بعد فترة من السكون، سيطرت فيها أزمة فيروس «كورونا» على العالم، عاد النزاع بين مصر وإثيوبيا حيال «سد النهضة» من جديد للواجهة، عقب إعلان أديس أبابا عزمها البدء في ملء بحيرة السد، في غضون الأشهر القليلة المقبلة، ودون الاتفاق مع القاهرة، التي ردت باستئناف تحركاتها الدبلوماسية، على أمل الحصول على دعم دولي يحمي «حقوقها المائية».
وتعتزم مصر تكثيف تحركاتها الخارجية خلال الفترة القادمة، على مستويات متعددة، استكمالاً لجولات وزير الخارجية سامح شكري السابقة، لشرح الموقف المصري، وما بذلته على مدار الأعوام الماضية للتوصل إلى صيغة توافقية، في مقابل التعنت الإثيوبي، بحسب مصدر مصري تحدث أمس لـ«الشرق الأوسط».
وأجرى وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مطلع شهر مارس (آذار) الماضي، جولات مكوكية، عقب تعثر «مفاوضات واشنطن»، شملت 16 دولة عربية وأوروبية وأفريقية، قام خلالها بتسليم رسائل من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قادة تلك الدول بشأن توقف المفاوضات. سبقها إصدار قرار من جامعة الدول العربية «يدعم الموقف المصري ويحذر من المساس بأمنها المائي». واستكمالا لذلك التوجه سلم سفير مصر في نيروبي خالد الأبيض، وزيرة الخارجية الكينية رسالة موجهة من الرئيس السيسي إلى الرئيس الكيني أوهورو كينياتا حول تطورات ملف سد النهضة». وبحسب بيان الخارجية المصرية، مساء أول من أمس، فإن السفير الأبيض قدم شرحاً مفصلاً لـ«الجهود الحثيثة التي بذلتها مصر على مدار الأعوام الماضية من أجل التوصل إلى صيغة توافقية لاتفاق يراعي مصالح الأطراف الثلاثة المعنية، وهو ما تبلور مؤخراً في مسار واشنطن برعاية الولايات المتحدة الأميركية وبمشاركة البنك الدولي». ومن جانبها، أوضحت وزيرة الخارجية الكينية أنها ستقوم بإيصال الرسالة إلى الرئيس الكيني».
وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أول من أمس، ملء بحيرة السد «خلال موسم الأمطار المقبل»، والذي يبدأ في شهر يونيو (حزيران)، ويستمر حتى شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام، متجاهلا تحذيرات مصرية متكررة، برفض أي إجراءات أحادية من شأنها الإضرار بحصتها من المياه.
أعقب الإجراء الإثيوبي استنفار مصري، تبلور في اجتماع رفيع عقده الرئيس عبد الفتاح السيسي، برئيس وزرائه مصطفى مدبولي، ووزراء الدفاع والخارجية والموارد المائية، فضلا عن رئيس المخابرات العامة.
وبينما لم يتطرق البيان الختامي للاجتماع لأي مخرجات بخصوص قضية «سد النهضة»، قال بيان للمتحدث الرئاسي إنه جرى استعرض «الإجراءات التعزيزية الجاري اتخاذها في إطار تأمين حدود الدولة ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى مستجدات عدد من الملفات الخارجية في سياق التحديات التي تهدد أمن المنطقة».
وتصاعد النزاع بين البلدين، إثر رفض إثيوبيا حضور اجتماع في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي، مع مصر والسودان، بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبند الدولي، رغم الاتفاق على غالبية بنود الاتفاق، الذي وقعته مصر «منفردة» بالأحرف الأولى».
واكتملت أكثر من 72.4 في المائة من العملية الإنشائية لسد النهضة، وفقاً لوزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي، الذي أكد أن «الأعمال في المشروع جارية على قدم وساق»، وأنه بمجرد اكتماله سيكون سد النهضة الإثيوبي «أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في أفريقيا».
ويعتقد الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن «إثيوبيا تتعمد اتخاذ مواقف متشددة في محاولة لإظهار أن هناك تهديدا خارجيا يواجه الشعب الإثيوبي، ومحاولة خلق أزمة وهمية للتعبئة والمتاجرة بها في الداخل».
وحذر رسلان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من أن «هذا سلوك غير مسؤول ويعرض المنطقة للانزلاق نحو صراع مفتوح يؤثر على 250 مليون نسمة هم سكان الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان)، دون وجود داع لذلك، خاصة أن وثيقة اتفاق واشنطن، الذي رفضته إثيوبيا، يضمن توليد كل الطاقة التي تريدها».
لكن في المقابل، ترى إثيوبيا أحقيتها في الاستفادة من مواردها الطبيعية في ظل معاناتها من الفقر. يقول الباحث الإثيوبي حالي يحي، إن «سد النهضة تنموي واقتصادي مفيد للدول الثلاث... لكن مصر تتعامل بعقلية قديمة مضى عليها العهد (الاستعمار) لذلك عليهم الجلوس بحسن نية وروح تفاهم، لأن السد مشروع تنموي ولا يضر بالحصة المائية لمصر ولا شعبها».
ويرى الباحث في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الإثيوبية أمس أن استقواء مصر بجامعة الدول العربية «كانت خطوة خاطئة، وكان عليها أن تلجأ للاتحاد الأفريقي»، مؤكدا أن التحركات الأخيرة لمصر «كانت نتيجتها عكسية تماماً وزاد الموقف الإثيوبي قوة وصرامة».
مصر تستأنف تحركاتها الدبلوماسية بمواجهة إثيوبيا
النزاع يعود للواجهة بعد سيطرة أزمة «كورونا»
مصر تستأنف تحركاتها الدبلوماسية بمواجهة إثيوبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة