إذا كانت الأزمات تصنع المعجزات كما يقال، فإن جائحة «كورونا»، بما فيها من ألم، صنعت المواقف. في السعودية أفرزت أزمة فيروس «كورونا المستجد»، اسماً سعودياً أصبح حديث الشارع. كيف لا؟ وهو من ينتظره المجتمع، بفئاته المختلفة، مطلع مساء كل يوم جديد للاطمئنان على الوضع الصحي في البلاد، والاطلاع على آخر مستجدات الوباء.
الدكتور محمد العبد العالي، متحدث وزارة الصحة السعودية، دفعته جائحة «كورونا» لإخراج المتحدث الإعلامي المفوّه، والدفين بداخله. بحضور إعلامي رصين، وكفاءة في تحويل معلومات تطورات الوباء المقلقة، بلسماً على متلقيها، رغم مرارة مضمونها، بهدوئه، ونبرة صوته الواثقة، ولغة جسده المطمئنة. الدكتور محمد، الطبيب الجراح وأحد نتاجات جامعة مانشستر البريطانية، وأفضل طبيب زمالة لبرنامج علم الأمراض، 2018، بجامعة الملك سعود، يقف شامخاً ومستلاً مبضعه ليضع يده على جروح تطورات الوباء، سارداً للمجتمع ووسائل الإعلام، في مؤتمر صحافي، آخر التطورات المتعلقة بجائحة العصر «كورونا».
متحدث «الصحة» لم يلفت المجتمع في السعودية بموهبته الفطرية في الحضور الإعلامي وسلاسة المعلومة فحسب، وإنما أيضاً، بحسه الإنساني الذي كان حاضراً بقوة، وقت أحداث أزمة عصيبة راهنة أفقدت البعض قريباً أو عزيزاً.
ولا ينسى المجتمع، وصيّته المؤثرة في أحد المؤتمرات الصحافية، التي رغب من خلالها في حض العامة على الحفاظ على أرواحهم، إذ أبعد الدكتور محمد ما أمامه من مستندات وأوراق تحوي إحصائيات وأرقاماً حول الوباء جانباً، وقال مواجهاً الكاميرا ومخاطباً المجتمع بنبرة لا تخلو من مشاعر الإحساس بالغير: «أنا أوجه هذه الرسالة، ليس كمتحدث رسمي لوزارة الصحة، أو طبيب، ولا ممثل للجهات المعنية المجتمعة في هذا الظرف الطارئ. أوجه هذه الرسالة كصديق، وابن، وأخ، وأب للجميع. أرجوكم ابقوا في منازلكم... ابتعدوا عن الأخطار... حافظوا على أنفسكم».
الدكتور محمد أسّس بموهبته الفطرية في الخطابة، نموذجاً لافتاً في الإعلام الصحي كسب احترام البسطاء قبل المثقفين والمتعلمين، بلغة بسيطة شفافة ومتخصصة. وفي فترة لا تحتمل أي اجتهاد أو سبق حول جائحة أودت بأرواح عشرات الألوف حول العالم، تضبط وسائل الإعلام صفحاتها وعدساتها مطلع مساء كل يوم، موعد المؤتمر الصحافي لعبد العالي، مصدر المعلومات الدقيقة والشفافة. وما زاد من بريق الظهور الماتع لمتحدث وزارة الصحة، استشعاره لمرحلة لا تتطلب التزيين أو التلوين للوضع، بقدر وضع النقاط على الحروف وذكر الحقائق، في وقت يحاول فيه بعض الدول تجميل وجه الأزمة بتزييف الأرقام ولوي عنق الحقيقة. الدور الذي قام به العبد العالي كان حاسماً في قطع الطريق أمام شائعات قد يطلقها جاهل خطأً، أو متربصاً بعمد، في ظل صراعات سياسية تشهدها المنطقة والعالم، لا تفرق بين معاناة إنسانية، وكسب مؤقت لا يسمن ولا يغني.
يُجدر أن يُختم بذكر أن الدكتور محمد العبد العالي متحدث وزارة الصحة السعودية، لم تدفعه ملكته الخطابية للغرور ومحاولة أداء دور المحامي عن منظمة يمثلها، بل ظهر، بمسؤولية، مقدّراً حرية الإعلام كسلطة رابعة في الانتقاد والتحقيق والاستفهام، ففتح قلبه قبل عقله يجيب هنا، ويؤكد هناك، ويعترف بالتقصير إن حصل.
محمد العبد العالي... جراح وُهب محبرة وقلماً
محمد العبد العالي... جراح وُهب محبرة وقلماً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة