ألمانيا تعيش في ظلال تاريخها النازي بعد 75 عاماً على استسلامها

عادت كقوة اقتصادية وسياسية أولى في أوروبا

احتفظت ألمانيا بجزء من جدار برلين الذي اعتبر سقوطه عام 1989 لحظة فاصلة في التاريخ (أ.ف.ب)
احتفظت ألمانيا بجزء من جدار برلين الذي اعتبر سقوطه عام 1989 لحظة فاصلة في التاريخ (أ.ف.ب)
TT

ألمانيا تعيش في ظلال تاريخها النازي بعد 75 عاماً على استسلامها

احتفظت ألمانيا بجزء من جدار برلين الذي اعتبر سقوطه عام 1989 لحظة فاصلة في التاريخ (أ.ف.ب)
احتفظت ألمانيا بجزء من جدار برلين الذي اعتبر سقوطه عام 1989 لحظة فاصلة في التاريخ (أ.ف.ب)

رغم الحرب الإعلامية خلال الحرب الباردة واستعمال حائط برلين كرمز للأنظمة الشمولية الشيوعية من قبل الغرب إلا أن صعود ألمانيا على الساحة الدولية كقوة اقتصادية وسياسية ما زال ينظر إليه بريبة.
النداء الذي أطلقه الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان يطالب فيه من الرئيس السوفيتي غورباتشوف «بتمزيق حائط برلين» أصبح من ركائز الأقوال التي عكست انهيار المعسكر الاشتراكي، وجاء ليصب فيما أطلقه سابقا الرئيس جون كندي الذي قال فيه: «أنا برليني». ورغم هذا التوجه الغربي خلال الحرب الباردة فإن رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت ثاتشر لم تكن مرتاحة لتوحيد ألمانيتين بعد سقوط الجدار، ولهذا فقد ظلت على خلاف مع المستشار الألماني هيلمت كول، وهذا ما بينته الوثائق البريطانية التي أفرج عنها قبل سنوات. وكتبت ثاتشر في مذكراتها: «لقد هزمنا الألمان مرتين، وها قد عادوا مرة أخرى»، أي قوة أوروبية اقتصادية قد تهدد أوروبا مرة أخرى.
وسعى كول إلى تهدئة مخاوف الزعماء الأوروبيين من صعود دولة ألمانية أقوى، في أعقاب لحظة فاصلة من تاريخها، وهي لحظة سقوط جدار برلين عام 1989. وكان كول واحدا من بين ألمان كثيرين يشعرون بقلق عميق من الحرب والنزعات القومية. ومن الأقوال الشهيرة للمستشار الألماني: «لقد عايشت النازية عندما كنت طفلا، ومثل الكثيرين من أبناء جيلي، كانت تحركني الرغبة في منع نشوب حرب أخرى بأي ثمن».
كتب الروائي الألماني هورست كروجر في روايته «البيت المكسور» عام 1966 يقول إن «هتلر هذا سوف يظل معنا حتى نهاية حياتنا».
وبعد عقود من استسلام ألمانيا النازية دون شرط أو قيد لقوات الحلفاء يوم الثامن من مايو (أيار) عام 1945، ما زال النقاش الدائر بشأن معاداة السامية والعنصرية وصعود الشعبوية اليمينية يتأثر بفترة حكم هتلر التي استمرت 12 عاما. وينطبق الأمر ذاته على الهجرة والصراعات بين الدول الأوروبية والمخاطر التي تتهدد مفهوم العالم متعدد الأطراف في فترة ما بعد الحرب، ويعتبر هذا المفهوم من أحجار الزاوية للرؤية الألمانية العصرية للعالم، وتقوضه حاليا أجندات قومية مثل تلك التي يروج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ويقول أرند باوركامبر أستاذ التاريخ بجامعة فراي في برلين إن النازية تلقي بـ«ظلال ممتدة» على ألمانيا، مضيفا أن الماضي النازي «ما زال حاضرا معنا حتى يومنا هذا في ألمانيا وأوروبا وباقي أنحاء العالم».
وحتى وقتنا هذا، يضيف باوركامبر، كما اقتبست عنه الوكالة الألمانية في تحقيقها، فإن القيود التي فرضت على حياتنا اليومية والشعور العميق بعدم اليقين جراء جائحة فيروس «كورونا» المستجد، تبدو كما لو كانت تؤثر بصفة خاصة على الجيل الأكبر من الألمان.
وتوفي كول عام 2017 عن عمر يناهز 87 عاما، كما أن الكثير من معاصريه يفارقون الحياة ببطء الواحد تلو الآخر. وحذر باوركامبر قائلا إن «عصر شهود العيان (على الحرب) أوشك على الانتهاء».
منذ 75 عاما، تحطمت أحلام دولة الرايخ الثالثة للزعيم النازي أودلف هتلر. وفي يوم 30 أبريل (نيسان) عام 1945، انتحر داخل مخبأه في برلين بينما كانت القوات السوفيتية تزحف على العاصمة الألمانية، وهو ما مهد الطريق أمام استسلام النازيين بعد أسبوع واحد، وانتهاء معارك الحرب العالمية الثانية في أوروبا.
ولكن حتى يومنا هذا، ما زالت ألمانيا تعمل على رسم ملامح دورها الجديد على المسرح العالمي، وإيجاد شكل من أشكال التصالح مع مشاعر الإذلال التي تعتمل داخلها جراء هزيمتها في الحرب المروعة التي أشعلها هتلر في أوروبا، وويلات تاريخها النازي.
ويرى باوركامبر أن «كثيرا من المسنين الألمان يتذكرون الماضي النازي بسبب أزمة الجائحة الحالية... فيذكرهم الإغلاق والوباء بالحرب العالمية الثانية وخطر الموت».
ولم يشعر الألمان بقدرتهم على الظهور أمام العالم بوجه جديد واثق إلا في عام 2005، عندما لوحوا بعلمهم أمام العالم للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها بلادهم.
وبعد ذلك بعشر سنوات، اتخذت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرارها المثير للجدل للحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية في المجر، من خلال السماح بتدفق نحو مليون لاجئ إلى ألمانيا، وهي خطوة قامت بتبريرها من منطلق المسؤولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا. ولكن ميركل اكتشفت لاحقا خلال أزمة ديون منطقة اليورو في العقد الأخير أن تاريخ النازية يمكن بسهولة استدعاؤه كسلاح أمام زعماء ألمانيا الحاليين. فجهود ميركل لفرض ضوابط مالية صارمة على اليونان للخروج من أزمة الديون قوبلت بلافتات في شوارع أثينا تحمل رسوما كاريكاتورية تشبه المستشارة الألمانية بهتلر، كما أن بعض الزعماء السياسيين في اليونان تحركوا لإثارة قضية مطالبة برلين بتعويضات عن الأعمال الوحشية التي ارتكبتها ألمانيا النازية في اليونان وقت الحرب العالمية الثانية.
كان كول، الذي تولى منصب المستشارية لأطول فترة مقارنة بنظرائه، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يبلغ من العمر 15 عاما عندما وقع الجنرال ألفريد جودل الذي كان يمثل القيادة العليا الألمانية، على وثيقة استسلام القوات المسلحة الألمانية في مقر القيادة العليا لقوات الحلفاء في مدينة رايمز الفرنسية. وقد استسلمت اليابان حليفة ألمانيا في زمن الحرب بعد أربعة أشهر في سبتمبر (أيلول) 1945 وقد ألغيت الفعاليات الرسمية التي كانت مقررة لإحياء ذكرى استسلام ألمانيا يوم 8 مايو بسبب جائحة كورونا، وتقرر بدلا من ذلك تسليط الضوء على تلك الأحداث التاريخية من خلال عرض افتراضي يحمل اسم «إلى برلين وما بعدها». ورغم أن ألمانيا اعتادت إحياء تاريخ الأحداث الوحشية للمحرقة النازية كثيرا ما تتعرض البلاد لأعمال إرهابية يرتكبها معادون للسامية أو يمينيون. وقبل عامين، وصف ألكسندر جاولاند الزعيم البارز في حزب البديل من أجل
ألمانيا (إيه إف دي) اليميني المتشدد سنوات حكم النازية بأنها «شيء لا يذكر» في تاريخ ألمانيا، الذي يمتد على مدار ألف سنة.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».