بمجرَد أن غادرت السجن ليل العاشر فبراير (شباط) 2020، توجهت لويزة حنّون، زعيمة اليسار التروتسكي في الجزائر، إلى مكتبها بمقر «حزب العمال» الذي ترأسه، وبدأت فوراً في استقبال الاتصالات الهاتفية المعبَرة عن التهاني. وكان أصحاب هذه الاتصالات - بطبيعة الحال - من كل بلدان العالم، وبخاصة من أحزاب اليسار الاشتراكي، والتنظيمات المؤمنة بـ«الثورة العمالية في مواجهة الإمبريالية».
ولقد تساءلت حنّون خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، في اليوم الموالي للإفراج عنها: «لماذا لا نغيَر اسم الحراك الشعبي... فنتفق مثلاً على اسم الثورة الشعبية؟ أليس ما تعيشه البلاد منذ 22 فبراير 2019 ثورة ضد الاستبداد والفساد؟». وكان هذا إيذاناً بعودتها القوية إلى السياسة، وإلى التفاعل مع الأحداث والتعليق عليها، وعقد المؤتمرات الصحافية بخصوص أي قضية تراها جديرة بتسجيل موقف حولها.
توقفت لويزة حنّون عن النشاط السياسي لمدة 9 أشهر، كانت هي مدة إدانتها بالسجن من طرف «مجلس الاستئناف العسكري». ويذكر أن المحكمة العسكرية الابتدائية كانت قد أدانتها في سبتمبر (أيلول) الماضي بـ15 سنة سجناً، برفقة مديري جهاز الاستخبارات العسكرية سابقاً محمد مدين «الجنرال توفيق» وبشير طرطاق، والسعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وعُرفت القضية بـ«التآمر على الدولة والجيش»، نسبة إلى التهم التي وجهت للأربعة.
حنّون (66 سنة) تقول حول ما حدث، إنها «هي من تعرضت للتآمر»، من دون أن تشرح مَن تقصد. ومن ثم، أعلنت عن خوض معركة قضائية بـ«المحكمة العليا»، بإيداع طعن بالنقض بخصوص تهمة «عدم التبليغ عن جريمة» التي على أساسها أدانها القضاء بثلاث سنوات سجناً، 9 أشهر منها مع التنفيذ. في حين أُسقطت تهمتا «التآمر على سلطة الجيش والدولة».
ويقول جلول جودي، ساعد حنّون الأيمن في الحزب، إنها «دفعت ثمن مواقفها الجريئة على مَر الـ20 سنة الماضية، خاصة وقوفها ضد الأوليغارشيا التي يمثلها رجال أعمال ضالعون في الفساد، كما أنها وقفت ضد سياسات وزراء نهبوا ثروات البلاد وباعوا خيراتها للشركات متعددة الجنسيات بثمن بخس».
وحول موضوع سجنها، يذكر الناشط السياسي والباحث في التاريخ، محمد أرزقي فراد: «من المؤكد أن السيدة لويزة حنّون امضت 9 أشهر في السحن بصفتها سجينة سياسية؛ فهي رئيسة حزب سياسيّ، ونائبة في البرلمان لسنوات عديدة، ومعروفة بدفاعها الشّرس عن العدالة الاجتماعية، وعن القطاع الاقتصادي العمومي الاستراتيجي. ثم إنها معروفة بمواقفها الرافضة للتدخل الأجنبي. ولقد تعرضت للسجن بسبب مواقفها السياسية أكثر من مرّة، وبتهم غير مؤكدة بالوقائع، بجانب أن ملفها القضائي كان فارغاً. وبالتالي، فهي بريئة من التهمة التي وجّهت إليها؛ وهذا ما جعل شريحة مهمة من الرأي العام ترى في سجنها تجريماً للعمل السياسي».
أما مقران آيت العربي، محامي حنّون والناشط في المعارضة العلمانية، فيذكر عنها: «إنها امرأة مناضلة لم ترتكب أي فعل يجرّمه القانون، بل أدَت واجباتها كرئيسة حزب وعضو في المجلس الوطني الشعبي. وكان على الرئيس (عبد المجيد تبَون) أن يفرج عنها دون تأخير لتعود لمهامها. أعرف ملف لويزة حنّون معرفة جيدة، وأعرف نضالها منذ 1983. قد أتفق معها وقد أختلف، لكنها لم ترتكب أي فعل يجرمه القانون».
يسارية... قديمة
في المقابل، يعتقد قطاع من الطبقة السياسية، أن الإفراج عنها لا يعود إلى اقتناع القضاء العسكري ببراءتها، وإنما بسبب تدهور صحتها في الأسابيع الأخيرة من سجنها. ويرى المقتنعون بـ«عدالة قضيتها، بأن مدين (توفيق) وطرطاق والسعيد، على عكسها هي، مارسوا السياسة خارج سياقها الصحيح، ويتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولية الفساد السياسي الذي قصم ظهر الجزائر. وتم سجن الأربعة بسبب اجتماعات عقدوها بنهاية مارس (آذار) الماضي، بحثت عزل قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح وإطلاق مرحلة انتقالية تُعهد للرئيس الأسبق الجنرال اليمين زروال. غير أن قايد صالح تفطَن للمخطط، وغضب غضباً شديداً فقرر إنزال العقاب بهم».
أما عن حنّون، فإنها عُرفت بحضورها القوي في السياسة وعالم النقابات منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، وكلفها ذلك دخول السجن لفترة قصيرة.
تشبعت أيام الجامعة بالفكر اليساري وتحديداً بأفكار التيار التروتسكي، ونظريات الصراع الطبقي. وبرز ذلك بوضوح في نضالها النقابي؛ فهي تدعو لفصل الدين عن الدولة، وناضلت من أجل «تحرر المرأة من القيود»، والمساواة بينها وبين الرجل في المسؤوليات والنضال وغيرها. وقد استحقت، بحسب أنصارها، لقب «تشافيز الجزائر».
لكن يوجد من بين أتباعها، مَن لا يغفر لها دفاعها عن قادة «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» عندما سجنهم القضاء العسكري، مطلع تسعينات القرن الماضي. كذلك، لا يغفرون لها مشاركتها مع قادة إسلاميين، يدعمون العمل المسلح، اجتماعات عقدت في العاصمة الإيطالية روما بنهاية 1994 وبداية 1995، بحثت حلاً سياسياً للأزمة التي نشأت عن تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية التي حقق فيها «الإنقاذ» فوزا ساحقاً.
... ومقرّبة من بوتفليقة
في أي حال، يعيب الخصوم والأنصار - على حد سواء - على حنّون «قربها المفرط» من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبخاصة من شقيقه السعيد وشقيقته الكبرى زهور، التي كان لها نفوذ في شؤون الحكم. ولعل من علامات الصلة القوية التي كانت تجمعها بعائلة الرئيس، دفاعها المستميت عنه عندما كانت المعارضة توجه سهامها له، مطالبة بعزله عن الحكم بحجة المرض، إثر إصابته بجلطة دماغية عام 2013. أيضاً من العلامات البارزة لقوة العلاقة مع الرئيس السابق شخصياً، قوله عنها ذات مرة في حفل بمناسبة العيد العالمي للمرأة «أعطوني 20 امرأة في وزن حنّون، أعطيكم حكومة نسائية». ولذا؛ يحتار الكثير من الصحافيين والباحثين في السياسة والمشتغلين بها، في تصنيفها. أهي معارضة أم محسوبة على النظام، أم هي «نص نص»؟
عن دلالات الإفراج عن حنّون، وهل لذلك علاقة باختفاء قايد صالح الذي أمر بسجنها، يقول زين العابدين غبولي، الباحث الجزائري بـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية: «أعتقد أن هناك تغيراً في موازين القوى داخل النظام، خصوصاً بعد وفاة قايد صالح. فالقطب الذي كان يعتبره قائد الجيش (عصابة)، استطاع العودة فاعلاً في المعادلة السياسية. بالإضافة لهذا، أعتقد أن خروج لويزة حنّون من السجن، له علاقة باتفاق سياسي قد يضمن وقوفها مع مبادرة الحوار التي أطلقتها السلطة قبل مراجعة الدستور».
ويرى غبولي أن حنّون «فقدت الكثير من وزنها السياسي، ولا سيما بعدما هاجمت معارضي ترشّح بوتفليقة لولاية رابعة (2014)، وأيضاً احتكاكها بعائلة الرئيس السابق. إنها محسوبة اليوم، شاءت ذلك أم أبت، على جناح سياسي داخل النظام. ولذلك أعتقد أن شعبيتها تأثرت جدياً بصورة سلبية؛ لأن الشعب الجزائري لم ينتفض فقط ضد سلطة بوتفليقة، بل ضد كل من كانوا يدورون في فلك نظامه، وحنّون واحدة من هؤلاء». وحول ما إذا كانت تمثل قيم ومبادئ اليسار، قال غبولي «لا يمكن برأيي أن تحسب سياسياً وفكرياً على اليسار، لا في الجزائر ولا خارجها. تاريخها الطويل في النضال السياسي اليساري أكسبها شرعية لدى الأوساط اليسارية الدولية، لكنها، باعتقادي، لا تملك من اليسار إلا الصفة».
«اعتقال سياسي» استدركه القضاء
من جانب آخر، يرى الكاتب الصحافي عثمان لحياني: «كان اعتقال زعيمة حزب العمال لويزة حنّون خطأً سياسياً، وتم استدراكه قضائياً. قناعتي هي أن الفاعل السياسي مهمته المركزية التعاطي وممارسة الفعل السياسي، سواءً مع المؤسسات المعلنة أو مع مراكز الظل بالشكل المشروع، وبما لا يتعارض مع القانون والأخلاق السياسية. والقانون في حالة حنّون حكم لصالحها في جانب، وأدانها في جانب آخر، لكن بالنسبة لي فإن حنّون تواجه الآن مأزقاً أخلاقياً بالدرجة الأولى، يتمثل في احتكاكها القوي في توقيت سياسي خاطئ، بـ«سلطة الظل»، وهنا أقصد سعيد بوتفليقة الذي يتحمل مسؤولية كبيرة عن الخراب، ومع مدير مخابرات خارج الخدمة (محمد مدين «توفيق») وله مسؤولية كبيرة في تشظي الجزائر في التسعينات وما بعدها. إن جوهر المأزق الأخلاقي هو تعارض التوجه والعنوان السياسي لليسار، الذي تمثله حنّون مع ليبرالية بوتفليقة ومحيطه ومرحلة الاستبداد السياسي والأمني التي يمثلها (توفيق)... وأعتبر أن هذا المأزق سيكون أكثر كلفة بالنسبة لحنّون؛ لأنه سيقضم من رصيدها الذي أصبح محل شك ومراجعات».
وأضاف لحياني: «لا يجوز أن نتجاهل بأن كل هذه التفاصيل بالغة الأهمية، تبني لعلاقة مع مرحلة جديدة وتؤسس لمشهد سياسي تحكمه بوصلة شعبية لم تعد تقبل بوجوه المرحلة السابقة، ومنها حنّون التي تقبع على رأس حزبها منذ 31 سنة ناطقةً رسميةً، ثم أمينةً عامة... وهذا يثير أيضاً مسألة الديمقراطية والتداول داخل الحزب اليساري».
مواقف متقلبة
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية رابح لونيسي عن القيادية اليسارية المثيرة للجدل: «بالنسبة للتيارين الديمقراطي واليساري، تشبه لويزة حنّون إلى درجة كبيرة، حركة مجتمع السلم الإسلامية. صحيح أنها لم تشارك إطلاقاً في الحكومة على عكس مجتمع السلم، لكنها دعمت بقوة النظام. أي لعبت على حبلين: معارضة راديكالية في الخطاب لاكتساب شعبية، ومؤيدة للسلطة بشكل غير مباشر... إذ كانت تسارع دائماً لإنقاذها عندما تكون في ورطة تحت شعارات عدة، مثل تخويف الرأي العام من المؤامرة الدولية ضد الجزائر».
«اتسمت حنّون بهذه المواقف المتقلبة - حسب لونيسي - منذ وصول بوتفليقة إلى السلطة عام 1999، ولقد ارتبط ذلك بشقيق الرئيس، وهو تروتسكي الخلفية السياسية، لكنه مع ذلك اتُهم بدعم رجال المال الفاسد، وتلك مفارقة. الأمر نفسه ينطبق على لويزة حنّون. فهي تروتسكية، لكنها كانت مستفيدة من ريع النظام بشكل أو بآخر، مثل الكثير من الأحزاب، وأيضاً من توزيع الحصص عليها في كل انتخابات برلمانية». وأردف شارحاً «...لكن جرى تخفيض حصتها من مقاعد حزبها في المجالس المنتخبة، خلال اقتراع البرلمان، ثم اقتراع البلدية عام 2017 عقاباً لها».
ويعطي لونيسي صدقية لتفاسير ربطت الإفراج عن حنّون باختفاء قائد الجيش المتوفى. ويقول بهذا الخصوص «أعتقد أن الأمر يكاد يكون مؤكداً في هذه المسألة؛ إذ نلاحظ انقلاباً تاماً في الكثير من السياسات منذ وفاة قايد صالح، وكأن هناك رغبة ملحّة في محو كل ما قام به، وكثير داخل أجهزة الدولة - حسب ما يبدو - يرون بأنه أضرّ كثيراً بالمؤسسات وبالوحدة الوطنية، وبأن سياساته كانت ستدفع بالجزائر إلى ما لا تحمد عقباه... كما لا يجب على المحلل السياسي إهمال جانب مهم جداً في تصرفات السياسيين، ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة، وهو الجانب النفسي. ومن الواضح أن ذلك أثَر على قايد صالح في علاقته بحنّون، لكن بشكل سلبي، ويعود في نظري إلى إقامة عائلتيهما في مدينة واحدة لمدة طويلة، هي عنابة» بشمال شرقي الجزائر.
بطاقة هوية
> ولدت في بلدة الشقفة بولاية جيجل بشمال الجزائر، يوم 7 أبريل (نيسان) 1954.
> عاشت طفولتها وصباها في مدينة عنابة (بشمال شرقي البلاد)، وفيها أنهت دراستها الثانوية عام 1975.
> تابعت دراستها الجامعية في جامعة عنابة بينما كانت تعمل في الوقت نفسه موظفة في مطار عنابة. وخلال هذه الفترة نشطت في العمل النقابي إبان عملها في شركة الطيران الجزائرية، وبرزت قياديةً نقابيةً يسارية.
> أعلنت عام 1990 عن تأسيس حزب العمال اليساري المحسوب على التروتسكيين.
> دخلت عام 1997 المجلس الشعبي الوطني (البرلمان).
> ترشحت لرئاسة الجمهورية عامي 1999 و2004.