تزامن انتشار جائحة «كورونا» في الصين، مع أسوأ فترة توتر بين إيران والولايات المتحدة، إثر مقتل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري»، قاسم سليماني، بضربة جوية في بغداد، والرد الإيراني بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدتين تضمّان قوات أميركية في العراق ضمن ما وصفها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنها «إجراءات متناسبة في إطار الدفاع عن النفس».
وشكّل مقتل سليماني نقطة تحول في مسار التوتر الذي زاد من تعقيد الأوضاع الإقليمية، منذ إعلانه في أغسطس (آب) 2018، استراتيجية «الحرب غير المتكافئة» ضد القوات والمصالح الأميركية دون تدخل مباشر من القوات المسلحة الإيرانية.
رداً على مقتله، أبدت طهران تمسكا بـ«الثأر عبر قطع الطريق أمام أميركا في المنطقة»، رغم إعلانها «استكمال الرد على مقتل سليماني» و«عدم السعي إلى التصعيد أو الحرب». وركز «الحرس الثوري» على إعادة ترتيب أوراق ذراعه الإقليمية «فيلق القدس»، وتهيأ الأمر لخليفة سليماني، إسماعيل قاآني، بموازاة موجة غضب انفجرت في وجه المؤسسة الحاكمة في الشارع، في أعقاب اعتراف «الحرس» بإسقاط الطائرة الأوكرانية.
هذه العوامل، زادت من حساسية الانتخابات التشريعية، التي كانت بمثابة مقياس لـ«شرعية النظام» تحت وطأة سياسة «الضغط الأقصى» الأميركية، وبعد سلسلة من الاحتجاجات الدموية شهدتها إيران على مدى 3 أعوام، كانت أخراها احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
- دبلوماسياً
شهدت الأوساط الدبلوماسية مواجهة محتدمة بين الولايات المتحدة وإيران. وفي بداية الأزمة، كانت الإدارة الأميركية منشغلة بملفين أساسيين: الدفاع عن ضربة سليماني، والضغط على الأوروبيين فيما يخصّ انتهاكات إيران النووية، وإطلاق حملة بدأها الشهر الماضي المبعوث الأميركي الخاص بإيران برايان هوك لبحث إمكانية حظر السلاح على إيران الذي ينتهي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وظهرت تفاصيل جديدة في الأيام القليلة عن خطة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لتوظيف الاتفاق النووي والقرار «2231» الأممي لاستمرار إبعاد طهران عن سوق السلاح.
أبدت الولايات المتحدة في الأسابيع الأولى من تفشي الوباء قلقها من غياب الشفافية وإخفاء الحقيقة من الجانب الإيراني وتداعيات الأمر على المنطقة. وأبلغ وزير الخارجية مايك بومبيو مجلس النواب أن «أي شخص يخلف سليماني لن يتمكن من ملء الفراغ الذي خلفه»، لافتاً إلى أن «طبيعة الرد المحدود تظهر أن القيادات الإيرانية لا تريد التصعيد».
أما ظريف، فبعد مضيّ أسبوعين على تفشي الوباء، فأطلق حملة دبلوماسية واسعة النطاق، ضد العقوبات الأميركية. وحاول في هذا السياق، تنشيط الاتصالات الدبلوماسية والضغط على الأوروبيين والتنسيق مع الحلفاء الدوليين والإقليميين ضد منظومة العقوبات الأميركية التي تفرضها على دول عدة.
على صعيد الملف النووي، أجّلت طهران احتفالها السنوي بـ«اليوم الوطني للصناعة النووية»، لكن مسؤولين نوويين إيرانيين أعلنوا عدم تأثر البرنامج النووي بالجائحة واستمرار العمل على تشغيل أجهزة طرد مركزية من الجيل الجديد بمنشأة «نطنز» وتدشين مصنعين للوقود النووي في منشأة «أراك».
- العراق
في بداية مارس (آذار) الماضي، زار أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، بغداد والتقى كبار المسؤولين العراقيين بمن فيهم رئيس الوزراء المكلف مصطفي الكاظمي. وحملت الزيارة بُعدين: بحث تطورات ما بعد سليماني، و«كورونا». وهي كانت أول زيارة لمسؤول إيراني رفيع بعد مقتل سليماني. ووعد بنقل التجارب الإيرانية وتقديم مساعدات في مكافحة «كورونا»، وهو ما أثار احتجاجاً في إيران.
الأوساط العراقية فسرت زيارة شمخاني على أنها محاولة لملء فراغ سليماني، ومعالجة ما تردد عن إخفاق القائد الجديد لـ«فيلق القدس» إسماعيل قاآني في توحيد الفصائل، لكن أوساط «الحرس الثوري» قالت إنها لتوجيه رسائل إقليمية ودولية.
وعقب ذلك، شهد العراق موجة تصعيد جديدة بين الفصائل الموالية لإيران والقوات الأميركية، بعد ضربات بصواريخ «كاتيوشا» استهدفت قاعدة التاجي، ورد الجيش الأميركي بقصف 5 مواقع لـ«حزب الله العراقي» وهو من بين أبرز الفصائل الموالية لإيران في «الحشد الشعبي» العراقي.
ولاحقاً أثار الانسحاب الأميركي من قواعد ونشر نظام «باتريوت»، تكهنات بهجوم وشيك ضد الفصائل الإيرانية في نهاية شهر مارس.
وسط ذلك، وصل قاآني إلى بغداد والتقى مسؤولين عراقيين وقادة فصائل عراقية. وبعد أيام صعدت 8 فصائل موالية لإيران هي: «عصائب أهل الحق»، و«كتائب سيد الشهداء»، و«حركة الأوفياء»، و«حركة جند الإمام»، و«حركة النجباء»، و«كتائب الإمام علي»، و«سرايا عاشوراء»، و«سرايا الخرساني»، ضد القوات الأميركية، وأعلنت رفضها القاطع رئيس الوزراء المكلف حينذاك، عدنان الزرفي.
وفي إيران تناقلت وسائل إعلام نزول عناصر من «الحشد الشعبي» إلى شوارع مدينة قم للمشاركة في عمليات التعقيم، ويعتقد أن هؤلاء من عناصر تتلقى تدريباً عسكرياً في معسكرات «الحرس الثوري» المنتشرة في ضواحي قم.
- سوريا
على الصعيد العسكري، في نهاية مارس الماضي، وبعد قصف إسرائيلي لمطار الشعيرات في حمص، وردت تقارير عن مقتل قاآني ورئيس مركز أبحاث الجيش الإيراني أحمد رضا بوردستان، لكن مواقع «الحرس الثوري» نفت صحة التقارير. وقصف الطيران الحربي الإسرائيلي مواقع عدة سوريا يعتقد أنها شهدت نشاطاً إيرانياً يشمل تحريك وحدات وأسلحة، وسط حديث إسرائيلي عن أن إيران تسعى للإفادة من الوباء لتعزيز مواقعها في سوريا.
على الصعيد الدبلوماسي، توجّه وزير الخارجية الإيراني في 20 أبريل (نيسان) الماضي إلى دمشق؛ وهي الأولى بعد مقتل سليماني.
وخلال لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، ركز جانب من مباحثات الطرفين على العقوبات الأميركية وتأثيرها على جائحة «كورونا»، وجاءت الزيارة ضمن حملة إيرانية يقودها ظريف ضد العقوبات الأميركية.
ورداً على سؤال حول أسباب زيارة ظريف إلى سوريا، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، في مؤتمره الصحافي الأخير إنه «كان ضرورياً أن يكون لقاء بين مسؤولي البلدية نظراً للظروف التي تواجهنا، وكذلك التطورات في المنطقة».
أما عن المساعدات ضد وباء «كورونا»، فقال مسؤول التنسيق في لجنة مكافحة «كورونا»، الجنرال نصر الله فتحيان، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إنه لا يعرف ما إذا كانت القوات المسلحة الإيرانية تقدم مساعدات في العراق أو سوريا.
- اليمن
تصب جائحة «كورونا» في صالح مزيد من سيطرة طهران على القرار الحوثي الذي يتنصل حتى اللحظة من الاستجابة إلى دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بوقف إطلاق النار والانخراط في العملية السياسية لتوحيد الجهود في مكافحة الوباء.
وحسب خبراء، فإن هذا كان على خلاف ما اتخذته الحكومة اليمينية وتحالف دعم الشرعية في اليمن، اللذان استجابا للدعوة وأعلن التحالف وقف إطلاق النار لأسبوعين، ثم مدد وقف إطلاق النار شهراً آخر بناء على طلب المبعوث الأممي مارتن غريفيث لإحياء فرض السلام.
وأوضحت معلومات وردت بالوكالات الرسمية الإيرانية عن الاتصالات التي جرت حول الجائحة، بين غوتيريش وكذلك مسؤولين أوروبيين وروس مع الجانب الإيراني، أن الملف اليمني كان حاضراً؛ إذ أرسلت تقارير إيرانية عن الاتصالات، مؤشرات على ضغوط مارستها الأطراف الدولية على طهران للحد من تدخلاتها في اليمن.
- لبنان
عشية إعلان إيران تفشي الوباء، توجه رئيس البرلمان علي لاريجاني على رأس وفد إيراني إلى بيروت. ودافع هناك عن سياسة بلاده في دعم «حزب الله». وأعلن في بيروت عن دعم بلاده الحكومة الجديدة واستعدادها لدعم لبنان. والتقى حسن نصر الله في أول لقاء يجمع مسؤولاً إيرانياً والأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بعد مقتل سليماني.
وفي ما يخص الأزمة، حاول الجهاز الدعائي التابع لـ«الحرس الثوري» ووسائل إعلام رسمية أخرى، تقديم تغطية شاملة لأنشطة «حزب الله» اللبناني للإيرانيين في محاولة لتحسين صورته.
واعتمدت في ذلك على تقارير نشرتها وسائل إعلام مرتبطة بـ«حزب الله» وتربطها صلات بإيران. وعلى غرار «الحشد الشعبي»؛ نشرت مواقع إيرانية لقطات لمنتسبي «حزب الله» أثناء مشاركتهم في عملية تعقيم مدينة قم.
- توتر وصواريخ
عشية الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرسوماً يصنف «الحرس الثوري» منظمةً إرهابية، نشرت القيادة المركزية الأميركية تسجيلا لاحتكاك بحري بين 11 زورقاً من الوحدة البحرية في «الحرس الثوري» وسفن حربية أميركية. واشنطن وصفت الاحتكاك بـ«الخطير والاستفزازي». وأمر الرئيس ترمب لاحقاً البحرية الأميركية بتدمير أي زوارق إيرانية تقترب من السفن الأميركية في البحر. وقال «الحرس» إنه بات يملك صواريخ «أرض - بحر» مضادة للسفن يبلغ مداها 700 كيلومتر. أما في إيران، فتفاعلت القضية على مستويات عدة؛ إذ أعلن «الحرس الثوري» عن دورياته لتأمين مرور السفن والمياه الإيرانية. ورد قائد «الحرس» لاحقاً على تهديد ترمب، ولوح بتدمير السفن الأميركية. أما بحرية «الحرس» فوجهت تحذيراً لدول المنطقة من تبعات استهداف إيران حاملات طائرات تعمل بمحركات نووية، وقال إن الوجود الأميركي «لن يكون دون ثمن»، مشددة على أنها لن تتحمل حضور السفن الأميركية.
وأصدرت الأركان المسلحة الإيرانية بياناً، عدّت فيه أن التحالف البحري الأميركي «يهدد الاستقرار» في الخليج. وحذر البيان من أن «أي مغامرة أو مضايقة أو استفزاز سيقابل برد فعل حازم من القوات المسلحة الإيرانية سيتحمل عواقبه المعتدون، لا سيما الولايات المتحدة». ولاحقاً قال متحدث باسم هيئة الأركان إن بلاده ستسمح بمرور «غير مؤذ» للسفن الأميركية. وأصدرت الرئاسة الإيرانية بياناً قالت فيه إن إيران «تراقب من كثب الأميركيين وتتابع نشاطاتهم، لكنها لن تبادر أبداً إلى إشعال نزاع، ولن تكون مصدراً للتوتر في المنطقة». وهذا يقدم مؤشراً مهماً بشأن احتمال تعمق التوتر في مضيق هرمز مع التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة و«المهمة الأوروبية» لحماية السفن بقيادة فرنسا.
في موازاة التوتر البحري، أطلق «الحرس الثوري» الإيراني قمراً صناعياً عسكرياً وصاروخاً باليستياً جديداً، في توقيت واحد، وهو ما جدد انتقادات أميركية وإسرائيلية ومن الثلاثي الأوروبي الموقِّع على الاتفاق النووي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية. ورأت واشنطن أن الخطوة تتحدى القرار «2231» الذي يدعو إيران إلى الامتناع عن العمل على تطوير صواريخ باليستية مصممة لحمل أسلحة نووية لمدة 8 سنوات. وهو ما دفع بواشنطن مجدداً إلى تحريك ورقة تمديد حظر السلاح على إيران خلال الأيام الأخيرة.
وحسب الإيرانيين؛ فقد استقر «نور1» في مداره حول الأرض على ارتفاع 425 كيلومتراً، وكان قد استخدم «الحرس الثوري» صاروخاً باليستياً جديداً يحمل اسم «قاصد» ويعتقد أنه نسخة مطورة من صاروخ «شهاب3» الذي يصل مداه إلى 2100 كيلومتر إذا حمل رأساً لا يتخطى وزنه 850 كيلوغراماً.
وتحدث الإيرانيون عن أهميته في جمع المعلومات والإشراف الاستخباراتي، بينما قلل البنتاغون من أهميته.