{الشرق الأوسط} في مهرجان القاهرة السينمائي (2): أفلام عن الواقع الاجتماعي وأخرى من المسرح والأدب

تأجيل فيلم الافتتاح لليوم الثاني والاكتفاء بالمراسم

لقطة من «من خلال عدسة داكنة»
لقطة من «من خلال عدسة داكنة»
TT

{الشرق الأوسط} في مهرجان القاهرة السينمائي (2): أفلام عن الواقع الاجتماعي وأخرى من المسرح والأدب

لقطة من «من خلال عدسة داكنة»
لقطة من «من خلال عدسة داكنة»

في أحاديثه الصحافية نقل رئيس مهرجان القاهرة السينمائي سمير فريد للقارئ صورًا وافية حول التغييرات التي كان لا بد منها. بخبرته في هذا المجال وتبعًا لتراكمات سنوات المهنة، يعرف الرئيس، وهو ناقد سينمائي مشهور، الكثير ويحاول تطبيق ما يصلح منه لهذا المهرجان.
بالطبع على الآخرين من المسؤولين والعاملين المشاركة للمساعدة في نقل مهرجان يولد من جديد، كما أجمعت المقالات الصحافية هنا، من حال قديم مترهل إلى بداية واثبة ومتجددة النشاط. وإذ انطلق المهرجان يوم الأحد ليستمر حتى الثامن عشر منه، فإن الشعور المتسلل إلى الجميع، مقيمين وضيوفا، أن عليهم مؤازرة هذه الخطوة بكل ما أوتوا من جهد وتأييد.
يوم الافتتاح كان مختلفًا. كالعادة في مثل هذه المناسبات، استمر لنحو ساعتين وألقيت فيه الكلمات وصعد إلى مسرحه بعض الضيوف وتم إهداء التكريم لبعض الأوجه السينمائية التي قرر المهرجان الاحتفاء بها هذا العام.
الاختلاف هو أن الحفل انحصر في هذه المراسم ليتم تأجيل الفيلم الذي من المفترض أن يلي مباشرة الحفل، وهو «الجرح» لفاتح أكين، إلى اليوم التالي. ويفصح الرئيس عن السبب بقوله: «هذا احترام للفيلم نفسه لأن المصريين اعتادوا على عدم مشاهدة فيلم الافتتاح».
طبعًا هو على حق في أن المشاهدين، مصريين وغير مصريين، عادة ما يتركون القاعة بعدما ينتهي التصفيق للواقفين على المنصّة. لا يمكن فهم الدافع إلا من حيث قلة إدراك هؤلاء لواجبات تكاد تكون دستورية في عرف المهرجانات. هذا العزوف عن البقاء جلوسًا لمشاهدة فيلم الافتتاح (وفيلم الاختتام أيضًا) كان دائمًا ما يتكرر في المهرجانات العربية كافة ومنذ عقود طويلة، ولا يزال يحدث، ولو بنسبة أقل، في بعضها اليوم.
ربما ليس هناك من سبيل آخر. قد يحتاج الحفل إلى فاصل يخرج به المدعوون إلى استراحة لربع ساعة ريثما يراجع البعض نفسه ويقرر أنه يريد البقاء لمشاهدة الفيلم. أو ربما لا فائدة من هذا الحل أيضًا. ما قرره المهرجان وإن لم يكن مثاليًّا، هو اضطرار لا بد منه لحل إشكال لا يستطيع التحكم فيه، وهو أفضل ما يمكن فعله لمنح الفيلم التقدير الذي يستحق.

* رسائل اجتماعية
* لكن نتيجة ذلك، الفيلم يأتي بمعية أفلام أخرى. تميّزه هو إعلامي، إذ تناولته الصحف في عناوينها. وحدها «الشرق الأوسط» تناولته تحليلاً، لكن أخباره وبعض المعلومات عنه انتشرت في الصحف طوال الأسبوع السابق للمهرجان وفي يومه الأول.
تم عرض «الجرح» في الساعة الثامنة مساءً، والتأجيل كان في محلّه نظرًا لأن الصالة الكبيرة في دار الأوبرا حوت أولئك الذين يهتمّون فعلاً باستغلال المناسبة المتاحة للتعرّف على الفيلم لذاته. لكن قبله، وخلال ساعات النهار، تم عرض بضعة أفلام مهمّة بدءًا بفيلم ناجح أبو نوّار «ذيب» في نطاق «آفاق السينما العربية»، وهو الفيلم الأول للمخرج، يروي فيه حكاية الصبي، واسمه ذيب، الذي يشارك شقيقه الأكبر رحلة لقيادة بريطاني ومساعده العربي في الصحراء صوب مكتب للحامية البريطانية، وذلك في فترة الاحتلال العثماني. على الطريق تعترض عصابة من قطاع الطرق القافلة الصغيرة، والصبي هو أحد اثنين بقيا على قيد الحياة، إلى جانب رئيس العصابة، وذلك بعدما قتل الباقون بعضهم بعضًا.
كل ذلك بسبب صندوق يحتوي على آلة تفجير أرادت العصابة السطو عليها وبيعها عوض قيام المجنّد البريطاني تسليمها. اليوم الاثنين يتم عرض فيلم تسجيلي أميركي بعنوان «من خلال عدسة داكنة» قام بتحقيقه توماس ألن هاريس وسبق لثلاثة مهرجانات أميركية أن عرضته، وهي «صندانس» و«سانتا باربرا» و«نيويورك»، كذلك عرضه مهرجان برلين، ويسجل الفيلم عرضه العربي الأول هنا.
هذا موضوع جديد غير مطروق حول صورة الأفرو - أميركي الاجتماعية عبر التاريخ من أيام العبودية والرق قبل الحرب الأهلية الأميركية إلى اليوم. الجديد فيه أن هذا السرد يتم عبر البحث عن فناني الكاميرا الفوتوغرافية الأفرو - أميركيين. قليل هو ما نعرفه عن مئات المصوّرين السود الذين برعوا في استلهام تاريخ الوجود الأفرو - أميركي في الولايات المتحدة، وبل حتى أولئك الذين لم يتعاطوا كثيرًا في هذا الشأن مفضّلين ممارسة هوايتهم واحترافهم بمعزل عن الرسائل الاجتماعية والتعبيرية الأخرى. في الوقت ذاته هو عن الأميركي الأسود داخل الصورة الداكنة.
يطالعنا المخرج بعشرات الصور التي كان موضوعها العبيد، وكل واحدة تتحدث بإسهاب حول الموضوع العنصري وبربرية الإنسان الأبيض في هذا المجال. يُجري الفيلم، إلى جانب عرضه للصور، مقابلات مع عشرات المؤرخين والمصوّرين، ناسجًا ضمن ذلك بعضا من التاريخ الشخصي للمخرج (أفرو - أميركي بدوره). لكن التعليق الذي يوفّره المخرج بصوته يبقى في حدود أسئلة مطروحة ومتوقّعة من دون إجابات شافية. إنها أسئلة محقّة أيضا (من نوع: «ما الذي تخفيه هذه الصور؟»، و«هل فقدنا هويتنا؟»، و«لماذا يقتل بعضنا بعضا»؟)، لكن الفيلم يسبر دائمًا فقرات جديدة من دون أن يخص نفسه بجواب على ما يطرحه.
وعلى كثرة المعروض، الذي يبدأ شيّقًا ثم يعاني من التكرار ولو أنه لا يفقد الإثارة، إلا أن النص يبقى أضعف من الصورة المعروضة. وهي بالغة الحدّة عندما تنقل صورًا للحقبة الرهيبة من الظلم، ليس فقط أيام العبودية، بل ما بعدها أيضًا.

* شلندروف
* وإذ يهدي المهرجان جائزة «نجيب محفوظ» للمخرج الألماني فولكر شلندروف، تكريمًا لإنجازاته السينمائية، يعرض له فيلمه الأخير «دبلوماسية» الذي كان شارك في مهرجان «كان» هذا العام.
الفيلم مأخوذ عن رواية لسيريل جيلي الذي لم يكتب أعمالاً كثيرة ومسرحياته أقل عددًا من مؤلفاته الروائية، لكنه صاغ سنة 2011 مسرحية تم تقديمها على مسرح مادلان الباريسي الشهير بعنوان «دبلوماسية» وحققت نجاحًا جيّدًا جعل الكاتب المولود سنة 1968 على ألسنة أهل الفن والثقافة في البلاد لبعض الوقت.
يحافظ شلندروف على الصيغة المسرحية حين يقدّم حكاية الجنرال الألماني الذي أعد العدة لتدمير باريس مع اقتراب القوّات الحليفة منها خلال الحرب العالمية الثانية. نسمع دوي المدافع يتردد ونسمعه وهو يكرر نيّته تدمير باريس وأوامره للحامية التي تدافع عن المدينة للاستعداد لتفجير يتسبب في فيضان نهر السين وتدمير بعض الجسور التي تعبره. الخبراء التقنيون العسكريون أكدوا له أن أحياء الأوبرا والسان ميشيل والكارتيه لاتان والنواحي الشرقية كلها من باريس ستصبح تحت الماء. هو راضٍ عن ذلك ويعد العدّة لكي يغادر المدينة قبل فوات الأوان. دوسولييه يؤدي شخصية القنصل الفرنسي الذي يعرف الجنرال الذي يأتيه بغتة في تلك الساعات الأخيرة ليطلب منه إعفاء المدينة من الدمار. الرجلان لا يتفقان. واحد يريد تجنيب البلاد تدمير عاصمتها، والثاني يريد الانتقام من فرنسا والحلفاء كونها حربا مفتوحة، ويحق له ذلك بصرف النظر عن الثمن الباهظ من الأرواح والممتلكات. إلى ذلك، هذا أمر هتلري لا مناص عنه. أكثر من ذلك، هناك تعهد مكتوب يعرّض عائلته للموت أو السجن في المعسكرات إذا خالف الأوامر.
الفيلم، كالمسرحية، سجال مواقف بين الاثنين. شلندروف يخرج عن نطاق الخشبة المحدودة عبر الوسيلتين المتاحتين أمام المخرجين الجيدين أمثاله: الانتقال، ولو مرّات معدودات، إلى خارج غرفة الجنرال، وتقطيع المشاهد على طاولة المونتاج بما يتفق وأبجدية قواعد العمل السينمائي.

* و... ألان رينيه
* أيضًا، من بين ما برز من أفلام اليوم الأول، فنيًّا على الأقل، آخر أعمال المخرج ألان رينيه قبل وفاته قبل أشهر قليلة. إنه «حياة رايلي» الذي هو ثالث اقتباس له عن مسرحية للإنجليزية ألان أيكبورن بعد «تدخين / لا تدخين» (1993) و«مخاوف خاصة في أماكن عامّة» (2006)، كلاهما من أفضل أعمال رينيه. «حياة رايلي» لا يقل رونقًا. حكايته بسيطة الفحوى: رايلي كاتب مسرحي لديه ستّة أشهر ليعيش بعدما تم اكتشاف إصابته بالسرطان. ثلاث ممثلات تجاوزن منتصف العمر يردن الارتباط به اجتماعيًّا وربما عاطفيًّا إذا ما كان الأمر متاحًا. كل واحدة تعيش مع رجلها في الوقت ذاته. مجال الفيلم هو اللقاءات التي تقع بين النساء المتصادقات حيث يتبادلن الحديث الودي منه والعدائي، وأيضا بين كل واحدة والرجل أو الزوج الذي تعيش معه والذي يشعر كل منهم بأن الأرض تميد تحت قدميه عندما تفصح كل واحدة عن رغبتها في قضاء العطلة مع رايلي. إنها عطلته الأخيرة، وكل واحدة منهن تعتبر نفسها المدعوّة لتمضية العطلة معه... كل هذا ونحن لا نرى رايلي مطلقًا في الفيلم. لكن في الوقت الذي حشد فيه المهرجان 155 فيلما بعضها من تحف السينما العربية والعالمية، القديمة والحديثة، إلا أن بعض المساعي لم تثمر عن نجاح مماثل. في سياق الرغبة الحثيثة للاحتفاء بعدد كبير من الشخصيات (نور الدين الصايل وفولكر شلندروف والمخرج الراحل هنري بركات من بين آخرين) لم يستطع المهرجان ضم وزير الثقافة الفرنسي الأسبق جاك لانغ إلى جملة المحتفى بهم كما كان يرغب. صحيفة «أخبار اليوم» ربما كانت السبّاقة في اعتراضها على ذلك الاحتفاء بعدما نبشت أن الوزير المذكور ليس فقط مثليًّا، بل كان بطلاً لفضيحة أخلاقية تتناول قيامه وآخرين باستغلال القاصرين من الأولاد في هذا النشاط. هي تهمة لاكتها الصحف الفرنسية حسب أهوائها السياسية فدافع عنه أهل اليسار وسدد إليه اليمين الفرنسي ضربات موجعة وإن لم يتم بعد البت في هذه التهمة.
الغالب أن سمير فريد أراد «تكريم» الوزير الأسبق من باب الصداقة. ربما فقط في مهرجاناتنا العربية قد نختار شخصيات غير سياسية للاحتفاء بها. لا نسمع (أو نقرأ) أن مهرجانًا سينمائيًّا احتفى بوزير أو مسؤول رسمي - ليس على هذا النحو، لكن إذ قرر الرئيس ذلك، واجه صعوبة تجاوز ما أثارته الصحف المصرية ووصله نبأ، عن طريق السفارة الفرنسية في القاهرة، بإلغاء جاك لانغ زيارته.

* في هذا الوقت... في مكان آخر
- فيلم «إيدا» للبولندي بافل بافليكوفسكي ساد ترشيحات «جوائز الفيلم الأوروبي» السنوية التي أعلنت قبل أيام، فهو مرشّح لجوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو وأفضل تمثيل نسائي (لممثلتيه أغاتا كوليشا وأغاتا تريبوشفسكا). يتناول الفيلم حكاية امرأة شابّة تعيش في الكنيسة منذ طفولتها وتستعد لكي تصبح راهبة، تكتشف أنها في الحقيقة يهودية تركتها والدتها عند باب الدير لكي تنقذها من براثن النازيين.
- في حاضرة مهرجان «أميركان فيلم إنستتيوت» في لوس أنجليس قبل يومين قدّم المخرج الأميركي المرموق بول توماس أندرسون (من أعماله «ذا ماستر» و«سيكون هناك دم») فيلمه الجديد «رذيلة متأصلة» (Inherent Vice) الذي يعاود فيه الالتقاء مع ممثله المفضّل واكين فينكس. الفيلم اقتباس عن كتاب وضعه توماس بينشون حول ثقافة الحياة الشبابية في السبعينات. أيضا من بين المشاركين في الفيلم جوش برولين («لا بلد للمسنين»).
- المخرج (الآيرلندي) بول غرينغراس سيعود إلى رحى أفلام سلسلة «بورن» (Bourne) الجاسوسية التي برع فيها كما أعلن الممثل مات دامون الذي لعب بطولة الأجزاء الثلاثة الأولى (في حين مثّل جيريمي رَنر جزءًا رابعًا كان بمثابة اشتقاق). دامون يؤكد أن الفيلم الجديد سيكون حاضرًا للعرض سنة 2016.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».