مشروع إعلامي يعتمد على الصحافيين المتعاونين لزيادة فرص الإبداع

تقف وراءه جيل أبرامسون.. والتقرير الواحد بمائة ألف دولار؟!

جيل أبرامسون رئيسة التحرير التنفيذية  السابقة في صحيفة {نيويورك تايمز}
جيل أبرامسون رئيسة التحرير التنفيذية السابقة في صحيفة {نيويورك تايمز}
TT

مشروع إعلامي يعتمد على الصحافيين المتعاونين لزيادة فرص الإبداع

جيل أبرامسون رئيسة التحرير التنفيذية  السابقة في صحيفة {نيويورك تايمز}
جيل أبرامسون رئيسة التحرير التنفيذية السابقة في صحيفة {نيويورك تايمز}

أعلنت جيل أبرامسون، رئيسة التحرير التنفيذي السابقة في صحيفة «نيويورك تايمز»، عن مشروع إعلامي جديد يعتمد كثيرا على الصحافيين المتعاونين. وقالت الأسبوع الماضي, إنها تفعل ذلك لأكثر من سبب:
أولا: قلة دخول الصحافيين المتعاونين.
ثانيا: دور الإنترنت في تسهيل العمل الصحافي، وخاصة بالنسبة للمتعاونين.
ثالثا: زيادة فرص الإبداع وسط الصحافيين الذين لا يلتزمون بمكاتب وأنظمة بيروقراطية.
رابعا: انخفاض توزيع الصحف الورقية، وبالتالي انخفاض فرص الصحافيين المتفرغين، ناهيك عن المتعاونين.
قالت إنها ستبدأ ببرنامج كتابة تقارير طويلة جدا (أطول من تقرير في «مجلة نيويورك تايمز»، ومتوسط طوله 20 ألف كلمة، وأقل من كتاب صغير، ومتوسط طوله 50 ألف كلمة). وإنها ستمنح الصحافي الذي سينشر تقريره مائة ألف دولار. وإن ذلك سيكون كل شهر. وسارع صحافيون (يبدو أنهم متفرغون)، وعلقوا؛ كتب واحد: «لا بأس من التطور من 40 ألف دولار سنويا (3 آلاف ونصف ألف دولار شهريا) إلى مائة ألف دولار (ربما مرة كل عام). وسأل ثانٍ: «هل هذا حل أو خيال؟»، وسخر ثالث: «سيكتب المتعاونون من طائراتهم الخاصة، ويخوتهم الخاصة». وقال رابع: «سيمتلئ صندوق بريدها بعشرات التقارير. أحس أنها ستمنح هذا المبلغ الكبير لمتعاونين تعرفهم مسبقا».
هكذا، كانت أكثر التعليقات فيها سخرية أو شبه سخرية. ويبدو أن الصحافيين المتعاونين لا يصدقون الحصول على مائة ألف دولار مقابل تقرير واحد طويل. أعلنت جيل أبرامسون مشروعها الجديد في مؤتمر، في الأسبوع الماضي، عن «النساء والصحافة». ومثل «عطفها» على الصحافيين المتفرغين، أعلنت «عطفها» على الصحافيات (بسبب «عدم مساواتهن» مع الصحافيين الرجال).
وقالت: «لا بد أن يكون التقرير عملاقا مثل (وييل)؛ الحوت المحيطي العملاق». وقالت إن المشروع جزء من شركة إعلامية تؤسسها في الوقت الحاضر مع ستيفن بريل، مؤسس وصاحب قناة «تي في كورت» (متخصصة في المحاكم والجرائم والعقوبات). كان بريل «فري لانسار» (صحافيا متعاونا)، وعانى من دخل قليل، وغير منتظم. ثم فكر في قناة تلفزيونية عن المحاكم، ثم نفذها، وصار الآن مليونيرا، ومشهورا، ويظل يكتب تقارير صحافية، وكأنه «متعاون». وأخيرا، كتب تقريرا نشرته مجلة «تايم»، ويتكون من 26 ألف كلمة. وكان ذلك أطول تقرير تنشره المجلة في تاريخها الطويل. وربما نجاح هذا التقرير الطويل جدا هو الذي جعله، مع أبرامسون، يبدآن مشروع التقارير الطويلة جدا.
في المؤتمر الذي تحدثت فيه عن مشروعها الجديد، تحدثت أبرامسون ليس فقط عن الظلم الذي يقع على الصحافيات، ولكن، أيضا، عن الظلم الذي يقع كل الصحافيين. وقالت إنهم في المرتبة الـ20 في قائمة المرتبات المهنية، رغم أنهم في المرتبة الخامسة في قائمة كثرة ساعات العمل، والالتزام بمواعيد محددة (وبالتالي، في قائمة التوتر والإجهاد النفسي). وتؤيدها الأرقام، فحسب مجلة «فوربس» لرجال الأعمال، أحسن 7 وظائف من أحسن 10 وظائف في الولايات المتحدة هي في مجال الطب والعلوم والتكنولوجيا. مثلا:
المهنة: متوسط الدخل الشهري بآلاف الدولارات:
الجراح الممتاز: 20.
الطبيب: 10.
المحامي: 10.
خريج الجامعة في الكومبيوتر: 8 آلاف.
وأقل وظائف هي التي متوسط راتبها شهريا بين ألفين و3 آلاف دولار. مثلا: نادل، وغاسل صحون في مطعم، وجزار. (أيضا، السكرتيرات الممتازات). وحسب موقع «باي سكيل» (مقياس الرواتب)، يبلغ متوسط دخل الصحافي 4 آلاف دولار في الشهر. ولهذا، هو أعلى راتبا من النادل والسكرتيرة الممتازة. وأقل راتبا من خريج الجامعة في الكومبيوتر.
وبينما يبلغ متوسط راتب خريج كلية الصحافة 3 آلاف ونصف الألف شهريا، يبلغ متوسط راتب خريج كلية علمية 5 آلاف دولار شهريا.
لكن، تعتمد رواتب الصحافيين على عدة عوامل، منها: إعلام تلفزيوني، أو ورقي. صحيفة مشهورة، أو غير مشهورة. مدينة كبيرة أو صغيرة. في العام الماضي، أسست شركة «أميركان أون لاين» صحيفة في الإنترنت، هي «ديلي بولتيكز» (السياسة اليومية)، ودفعت لبعض الصحافيين 9 آلاف دولار في الشهر. ومتوسط راتب الصحافي في شركة «غانيت» 4 آلاف دولار شهريا، و7 آلاف في صحيفة «يو إس إيه توداي»، و8 آلاف في شركة «رويترز طومسون». و9 آلاف في شركة «بلومبيرغ» الإعلامية.
في الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام، المتوسط 3 آلاف دولار شهريا. لكن، تنخفض بنسبة النصف تقريبا تكاليف المعيشة عنها في الولايات المتحدة.
هؤلاء هم الصحافيون المتفرغون. وبالنسبة للمتعاونين، أيضا، تتراوح الدخول حسب نوع المهنة، وحجم المدينة، وشهرة الصحيفة، وشهرة الشخص نفسه. ويحصل بعضهم على دخولهم حسب القطعة، وبعضهم حسب الساعة، وبعضهم يوميا.
وبينما كان الصحافيون والكتاب أشهر المتعاونين في الماضي، زادت أخيرا نسبة المتعاونين في كل النشاطات الاقتصادية. وذلك بسبب المشاكل الاقتصادية، وأيضا، بسبب اتجاه عام في الشركات لتخفيض نسبة المتفرغين، وذلك لتخفيض تكاليف الرواتب العالية، والمعاشات، والبدلات.
لهذا، حسب أرقام اتحاد المتعاونين الأميركيين، يشكل المتعاونون أكثر من نصف عدد كل العاملين في الشركات والمؤسسات. هذا بالإضافة إلى أن الإنترنت سهل على كثير من الناس الذين عندهم وقت فراغ، وخاصة النساء، العمل بطريقة التعاون، وليس التفرغ.
لهذا، قال تقرير كتبه اتحاد المتعاونين الأميركيين، إن لهذا التعاون فوائد بالنسبة للمتعاونين. منها:
أولا: الاستقلالية، وعدم التقيد بقوانين مكتبية.
ثانيا: موازنة أفضل بين العمل والمتعة، وذلك بالتخلص من مشاكل مثل المواصلات، والازدحام، والتوتر.
ثالثا: زيادة فرص الإبداع. هنا، أشار التقرير إلى الصحافيين المتعاونين. وقال إنهم، بابتعادهم عن المكاتب والرؤساء، يبدعون أكثر. مشكلة واحدة رئيسية: قالت أبرامسون إنها تبحث عن مستثمرين يستثمرون في هذا المشروع الجديد. ولا بد أن المستثمرين يريدون التأكد من نجاح استثماراتهم (ومن قدرة المشروع الجديد على جلب إعلانات). وهكذا مرة أخرى، يعتمد الإبداع الصحافي على مزاج المستثمرين. وربما لهذا، شكك كثير من الصحافيين (متفرغين ومتعاونين) في «عطف» جيل أبرامسون.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.