التباعد الاجتماعي لتجنب «كورونا» يهدد صحتك النفسية... فكيف تحميها؟

مدرب لياقة بدنية فرنسي يعطي درساً من الشارع لكبار السن الموجودين في الشرفات في بوردو (أ.ف.ب)
مدرب لياقة بدنية فرنسي يعطي درساً من الشارع لكبار السن الموجودين في الشرفات في بوردو (أ.ف.ب)
TT

التباعد الاجتماعي لتجنب «كورونا» يهدد صحتك النفسية... فكيف تحميها؟

مدرب لياقة بدنية فرنسي يعطي درساً من الشارع لكبار السن الموجودين في الشرفات في بوردو (أ.ف.ب)
مدرب لياقة بدنية فرنسي يعطي درساً من الشارع لكبار السن الموجودين في الشرفات في بوردو (أ.ف.ب)

في ظل تفشي فيروس «كورونا المستجد»، طالبت أغلب دول العالم سكانها بتطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي (أي تجنب الاتصال غير الضروري مع الآخرين) لتقليل فرص نقل العدوى، وبالتالي محاولة السيطرة على أعداد المصابين وكبح جماح انتشار الفيروس.
وإذا كان للتباعد الاجتماعي قد أثّر إيجابياً على جانب الصحة البدنية في ظل الأزمة، فإنه يأتي أيضاً مع بعض التداعيات النفسية السلبية خصوصاً إذا طال أمد هذه الإجراءات، حسبما نقلت مجلة «أخبار العلوم» الأميركية.
ويُطبق التباعد الاجتماعي بالبقاء في المنزل والعمل منه، وتجنب كل التنقلات غير الضرورية، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، وتجنب الاجتماع بالأصدقاء والأسرة قدر الإمكان. ويقول الطبيب النفسي وخبير الصحة العقلية جوشوا مورجانشتين: «بالنسبة لبعض الناس، فإن الافتقار إلى الترابط الاجتماعي يبدو مؤثراً مثل عدم تناول الطعام».
ورغم أن الأبحاث حول التأثيرات النفسية السلبية للتباعد الاجتماعي خلال الأوبئة محدودة، فإن بعض الباحثين قيّموا 24 دراسة تبحث في النتائج النفسية للأشخاص الذين تم عزلهم خلال تفشي أمراض مثل «سارس» و«إنفلونزا الخنازير» و«إيبولا» وغيرها من الأمراض المعدية منذ أوائل القرن الحادي والعشرين.
وجد الباحثون أن العديد من الأفراد المعزولين عانوا من مشكلات الصحة العقلية على المدى القصير والطويل أيضاً، بما في ذلك الإجهاد والأرق والقلق والاكتئاب والإرهاق العاطفي وحتى تعاطي المخدرات.
بحثت دراسة أخرى في آثار تفشي «سارس» عام 2003 على 549 عاملاً في مستشفى ببكين، ووجدت أن أولئك الذين تم عزلهم أو عملوا في ظروف عالية الخطورة كانت لهم مستويات أعلى من غيرهم في تعاطي الكحول بعد ثلاث سنوات من انتهاء العزل.
وهناك بعض العوامل التي تزيد من خطورة التباعد الاجتماعي مثل: الحجر الصحي لمدة أطول من 10 أيام، وقلة المعلومات حول الأساس المنطقي لعملية لحجر الصحي، وعدم الوصول إلى الإمدادات الضرورية وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية. ويقول الطبيب النفسي نيل غرينبرغ إن التخفيف من هذه المخاطر يمكن أن يقلل من احتمالية حدوث تأثيرات على الصحة النفسية والعقلية.
أكثر ما يقلق الطبيب النفسي دامير هيرموفيك هو احتمال تحول التباعد الاجتماعي إلى إجراءات طويلة الأمد، حيث يرى أن «المشكلات الصحية المرتبطة بالعزلة الاجتماعية تميل إلى الظهور عندما يستمر الوضع أسابيع»، مشيراً إلى أن عزل الناس بعضهم عن بعض لأشهر يعني أن الآثار الثانوية للوباء، مثل الركود والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية، يمكن أن تؤدي إلى تحديات صحية عقلية غير متوقعة وواسعة النطاق.
ويقول هيرموفيك، الذي شارك في تحرير كتاب عن الطب النفسي في فترة الأوبئة: «آمل بصدق ألا نصل إلى هذه المرحلة».
بحث آخر تناول أثر الوحدة والعزلة على الصحة العامة، وبتحليل 70 دراسة شملت أكثر من 3.4 مليون مشارك لمدة 7 سنوات، وجد الفريق أن احتمالية الوفاة خلال فترة الدراسة زادت بنسبة 26% لأولئك الذين أفادوا بشعورهم بالوحدة، و29% لأولئك الذين كانوا معزولين اجتماعياً (لديهم اتصالات اجتماعية قليلة)، و32% لمن يعيشون بمفردهم.
ويرى الطبيب النفسي دامير هيرموفيك، بعض الأمل، حيث سيظل بعض الأشخاص على اتصال من خلال المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية أو الانضمام إلى مجتمع في الإنترنت. ويقول: «نحن نعيش في عصر قدرات اتصالية غير مسبوقة».
ويمكن أن تساعد قدرات الاتصال هذه على توفير الرعاية الطبية والنفسية من بعيد. وتشير الأبحاث إلى أن خدمات الرعاية الصحية عن بُعد تعمل على التخفيف من الشعور بالوحدة أو مساعدة أولئك الذين يعيشون بمفردهم أو بعيداً عن المراكز الصحية.
عالم الأعصاب جيمس كوان، يرى أن التكنولوجيا الحديثة ليست بديلاً عن اللمسة الإنسانية، مثل الإمساك باليدين أو المعانقة أو التدليك، التي تشير الدراسات إلى أنها يمكن أن تؤثر على الصحة، حيث تعمل على خفض ضغط الدم وتقليل شدة الأعراض الناتجة عن نزلات البرد.
ويقول كوان: «يمنع العديد من المستشفيات الزيارات مع انتشار الفيروس وهذا يقلل من اللمسة عندما يحتاج إليها الناس بشدة»، موضحاً أن «التمسك باليد يمكن أن يقلل الألم الجسدي». ويضيف: «حتى اللمسة التي تأتي من عامل في المستشفى يرتدي معدات واقية أفضل من لا شيء».


مقالات ذات صلة

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

صحتك ارتفاع ضغط الدم تحدٍّ كبير للصحة العامة (رويترز)

10 علامات تحذيرية من ارتفاع ضغط الدم... وكيفية التعامل معها

بعض العلامات التحذيرية التي تنذر بارتفاع ضغط الدم، وما يمكنك القيام به لتقليل المخاطر:

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك المشي اليومي يسهم في تعزيز الصحة ودعم الحالة النفسية (رويترز)

6 فوائد صحية للمشي اليومي

أكدت كثير من الدراسات أهمية المشي اليومي في تعزيز الصحة، ودعم الحالتين النفسية والجسدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك زيوت البذور يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون (رويترز)

للوقاية من سرطان القولون... تجنب استخدام هذه الزيوت في طهي الطعام

حذَّرت دراسة من أن زيوت البذور -وهي زيوت نباتية تستخدم في طهي الطعام، مثل زيوت عباد الشمس والذرة وفول الصويا- يمكن أن تتسبب في إصابة الأشخاص بسرطان القولون.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».