صحافيو ليبيا... ضحايا جدد للقصف والانقسام

يُلامون من طرفي النزاع ويتعرضون للاغتيال ويضطرون للهجرة

TT

صحافيو ليبيا... ضحايا جدد للقصف والانقسام

رسّخت الاشتباكات المسلّحة التي شهدتها ليبيا منذ قرابة تسع سنوات حالة من العداء والكراهية للعاملين في المجال الصحافي والإعلامي بالبلاد، لكن الحرب الدائرة على أطراف العاصمة طرابلس منذ 13 شهراً، والانقسام السياسي الحاد بين الأفرقاء السياسيين، زاد من متاعبهم وعرضهم للاغتيال وجعلهم مطالبين بالانحياز لطرف دون آخر، وهو ما اضطر عدداً كبيراً منهم إلى الهجرة.
وقضي 22 صحافياً ليبياً على الأقل منذ ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011، لكن أعداداً أكثر من ذلك تعرضت للخطف والاحتجاز مدداً طويلة، فضلاً عن تعرض كثيرين من العاملين في المجال الصحافي والإعلامي إلى إصابات خطيرة وصلت للبتر خلال تأدية عملهم في محاور الاقتتال بالعاصمة.
لم يحتفل محمد الورجي، الذي يتابع أعمال حرب طرابلس، ويعمل لحساب إحدى وكالات الأنباء العالمية، كثيراً بذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي حل أول من أمس، لأسباب تحدث عنها لـ«الشرق الأوسط» بعضها يتعلق بحالة القلق التي يعيشها باستمرار لاقتراب الموت منه أكثر من مرة، بالإضافة إلى ما سماه «خصوصية هذه المعركة كونها ليبية، وتجرى وقائعها بين مواطنين ليبيين».
ودعت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، «السلطات الليبية وجميع أطراف النزاع إلى حماية الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام، وضمان حقهم في حرية الرأي والتعبير، بما يشمل الحق في البحث عن المعلومة وتلقيها ونقلها إلى العامة»، وقالت إن «الصحافيين هم صوت من لا صوت لهم ولا ينبغي إسكاتهم، كما لا ينبغي أن تصبح الحقيقة ضحية أخرى من ضحايا الحرب الدائرة»، وذهبت إلى أن الصحافة الحرة أمر بالغ الأهمية في توفير الحقائق والمعلومات والتحليل وتحميل القادة المسؤولية ونقل الحقيقة للسلطة، وينطبق ذلك بشكل خاص في وقت النزاع أو الأزمات، حيث يعاني الليبيون الآن نزاعا دائرا منذ عام وجائحة كورونا «كوفيد - 19».
وذكرت ويليامز في رسالة بثتها البعثة الأممية مساء أول من أمس، «هذه مناسبة للتعبير عن المخاوف بشأن الزيادة الكبيرة، سواء على الإنترنت أم خارجها، في المعلومات المضللة والتحريض على العنف وخطاب الكراهية، بما في ذلك التهديدات ضد العاملين في وسائل الإعلام على مدى العام الماضي»، ورأت أن ذلك أدى ذلك إلى «إشاعة مناخ من انعدام الثقة والخوف والعنف بين مختلف الفئات وساهم في تعميق الانقسامات الموجودة من قبل في ليبيا وزاد من إضعاف النسيج الاجتماعي الهش في الأصل».
وقال «الورجي»، وهذا اسم مستعار نظراً لأمور تتعلق بطبيعة عمله: «نعاني صعوبة حقيقية على جبهات القتال، فإلى جانب المخاطر المحتملة التي قد تسبب الموت في أي لحظة، نحن مطالبون من السلطات المحلية في الجانبين بتبني مسميات بعينها دون أخرى، وعدم تنفيذ هذه الرغبات قد يعرضّ الصحافي إلى إلغاء تصريحه».
ومع اتساع رقعة الاقتتال في ليبيا منذ إسقاط نظام العقيد معمر القذافي قبل قرابة تسعة أعوام، يجد الصحافيون أنفسهم في مرمى الاستهداف بالخطف والإخفاء قسراً، وأحياناً القتل، وهو ما دفع منظمة «مراسلون بلا حدود» إلى اعتبار ممارسة هذه المهنة في ليبيا «مهمة شبه مستحيلة».
ويضيف «الورجي» «أنا لا أستوعب أن ألقي حتفي على يد ابن عمومتي، لكنها روح الكراهية التي تتمدد في أوساط بعض الليبيين»، ومع ذلك يتحدث عن صعوبات إضافية تتمثل في «دفعهم لتبني صياغات محددة (...) فكل من الطرفين المتحاربين يبدى انزعاجاً من تسمية الآخر بـ(الجيش)، فكلاهما يختص لنفسه بالاسم، ويصف الطرف الآخر بالميليشيات». لكن هيئة الإعلام الخارجي بشرق وغرب ليبيا، تقول: «تُمنح التراخيص للصحافيين، دون التدخل في صميم عملهم».
وتقول البعثة الأممية إنها وثّقت منذ مطلع مايو (أيار) 2019، ما لا يقل عن تسع حالات في شرق وغرب البلاد تعرض فيها صحافيون ومدوّنون للاختطاف والاختفاء قسراً والاحتجاز التعسفي وفي كثير من الأحيان إلى التعذيب. كما يتعرض الصحافيون والعاملون في وسائل الإعلام بشكل متكرر إلى الترهيب والمضايقة والتهديدات بالقتل.
ومن بين الحالات الكثيرة التي تم الإبلاغ عنها، تمكنت البعثة الأممية من توثيق مقتل اثنين من الصحافيين بجنوب طرابلس في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، وتعرضت محطتان إذاعيتان للهجوم وإضرام النار فيهما في سرت في الثالث من أبريل (نيسان) الماضي.
كما اختفى مدير «إذاعة القره بوللي» بينما كان يقود سيارته في القويعة شرق طرابلس، ولا يزال مصيره ومكان وجوده مجهولين. وأفاد التقرير السنوي لمركز مدافع لحقوق الإنسان، الصادر في فبراير 2020، بأن تصاعد العنف ضد الصحافيين في ليبيا أدى إلى مغادرة أكثر من 83 صحافياً ليبياً للبلاد بين عامي 2015 و2018.
وفيما قالت ويليامز إن الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام تقع على عاتقهم مسؤولية التمسّك بالمبادئ المهنية والأخلاقية، بما فيها مبادئ الشفافية والنزاهة، وانتهت إلى أن تهديدهم واحتجازهم لمجرد أدائهم واجبهم «ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويتناقض مع الالتزام بضمان بيئة مواتية لوسائل الإعلام، مما يترتب عليه ضرورة التحقيق في كافة الاعتداءات على الصحافيين وتقديم مرتكبيها إلى العدالة».
وفي الأيام الأولى للحرب الدائرة في محيط العاصمة، سارع مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، بوصف الصحافيين والإعلاميين العاملين في قنوات موالية لـ«الجيش الوطني»، بأنهم «كتائب مستأجرة، وأذرع للانقلاب»، وهو ما اعتبره البعض «تعريضاً لحياة عشرات الصحافيين للاستهداف».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.