لويزة حنّون «تشافيز الجزائر»... تخوض معركة قضائية بعد تبرئتها من تهمة «التآمر على الجيش»

زعيمة اليسار التروتسكي في دائرة الضوء مجدداً

لويزة حنّون «تشافيز الجزائر»...  تخوض معركة قضائية  بعد تبرئتها  من تهمة «التآمر على الجيش»
TT

لويزة حنّون «تشافيز الجزائر»... تخوض معركة قضائية بعد تبرئتها من تهمة «التآمر على الجيش»

لويزة حنّون «تشافيز الجزائر»...  تخوض معركة قضائية  بعد تبرئتها  من تهمة «التآمر على الجيش»

بمجرَد أن غادرت السجن ليل العاشر فبراير (شباط) 2020، توجهت لويزة حنّون، زعيمة اليسار التروتسكي في الجزائر، إلى مكتبها بمقر «حزب العمال» الذي ترأسه، وبدأت فوراً في استقبال الاتصالات الهاتفية المعبَرة عن التهاني. وكان أصحاب هذه الاتصالات - بطبيعة الحال - من كل بلدان العالم، وبخاصة من أحزاب اليسار الاشتراكي، والتنظيمات المؤمنة بـ«الثورة العمالية في مواجهة الإمبريالية».
ولقد تساءلت حنّون خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، في اليوم الموالي للإفراج عنها: «لماذا لا نغيَر اسم الحراك الشعبي... فنتفق مثلاً على اسم الثورة الشعبية؟ أليس ما تعيشه البلاد منذ 22 فبراير 2019 ثورة ضد الاستبداد والفساد؟». وكان هذا إيذاناً بعودتها القوية إلى السياسة، وإلى التفاعل مع الأحداث والتعليق عليها، وعقد المؤتمرات الصحافية بخصوص أي قضية تراها جديرة بتسجيل موقف حولها.

توقفت لويزة حنّون عن النشاط السياسي لمدة 9 أشهر، كانت هي مدة إدانتها بالسجن من طرف «مجلس الاستئناف العسكري». ويذكر أن المحكمة العسكرية الابتدائية كانت قد أدانتها في سبتمبر (أيلول) الماضي بـ15 سنة سجناً، برفقة مديري جهاز الاستخبارات العسكرية سابقاً محمد مدين «الجنرال توفيق» وبشير طرطاق، والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وعُرفت القضية بـ«التآمر على الدولة والجيش»، نسبة إلى التهم التي وجهت للأربعة.
حنّون (66 سنة) تقول حول ما حدث، إنها «هي من تعرضت للتآمر»، من دون أن تشرح مَن تقصد. ومن ثم، أعلنت عن خوض معركة قضائية بـ«المحكمة العليا»، بإيداع طعن بالنقض بخصوص تهمة «عدم التبليغ عن جريمة» التي على أساسها أدانها القضاء بثلاث سنوات سجناً، 9 أشهر منها مع التنفيذ. في حين أُسقطت تهمتا «التآمر على سلطة الجيش والدولة».
ويقول جلول جودي، ساعد حنّون الأيمن في الحزب، إنها «دفعت ثمن مواقفها الجريئة على مَر الـ20 سنة الماضية، خاصة وقوفها ضد الأوليغارشيا التي يمثلها رجال أعمال ضالعون في الفساد، كما أنها وقفت ضد سياسات وزراء نهبوا ثروات البلاد وباعوا خيراتها للشركات متعددة الجنسيات بثمن بخس».
وحول موضوع سجنها، يذكر الناشط السياسي والباحث في التاريخ، محمد أرزقي فراد: «من المؤكد أن السيدة لويزة حنّون امضت 9 أشهر في السحن بصفتها سجينة سياسية؛ فهي رئيسة حزب سياسيّ، ونائبة في البرلمان لسنوات عديدة، ومعروفة بدفاعها الشّرس عن العدالة الاجتماعية، وعن القطاع الاقتصادي العمومي الاستراتيجي. ثم إنها معروفة بمواقفها الرافضة للتدخل الأجنبي. ولقد تعرضت للسجن بسبب مواقفها السياسية أكثر من مرّة، وبتهم غير مؤكدة بالوقائع، بجانب أن ملفها القضائي كان فارغاً. وبالتالي، فهي بريئة من التهمة التي وجّهت إليها؛ وهذا ما جعل شريحة مهمة من الرأي العام ترى في سجنها تجريماً للعمل السياسي».
أما مقران آيت العربي، محامي حنّون والناشط في المعارضة العلمانية، فيذكر عنها: «إنها امرأة مناضلة لم ترتكب أي فعل يجرّمه القانون، بل أدَت واجباتها كرئيسة حزب وعضو في المجلس الوطني الشعبي. وكان على الرئيس (عبد المجيد تبَون) أن يفرج عنها دون تأخير لتعود لمهامها. أعرف ملف لويزة حنّون معرفة جيدة، وأعرف نضالها منذ 1983. قد أتفق معها وقد أختلف، لكنها لم ترتكب أي فعل يجرمه القانون».

يسارية... قديمة

في المقابل، يعتقد قطاع من الطبقة السياسية، أن الإفراج عنها لا يعود إلى اقتناع القضاء العسكري ببراءتها، وإنما بسبب تدهور صحتها في الأسابيع الأخيرة من سجنها. ويرى المقتنعون بـ«عدالة قضيتها، بأن مدين (توفيق) وطرطاق والسعيد، على عكسها هي، مارسوا السياسة خارج سياقها الصحيح، ويتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولية الفساد السياسي الذي قصم ظهر الجزائر. وتم سجن الأربعة بسبب اجتماعات عقدوها بنهاية مارس (آذار) الماضي، بحثت عزل قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح وإطلاق مرحلة انتقالية تُعهد للرئيس الأسبق الجنرال اليمين زروال. غير أن قايد صالح تفطَن للمخطط، وغضب غضباً شديداً فقرر إنزال العقاب بهم».
أما عن حنّون، فإنها عُرفت بحضورها القوي في السياسة وعالم النقابات منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وكلفها ذلك دخول السجن لفترة قصيرة.
تشبعت أيام الجامعة بالفكر اليساري وتحديداً بأفكار التيار التروتسكي، ونظريات الصراع الطبقي. وبرز ذلك بوضوح في نضالها النقابي؛ فهي تدعو لفصل الدين عن الدولة، وناضلت من أجل «تحرر المرأة من القيود»، والمساواة بينها وبين الرجل في المسؤوليات والنضال وغيرها. وقد استحقت، بحسب أنصارها، لقب «تشافيز الجزائر».
لكن يوجد من بين أتباعها، مَن لا يغفر لها دفاعها عن قادة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» عندما سجنهم القضاء العسكري، مطلع تسعينات القرن الماضي. كذلك، لا يغفرون لها مشاركتها مع قادة إسلاميين، يدعمون العمل المسلح، اجتماعات عقدت في العاصمة الإيطالية روما بنهاية 1994 وبداية 1995، بحثت حلاً سياسياً للأزمة التي نشأت عن تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي حقق فيها «الإنقاذ» فوزا ساحقاً.

... ومقرّبة من بوتفليقة

في أي حال، يعيب الخصوم والأنصار - على حد سواء - على حنّون «قربها المفرط» من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبخاصة من شقيقه السعيد وشقيقته الكبرى زهور، التي كان لها نفوذ في شؤون الحكم. ولعل من علامات الصلة القوية التي كانت تجمعها بعائلة الرئيس، دفاعها المستميت عنه عندما كانت المعارضة توجه سهامها له، مطالبة بعزله عن الحكم بحجة المرض، إثر إصابته بجلطة دماغية عام 2013. أيضاً من العلامات البارزة لقوة العلاقة مع الرئيس السابق شخصياً، قوله عنها ذات مرة في حفل بمناسبة العيد العالمي للمرأة «أعطوني 20 امرأة في وزن حنّون، أعطيكم حكومة نسائية». ولذا؛ يحتار الكثير من الصحافيين والباحثين في السياسة والمشتغلين بها، في تصنيفها. أهي معارضة أم محسوبة على النظام، أم هي «نص نص»؟
عن دلالات الإفراج عن حنّون، وهل لذلك علاقة باختفاء قايد صالح الذي أمر بسجنها، يقول زين العابدين غبولي، الباحث الجزائري بـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية: «أعتقد أن هناك تغيراً في موازين القوى داخل النظام، خصوصاً بعد وفاة قايد صالح. فالقطب الذي كان يعتبره قائد الجيش (عصابة)، استطاع العودة فاعلاً في المعادلة السياسية. بالإضافة لهذا، أعتقد أن خروج لويزة حنّون من السجن، له علاقة باتفاق سياسي قد يضمن وقوفها مع مبادرة الحوار التي أطلقتها السلطة قبل مراجعة الدستور».
ويرى غبولي أن حنّون «فقدت الكثير من وزنها السياسي، ولا سيما بعدما هاجمت معارضي ترشّح بوتفليقة لولاية رابعة (2014)، وأيضاً احتكاكها بعائلة الرئيس السابق. إنها محسوبة اليوم، شاءت ذلك أم أبت، على جناح سياسي داخل النظام. ولذلك أعتقد أن شعبيتها تأثرت جدياً بصورة سلبية؛ لأن الشعب الجزائري لم ينتفض فقط ضد سلطة بوتفليقة، بل ضد كل من كانوا يدورون في فلك نظامه، وحنّون واحدة من هؤلاء». وحول ما إذا كانت تمثل قيم ومبادئ اليسار، قال غبولي «لا يمكن برأيي أن تحسب سياسياً وفكرياً على اليسار، لا في الجزائر ولا خارجها. تاريخها الطويل في النضال السياسي اليساري أكسبها شرعية لدى الأوساط اليسارية الدولية، لكنها، باعتقادي، لا تملك من اليسار إلا الصفة».

«اعتقال سياسي» استدركه القضاء

من جانب آخر، يرى الكاتب الصحافي عثمان لحياني: «كان اعتقال زعيمة حزب العمال لويزة حنّون خطأً سياسياً، وتم استدراكه قضائياً. قناعتي هي أن الفاعل السياسي مهمته المركزية التعاطي وممارسة الفعل السياسي، سواءً مع المؤسسات المعلنة أو مع مراكز الظل بالشكل المشروع، وبما لا يتعارض مع القانون والأخلاق السياسية. والقانون في حالة حنّون حكم لصالحها في جانب، وأدانها في جانب آخر، لكن بالنسبة لي فإن حنّون تواجه الآن مأزقاً أخلاقياً بالدرجة الأولى، يتمثل في احتكاكها القوي في توقيت سياسي خاطئ، بـ«سلطة الظل»، وهنا أقصد سعيد بوتفليقة الذي يتحمل مسؤولية كبيرة عن الخراب، ومع مدير مخابرات خارج الخدمة (محمد مدين «توفيق») وله مسؤولية كبيرة في تشظي الجزائر في التسعينات وما بعدها. إن جوهر المأزق الأخلاقي هو تعارض التوجه والعنوان السياسي لليسار، الذي تمثله حنّون مع ليبرالية بوتفليقة ومحيطه ومرحلة الاستبداد السياسي والأمني التي يمثلها (توفيق)... وأعتبر أن هذا المأزق سيكون أكثر كلفة بالنسبة لحنّون؛ لأنه سيقضم من رصيدها الذي أصبح محل شك ومراجعات».
وأضاف لحياني: «لا يجوز أن نتجاهل بأن كل هذه التفاصيل بالغة الأهمية، تبني لعلاقة مع مرحلة جديدة وتؤسس لمشهد سياسي تحكمه بوصلة شعبية لم تعد تقبل بوجوه المرحلة السابقة، ومنها حنّون التي تقبع على رأس حزبها منذ 31 سنة ناطقةً رسميةً، ثم أمينةً عامة... وهذا يثير أيضاً مسألة الديمقراطية والتداول داخل الحزب اليساري».

مواقف متقلبة

من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية رابح لونيسي عن القيادية اليسارية المثيرة للجدل: «بالنسبة للتيارين الديمقراطي واليساري، تشبه لويزة حنّون إلى درجة كبيرة، حركة مجتمع السلم الإسلامية. صحيح أنها لم تشارك إطلاقاً في الحكومة على عكس مجتمع السلم، لكنها دعمت بقوة النظام. أي لعبت على حبلين: معارضة راديكالية في الخطاب لاكتساب شعبية، ومؤيدة للسلطة بشكل غير مباشر... إذ كانت تسارع دائماً لإنقاذها عندما تكون في ورطة تحت شعارات عدة، مثل تخويف الرأي العام من المؤامرة الدولية ضد الجزائر».
«اتسمت حنّون بهذه المواقف المتقلبة - حسب لونيسي - منذ وصول بوتفليقة إلى السلطة عام 1999، ولقد ارتبط ذلك بشقيق الرئيس، وهو تروتسكي الخلفية السياسية، لكنه مع ذلك اتُهم بدعم رجال المال الفاسد، وتلك مفارقة. الأمر نفسه ينطبق على لويزة حنّون. فهي تروتسكية، لكنها كانت مستفيدة من ريع النظام بشكل أو بآخر، مثل الكثير من الأحزاب، وأيضاً من توزيع الحصص عليها في كل انتخابات برلمانية». وأردف شارحاً «...لكن جرى تخفيض حصتها من مقاعد حزبها في المجالس المنتخبة، خلال اقتراع البرلمان، ثم اقتراع البلدية عام 2017 عقاباً لها».
ويعطي لونيسي صدقية لتفاسير ربطت الإفراج عن حنّون باختفاء قائد الجيش المتوفى. ويقول بهذا الخصوص «أعتقد أن الأمر يكاد يكون مؤكداً في هذه المسألة؛ إذ نلاحظ انقلاباً تاماً في الكثير من السياسات منذ وفاة قايد صالح، وكأن هناك رغبة ملحّة في محو كل ما قام به، وكثير داخل أجهزة الدولة - حسب ما يبدو - يرون بأنه أضرّ كثيراً بالمؤسسات وبالوحدة الوطنية، وبأن سياساته كانت ستدفع بالجزائر إلى ما لا تحمد عقباه... كما لا يجب على المحلل السياسي إهمال جانب مهم جداً في تصرفات السياسيين، ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة، وهو الجانب النفسي. ومن الواضح أن ذلك أثَر على قايد صالح في علاقته بحنّون، لكن بشكل سلبي، ويعود في نظري إلى إقامة عائلتيهما في مدينة واحدة لمدة طويلة، هي عنابة» بشمال شرقي الجزائر.

بطاقة هوية

> ولدت في بلدة الشقفة بولاية جيجل بشمال الجزائر، يوم 7 أبريل (نيسان) 1954.
> عاشت طفولتها وصباها في مدينة عنابة (بشمال شرقي البلاد)، وفيها أنهت دراستها الثانوية عام 1975.
> تابعت دراستها الجامعية في جامعة عنابة بينما كانت تعمل في الوقت نفسه موظفة في مطار عنابة. وخلال هذه الفترة نشطت في العمل النقابي إبان عملها في شركة الطيران الجزائرية، وبرزت قياديةً نقابيةً يسارية.
> أعلنت عام 1990 عن تأسيس حزب العمال اليساري المحسوب على التروتسكيين.
> دخلت عام 1997 المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).
> ترشحت لرئاسة الجمهورية عامي 1999 و2004.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.