الخوف من المجهول وراء ظاهرة «شراء الرعب» بعد انتشار «كورونا»

أدى انتشار فيروس كورونا، والإجراءات التي فرضتها الحكومات على المواطنين، ومنع التجوال، وغيره من الإجراءات التي تحد من حركة الناس، إلى حالة من الهلع والرعب في أوساط الناس في الكثير من الدول. ولذا بدأ الناس، خوفاً مما يحمله المستقبل، وعدم القدرة على الخروج من المنزل، في تخزين ما أمكن من المواد والمأكولات والأطعمة، وغيرها من المواد الضرورية، فكثرت التقارير التلفزيونية التي تتحدث عن طوابير الناس أمام المراكز التجارية الكبرى، واضطرت الحكومات في الكثير من البلدان إلى إصدار نداءات عدة إلى الناس، لعدم شراء أكثر مما يلزم، إذ إن هناك ما يكفي من الطعام لكل الناس في هذه الأزمة المخيفة.
إلا أن الناس لا يثقون بطبعهم بالتصريحات، ويفضلون أخذ الاحتياط، والحذر من الالتزام بالدعوات الرسمية والخيرية المتعلقة بهذا الموضوع. ولهذا بدأت تظهر الرفوف الفارغة في السوبرماركت والمحلات العادية، لأول مرة، بعد أن اشترى الناس ما طالت لأيديهم غير آبهين بغيرهم، وبالناس الذين لا يمكنهم الذهاب إلى السوبرماركت كالعجزة والموظفين الحكوميين وموظفي النظام الصحي كالأطباء والممرضين ومتطوعي الدفاع المدني وسائقي القطارات والحافلات العامة.
شكلت هذه الظاهرة أحد معالم أزمة فيروس كورونا في العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية، وبريطانيا، بالتحديد، التي تعتمد على المحلات التجارية الضخمة والشركات الكبرى في شبكة إمداداتها.
وأدى هذا الخوف والرعب إلى اختفاء الكثير من المواد الرئيسية اليومية كالحليب والخبز والجبن والبيض وقوارير الماء المعدنية والباستا من على الرفوف، وتلاها اختفاء الكثير من المواد الأخرى التي يمكن تخزينها كالطحين والحبوب والمعلبات على اختلاف أنواعها.
بعد ذلك، بدأت تختفي من على الرفوف مواد جانبية أخرى كالسكر والملح والعسل والمربى وبعض السكاكر وأنواع البسكويت.
وقد تركت مشاهد الرفوف الفارغة عند الناس رعباً حقيقياً لا يقل رعباً من الفيروس الذي يفتك بالناس، خصوصاً الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة. فلا أحد يريد أن يموت من الجوع، ولا أحد يريد أن يتكل على تطمينات الحكومات بأن هناك ما يكفي من الطعام للجميع.
لكن لماذا يقوم الناس بما يقومون به، ولماذا يخزنون الطعام بطريقة هستيرية، حتى ولم يكونوا يحتاجونه في الوقت الحاضر؟
يقول الخبراء في محاولة للإجابة على هذا السؤال، إن الخوف من المجهول وراء الظاهرة، وإنهم يؤمنون بأن الأحداث الدراماتيكية تحتاج إلى رد فعل دراماتيكي آخر، على الرغم من أن الرد الأفضل في مثل هذه الحالات عدم المبالغة في رد الفعل، ومواصلة العيش بشكل طبيعي، وكأن شيئاً لم يكن. ويقول الخبراء إن رد الفعل هذا قد يؤدي لنقصان أسوء في المواد الرئيسية والطعام.
ويقول البروفسور المساعد في السلوك الاقتصادي الجزئي في جامعة نيوكاسل في أستراليا ديفيد سافاج، الذي كتب عن الذهنية أو العقلية وراء التخزين في أزمة ما، في هذا الإطار، إنه «من المنطقي الاستعداد لشيء سيئ يبدو أنه من المحتمل أن يحدث، لكن ليس من المنطقي أن تشتري 500 علبة من الفاصوليا المطبوخة لما قد يكون لفترة عزل لمدة أسبوعين».
ويقول البروفسور في جامعة بريتيس كولومبيا، ستيفن تيلور، أيضاً، إن هناك فارقاً بين التحضير لحصول كارثة، والشراء المدفوع بالرعب. وأن ما يسميه بشراء الذعر يغذيه القلق والرغبة في الذهاب إلى أبعد الحدود لتهدئة تلك المخاوف، مثل الاصطفاف لساعات أو الشراء بأكثر مما تحتاجه. وتلعب وسائل الإعلام، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، كما يبدو، دوراً خطيراً في هذا الموضوع، وفي تعزيز الشعور بالندرة، حسب ما يقول تايلور، مما يزيد من تفاقم ظاهرة شراء الرعب، ولهذا تأثير كرة الثلج على زيادة الشعور بالإلحاح.
ويضيف برايين لوفكين في «وورك لايف»، أنه في حال حدوث إعصار أو فيضان تكون لدى معظم الناس فكرة عما يحتاجونه بالضبط في حال انقطاع التيار الكهربائي، أو نقص المياه، لكن بما أنه من غير الواضح في هذه المرحلة ما هي تأثيرات فيروس كورونا، فهناك الكثير من عدم اليقين الذي يدفع الناس باتجاه شراء الكثير من المواد وتخزينها.
ومع هذا، فقد كثرت المواقع على شبكة الإنترنت التي تعطي النصائح للمواطنين في هذا المضمار، وكيفية تخزين المواد، وطبيعة المواد التي يفترض أن يخزنوها.
وينصح موقع «مانيتوكس نيوز»، الناس، باتخاذ سبع خطوات وهي: التخطيط لما تحتاجه بالتحديد، وثانياً تخزين المياه، يفضل المياه المعدنية، وإذا تعذر، فمياه الشرب المحلية في غالونات خاصة. ثالثاً الشراء بكميات كبيرة، أو بالجملة، كما نقول، ويمكن فعل ذلك عبر المحلات التجارية الضخمة أو «أمازون» على الإنترنت. ورابعاً اختيار الأطعمة أو المواد المغذية والطيبة، مثل زبدة الفستق ورقائق القمح والمكسرات والفاكهة المجففة ومعلبات اللحوم على أنواعها مثل لحم البقر والديك الرومي والتونة والسلمون والدجاج، ومعلبات الخضار مثل البازلاء والجزر والفاصوليا، ومعلبات الشوربة، والملح والسكر والبهارات وبودرة الحليب.
خامساً، تقول مارلين لويس، في مقال خاص لها في هذا الموضوع، البقوليات والحبوب على أنواعها، وسادساً المواد الطازجة التي يمكن حفظها لوقت طويل مثل التفاح والحمضيات والقرع والبطاطا. وسابعاً تنصح لويس بالتأكد من صلاحية المعلبات، وعدم نسيان شراء فتاحة للعلب.
هذا ممكن بالطبع في حال توفر هذه المواد لتخزينها، أو تخزينها في وقت مبكر من الأزمات، لكن في حال طالت الأزمة لأكثر مما هو متوقع، يحذر الكثير من الخبراء من مخاطر فقدان الكثير من المواد الغذائية في بعض البلدان التي تعتمد على الخارج، كما هي الحال في بريطانيا.
ويؤكد العارفون في عالم الغذاء أن بريطانيا لا تنتج إلا 50 في المائة مما تحتاجه من الغذاء، وتعتمد في معظم خضارها وفاكهتها والكثير من المواد على من تستورده من الخارج، خصوصاً إسبانيا وهولندا وفرنسا والصين وتركيا وبعض الدول الأفريقية.
ولهذا يحذر تيم لانغ، الخبير البريطاني في سياسة الغذاء، قائلاً: «نحن في وضع خطير: الأزمة الأخرى - إمداداتنا الغذائية».