طاقة القوى العاملة تعود اليوم للمرافق الحكومية ومقار الشركات في السعودية

مختصون لـ«الشرق الأوسط»: 9.8 مليون موظف وعامل سيدفعون عجلة تعويض خسائر «كورونا» خلال 3 شهور

صورة لأهم محاور الطرق في الرياض خلال فترة منع التجول (الشرق الأوسط)
صورة لأهم محاور الطرق في الرياض خلال فترة منع التجول (الشرق الأوسط)
TT

طاقة القوى العاملة تعود اليوم للمرافق الحكومية ومقار الشركات في السعودية

صورة لأهم محاور الطرق في الرياض خلال فترة منع التجول (الشرق الأوسط)
صورة لأهم محاور الطرق في الرياض خلال فترة منع التجول (الشرق الأوسط)

في وقت تفاءل فيه خبراء بعودة سريعة لتعافي الاقتصاد السعودي وسط مؤشرات إيجابية أبدتها نتائج تداعيات فيروس كورونا المستجد، رفعت السلطات السعودية اليوم (الأحد) تعليق الحضور لمرافق الوزارات والهيئات الحكومية ومقار شركات القطاع الخاص مؤذنة بعودة ممارسة الأنشطة المكتبية وفق الضوابط وضعتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بالتنسيق مع وزارة الصحة والجهات ذات العلاقة.
ورشح اقتصاديون في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن تعجل عودة طاقة القوى العاملة في المملكة لساحة العمل والأنشطة التجارية بالإسهام في تعويض الخسائر الاقتصادية جراء الإغلاق وقاية من تفشي كورونا في فترة أقصاها 3 شهور، مشيرين إلى أن الانفتاح الاقتصادي سيعزز عودة حركة مليارات الريالات نحو الاستثمار مجددا كما سيعود أصحاب المشروعات التجارية بصورة أكثر حيوية ونشاطا للاستفادة من فرصة رفع الحظر، بالإضافة إلى انتعاشة منتظرة للسوق المالية في البلاد.
وبحسب الهيئة العامة للإحصاء يبلغ إجمالي طاقة القوى العاملة (المشتغلة والمتعطلة) في السعودية خلال الربع الثالث من العام الماضي 2019 ما قوامه 13 مليون عامل وموظف، يمثل السعوديون منهم 3.1 مليون عامل وموظف، في وقت هناك 1.02 مليون سعودي قادر على العمل يبحث عن فرص وظيفية، بينما تبلغ نسبة معدل المشاركة الاقتصادية لإجمالي السكان (15 عاما فأكثر) 58.4 في المائة.
وبحسب بيانات رسمية للعام 2018، تبلغ حجم القوى المشتغلة في السعودية من قطاع عام وخاص بواقع 9.8 مليون عامل ينقسمون على موظفي الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، إذ يبلغ حجم موظفي القطاع الحكومي المدني 1.2 مليون موظف منهم 1.1 مليون موظف سعودي (من غير القطاع العسكري والأمني) فيما يبلغ عدد غير السعوديين نسبة ضئيلة لا تتجاوز 49.7 ألف موظف.
في المقابل، يقدر مجمل العاملين في القطاع الخاص السعودي ما قوامه 8.5 مليون عامل بينهم 1.7 مليون سعودي، فيما المتبقي 6.8 مليون عامل غير سعودي ينشطون في مختلف الأعمال والأنشطة الاقتصادية في البلاد. ويبلغ عدد العاملين في القطاع المصرفي نحو 47.1 ألف موظف.
من ناحيته، قال رجل الأعمال الدكتور عبد الرحمن الزامل رئيس مجلس الغرف السعودية سابقا ورئيس مجلس إدارة شركات سعودية عديدة: «استبشرنا خيرا كقطاع خاص، بعودة القوى العاملة البشرية للعمل، حيث فوجئنا بقرار انطلاق العمل بعد إغلاق لقرابة 3 أشهر صعبة على الجميع وخاصه القطاع الخاص...»، مضيفا: «في الحقيقة لم أكن أتوقع الانفتاح بهذه السرعة، ولكن هذا يمثل مصدر ثقة معززة من قبل القيادة والوزارات المتخصصة خاصة وزارة الصحة والفنيين المشاركين».
ولفت الزامل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سرعة الانفتاح ستنعكس على القطاع الخاص من بينه السوق المالية بشكل إيجابي، مشيرا إلى أنه بمجرد عودة العمل في القطاع الخاص ستنتعش الشركات والمصانع والمتاجر والمقاولون وغيرهم للحركة مجددا وتعويض الفترة الماضية ما يعني عودة مليارات الريالات للتفاعل في الاقتصاد الحقيقي وعبر الاستثمار في الأسهم.
من جهته، أفاد الدكتور عبد الرحمن باعشن رئيس مركز الشروق للدراسات الاقتصادية لـ«الشرق الأوسط» بأن القرارات التي اتخذتها الجهات المسؤولة بالمملكة بشأن عودة قوة العمل للمرافق الحكومية ومقار الشركات، ستمكن القطاع الاقتصادي من استعادة عافيته في قترة لن تتخطى 3 شهور مقبلة، في ظل توقعات بعودة قوة عمل قوامها 9.8 مليون عامل وموظف للعمل بصورة طبيعية.
وقال باعشن «هذا العدد من القوى البشرية للعمل سيعزز السوق السعودية ويمكن الاقتصاد الوطني من استعادة عافيته لوضعه الطبيعي الذي كان عليه قبل تفشي جائحة كورونا في مدة تتراوح بين 3 إلى 6 شهور مقبلة، في حال سارة الأوضاع المتعلقة بمكافحة الفيروس إلى الأفضل».
من جهته، يرى المحلل الاقتصادي الدكتور خالد رمضان أن عودة الموظفين والعمال لممارسة أعمالهم من جديد وبشكل تدريجي بداية من اليوم الأحد سيمهد لعودة الأنشطة الاقتصادية لطبيعتها السابقة والتي عانت الجمود خلال الفترة الماضية، مشيرا إلى أن تزايد إجراءات فتح النشاط الاقتصادي سينعكس إيجابيا على أداء الاقتصاد الوطني الفترة المقبلة.
وتوقع رمضان، تعافى تدريجي للقطاعات الاقتصادية المختلفة وانعكاس ذلك على نتائج أعمالها خلال النصف الثاني من العام الجاري كقطاعات الصناعات البتروكيماوية والأدوية والرعاية الصحية بفعل معاودة فتح الاقتصاد مرة أخرى وارتفاع أسعار النفط، مع انتعاش الآمال بالتوصل إلى لقاح لفيروس كورونا مما يؤذن بانحسار الأزمة الحالية وعودة حركة التجارة مرة أخرى. ويعتقد المحلل الاقتصادي رمضان أن القطاعات الاقتصادية بحاجة إلى نصف العام المتبقي على الأقل لاستعادة الخسائر التي تكبدتها أو الإيرادات التي فقدتها خلال فترة منع التجول والحظر المنزلي، لافتا إلى أن القطاعات الاقتصادية المختلفة تحملت كلفة اقتصادية باهظة ومرهقة في مواجهة وباء كورونا وانعكس ذلك على الربحية والوضع المالي للقطاعين العام والخاص.
وأوضح رمضان أن فتح الاقتصاد السعودي مرة أخرى سيسمح باستكمال رحلة الصعود وإجراء عملية تصحيحية في الأسواق على المدى المتوسط، خاصة أن نتائج الربع الأول للشركات السعودية جاءت في العموم إيجابية، مضيفا أن تحسن أسعار النفط سيعطي ثقة أكبر لقطاع الأعمال والمستثمرين في طي صفحة أزمة الإغلاق وتداعياته الكارثية في أسرع وقت.


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».