT

رحيل الفنان المصري محمود مسعود بعد مسيرة مسرحية وتلفزيونية بارزة

الفنان المصري الراحل محمود مسعود (الصفحة الرسمية لنقابة الممثلين المصريين على «فيسبوك»)  -   لقطة من أحد مشاهده السينمائية
الفنان المصري الراحل محمود مسعود (الصفحة الرسمية لنقابة الممثلين المصريين على «فيسبوك») - لقطة من أحد مشاهده السينمائية

غيب الموت فجر أمس، الفنان المصري محمود مسعود، عن عمر ناهز 68 عاماً، إثر إصابته بهبوط في الدورة الدموية، بعد مسيرة مسرحية وسينمائية وتلفزيونية طويلة، شارك خلالها في أكثر من 170 عملاً فنياً.
وكان مسلسل «خيانة عهد» بطولة الفنانة يسرا، آخر الأعمال الفنية التي ظهر فيها مسعود خلال موسم دراما رمضان الماضي، وجسد فيه دور والد «شيرين» (جومانا مراد)، وكانت مشاهده قليلة أو «فلاش باك» تجمعه بابنته، وكان من بينها مشهد طردها من المنزل بعد أن كشفت لأسرتها أن خطيبها سافر ولن يتزوجها.
ويرى نقاد مصريون، من بينهم محمود عبد الشكور أن «الفنان الراحل مع معظم أبناء جيله من المسرحيين لم يأخذوا حقهم في الانتشار والشهرة، مقارنة بحجم الموهبة التي كانوا يمتلكونها، ويقول عبد الشكور لـ«الشرق الأوسط»: «في بداية حياته الفنية ظهر محمود مسعود في عمل تلفزيوني مأخوذ عن رواية (غادة رشيد)، التي كانت مقررة على طلاب المدارس المصرية في سبعينيات القرن الماضي، وجسد مسعود خلال الحلقات شخصية شاب يحب (زبيدة) بطلة العمل، التي تزوجها (مينو قائد الحملة الفرنسية على مصر)، وقدم مسعود أداءً رائعاً أعلن به حضوره الفني وقتئذ».
ويؤكد عبد الشكور أن «جيل مسعود فضل المسرح عن كل الوسائط الفنية الأخرى، كما أنه لم تتح له الفرصة للتعبير عن كامل موهبته تلفزيونياً وسينمائياً، وقدم مشاهد محدودة لا تناسب قدراته التمثيلية». مشيراً إلى أن «هناك فجوة كبيرة بين الممثلين الموهوبين وبين المخرجين الجيدين، فلا يستطيع كل المخرجين رؤية ومشاهدة كل هؤلاء الموهوبين، فالمخرجة المصرية كاملة أبو ذكري على سبيل المثال، اختارته لتقديم دور الشيخ (معبّد) في مسلسها (واحة الغروب) الذي تم عرضه في موسم رمضان عام 2017. وقدم الراحل الدور بشكل جيد».
ومن أشهر أعمال محمود مسعود، المولود في عام 1952... «الوجه الآخر»، «جمهورية زفتى» «أم كلثوم» «أفراح إبليس» «القضاء في الإسلام»، «رجل الأقدار»، «الإمام المراغي»، «نسيم الروح»، «سيدنا السيد»، «عوالم خفية»، «حارة اليهود»، «دنيا جديدة»، «واحة الغروب»، «خيانة عهد» وغيرها.
وسينمائياً... شارك مسعود الذي تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية، عام 1975. في العديد من الأفلام المهمة منها «حب في الزنزانة» و«امرأة آيلة السقوط» و«اخترت حياتي» و«المتمرد»، و«الحب وأشياء أخرى». كما شارك في عشرات الأعمال المسرحية من بينها «ورد الجناين»، «المحظوظ»، و«كان جدع» وغيرها.
وعبر الفنان الراحل عن استيائه خلال إحدى الحوارات الصحافية العام الماضي، من «تأخر أبناء جيله من الموهوبين في الحصول على فرصتهم الفنية على غرار لطفي لبيب ومن قبله حسن حسني»، وأوضح أن «عدداً كبيراً من الممثلين ظلوا مختفين سنوات عدة حتى استطاعوا إثبات موهبتهم الكبيرة، عبر دور واحد، يخطفون من خلاله أنظار المخرجين والمتابعين، قبل أن تفتح لهم أبواب الشهرة والانتشار الطاغي»، وأكد «أنه لم يشعر بالحزن لعدم حصوله على كامل فرصته، لأنه يعتبر ذلك أمراً مقدراً له، كما أن التمثيل مجرد عرض وطلب»، ولفت إلى «أنه لم يشترط أجراً محدداً قبل مشاركته في أي دور، وكان يكفيه تقديم مشهد واحد يعلق في أذهان الجمهور على غرار مشهده في فيلم (حب في الزنزانة) مع الفنان عادل إمام». بحسب وصفه.
ونعى الفنان الراحل أمس، نقابة المهن التمثيلية، كما نعاه عدد من الفنانين على حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».