انقطاع الماء والكهرباء عن طرابلس يفاقم معاناة سكانها عشية العيد

TT

انقطاع الماء والكهرباء عن طرابلس يفاقم معاناة سكانها عشية العيد

يرى جل سكان العاصمة الليبية أن الأسبوع الماضي كان هو الأثقل عليهم منذ اندلاع الحرب على طرابلس، من حيث كثافة القذائف العشوائية، التي استهدفت عشرات المساكن، ورفعت عدد القتلى والجرحى. لكنهم يجمعون على أن ما ضاعف حجم معاناتهم هو انقطاع المياه والتيار الكهربائي بشكل دائم، خاصة قبيل عيد الفطر.
وعاشت العاصمة على مدار أيام شهر رمضان، حالة من الإظلام المتقطع بسبب الحريق الذي شب بمحطة كهرباء طرابلس، في ظل طقس حار قارب 48 درجة بالعاصمة، ما أثر على تدفق مياه النهر الصناعي إلى المنطقة الغربية وتوقفها تماماً.
وأعلنت الشركة العامة للكهرباء في بيانها أن الحريق الذي شب بمحطة الكهرباء جنوب طرابلس نتج عن «ارتفاع درجة الحرارة واشتعال النيران بمكب القمامة المجاور لها، ما أدى لتمدد ألسنة اللهب إلى داخلها بشكل كبير».
وقال أحمد عبد الحكيم حمزة، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، لـ«الشرق الأوسط» إن سكان طرابلس يعيشون «أصعب أيام حياتهم منذ بدء الحرب، بسبب القصف الذي يستهدف منازلهم، وانقطاع التيار الكهربائي، في ظل ارتفاع شديد جدا في درجات الحرارة... هذه قمة المعاناة الإنسانية، وندعو الله أن يخفف عن الناس، وتنتهي هذه الحرب التي ضاعفت من مأساة المواطنين». وقبل أن تتمكن شركة الكهرباء من استعادة التيار بواسطة بناء الشبكة من جديد، ناشدت السكان ترشيد الاستهلاك بالاكتفاء بتشغيل نصف أجهزتهم الكهربائية، حتى انتهاء موجة ارتفاع درجات الحرارة الحالية، وطمأنت المواطنين بأن جنود الكهرباء يسعون لبناء الشبكة الكهربائية، وإرجاع التيار إلى كافة المناطق.
من جهته، قال عبد المنعم الحر، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، إن الليبيين و«خاصة سكان مدينتي طرابلس وترهونة يعيشون وضعاً مأساوياً»، في ظل انقطاع الكهرباء والحظر الصحي بسبب فيروس «كورونا»، وأيضا بسبب «تبعات الحرب والصواريخ العمياء، ونقص السيولة المالية»، قبل أن يلفت إلى أوضاع المهاجرين غير النظاميين، وطالبي اللجوء، التي وصفها بأنها لا تقل مأساوية.
وتوقع جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي أمس، عودة المياه إلى مدينة طرابلس والمناطق المجاورة لها في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أنه تم فتح صمامات التحكم بالتدفق في محطة الشويرف في الساعات الأولى من صباح أمس، بالمسارين الشرقي والأوسط؛ لاستكمال التعبئة، وبدء تدفق المياه للمدن ومناطق الاستهلاك.
وانقطع التيار الكهربائي عن المنطقتين الغربية والجنوبية الخميس الماضي، ما نتج عنه توقف الآبار عن العمل ومحطات الضخ. ولفتت إدارة النهر الصناعي أن انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة الغربية والجنوبية «تسبب في توقف الآبار عن العمل ومحطات الضخ بالحقل، الأمر الذي أثر على ضخ المياه لمدن ومناطق بطرابلس»، منوهاً إلى أن انقطاع الكهرباء عن الحقلين الجنوبي والشمالي ما زال متواصلا منذ مايو (أيار) الماضي، بسبب اعتداء مجموعة خارجة عن القانون، رغم الجهود التي بذلت من بعض «الحكماء والأعيان» بالمنطقة، لكن دون أي جدوى.
وعلاوة على هذا الوضع المأساوي، تسبب القصف الذي شهدته طرابلس خلال الأسبوع الماضي في تدمير مزيد من المؤسسات الطبية في العاصمة، إذ قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إن 17 مرفقاً صحياً تعرض للقصف والاعتداء منذ بداية العام الجاري، مؤكدة استمرار الاعتداء على المستشفيات والمراكز الصحية في العاصمة طرابلس.
وأمام انقطاع المياه المتكررة عن مدن طرابلس، طالب مواطنون أول من أمس بإقالة إدارة الشركة العامة للكهرباء، وأطلقوا هشتاغ (غيروهم - وإلا نغيرهم)؛ وحمّل رئيس المجلس البلدي تاجوراء (المنتهية ولايته)، حسين بن عطية، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج المسؤولية، وقال إنه «مُطالب بتحقيق أبسط الاحتياجات التي يعاني المواطن من تقطع خدماتها، وهي المياه والكهرباء».
وأضاف موجها حديثه للسراج: «اليوم وفي هذه الظروف الخانقة والصعبة، يرى الجميع أنه بإمكانك تكليف مجلس إدارة لشركة الكهرباء كما فعلت في السابق، وسيؤيدك كل رجل وامرأة وطفل رضيع وشيخ ضرير، وسنخرج معك في الشوارع تأييدا لقرار التغيير».
وأضاف بن عطية موضحا أنه «لا قيمة لحياة ولا لوطن فيه طفل يصرخ، وامرأة تئن، وشيخ يتألم من شدة الحر وانقطاع الكهرباء، وضعف العلاج وحظر التجول، حيث بلغ الاحتقان والضرر والتعب بالمواطن مبلغا قد يشعر فيه المواطن الضعيف باليأس، أو التهور والانفلات».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.