«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6): رسالة مخرج إيراني ضد النظام تختم مهرجان برلين وتعد بجائزة

«ليس هناك شر» فيلم بأربع حكايات

من «برلين ألكسندربلاتزَ»
من «برلين ألكسندربلاتزَ»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين السينمائي (6): رسالة مخرج إيراني ضد النظام تختم مهرجان برلين وتعد بجائزة

من «برلين ألكسندربلاتزَ»
من «برلين ألكسندربلاتزَ»

من بين عشرات الكتب الروائية التي دارت رحاها في مدينة برلين (آخرها رواية تاريخية عنوانها «عندما يرى العميان» لأليكس رودس)، تبقى رواية ألفرد دوبلين «برلين ألكسندربلاتزَ» الأكثر كثافة في أحداثها، والأعمق في دخولها عالم الجريمة وموقف الفرد الذي وجد نفسه في ظروف تنتقل به من القاسي إلى ما هو أقسى.
الفيلم الأول الذي تم صنعه بناءً على هذه الرواية كان ألمانياً سنة 1931، أي بعد عامين فقط على نشر الرواية، من إخراج فيليب جوتزي، الذي عرف حينها بأنه «مخرج أفلام البروليتاريا الألماني الأول».
الفيلم الأخير لهذه الرواية هو الألماني «برلين ألكسندربلاتزَ» الذي تم تقديمه في مسابقة مهرجان برلين قبل يومين.
المفارقة هي أنه من بعد نحو سبعة أفلام تم اقتباسها من رواية دوبلين (من بينها المسلسل التلفزيوني، المصوّر سينمائياً الذي قام به رينر فرنر فاسبيندر في 14 حلقة) هذه هي المرّة الأولى التي يعالج الرواية مخرج من خارج أوروبا هو الأفغاني برهان قرباني. وبالنسبة لناقد لم يشاهد إلا فيلمين سابقين اقتبسا عن هذه الرواية وخمس حلقات من مسلسل فاسبيندر، فإن الإضافة التي يعمد قرباني إليها هي قدرته على رؤية نافذة للموضوع مرتبطة بصياغة نقدية لعالم يموج بالأشرار والمخطئين والباحثين عن حياة أفضل عبر العمل في مهن خطرة ومحذورة.
- ملحمة تراجيدية
من المثير ملاحظة أن الرواية التي وصفت بأنها تنتمي إلى أسلوب الكاتب الآيرلندي جيمس جويس كنص، تمتعت بالقدرة على معالجتها من زوايا متعددة. بالنسبة لفاسبيندر مثلاً، هي مناسبة لا للحديث عن أحداثها وسردها فقط، بل اهتم بالجاذبية القائمة بين بطلي الفيلم فرانز بايبركوف وراينهولد. في نسخة فيليب جوتزي، وتلك التي أخرجها سنة جوليان لورنز سنة 2007، فإن الاهتمام الأول والسائد هو سرد الحكاية كما كُتبت.
هنا يختلف الوضع مجدداً. رؤية قرباني تبدو تعليقاً اجتماعياً على سوء الوضع مجتمعياً وأخلاقياً. وصف ليس من السهل إطلاقه على بلد صناعي متقدم مثل ألمانيا، باستثناء أن قرباني ليس طارئاً، بل هو من لُحمة هذا المجتمع، إذ تربى ودرس وعمل فيه.
الرواية ذاتها (متوفرة بالإنجليزية على «أمازون») ذات نص مكثف ووصفي لفتت انتباه برتولت برخت، فقال عنها: «علمتني أكثر عن روح الملحمة أكثر من أي كتابة أخرى. كتابته الملحمية وحتى نظريته في هذا الشأن أثرت في عملي الدراماتيكي».
هذا القوس الملحمي الذي تحتويه، انتقل بكليّته في نسخة قرباني التي بلغت نحو ثلاث ساعات من العرض، إلى الزمن الحالي، عارضاً حياة المهاجر الأفريقي؛ المهاجر غير الشرعي الذي يعيش بلا أوراق ثبوتية في المدينة الكبيرة، المحمل بالشعور بالذنب، كونه أخفق في إنقاذ حياة فتاة من الغرق ذات مرّة، وكُتبت له النجاة، ما يجعله يقرر أن يعيش مستقيماً. أو لعله لم يكن هناك سواه أو لعله لم يكن هناك غرق. علاقة المشهد الأول (الذي يتكرر مرتين أو ثلاثة لاحقاً) بما يحدث مع فرنسيس (قبل أن يغير اسمه إلى فرانز) ليست موجودة، لتحليلها، بل لتوظيفها كما هي بصرف النظر عن دواعيها، باستثناء إعلانه (وإعلان التعليق الصوتي أكثر من مرّة) بأن أقسم على أن يعيش في حياة مستقيمة.
لكن في منظور الرواية والفيلم، الحياة في القاع لا يمكن لها أن تساعد أحداً للعيش مستقيماً. سوف تستدرجه للشر والجريمة وما يحدث مع فرنسيس (يؤديه الأفريقي الأصل فلكت بانغو) هو أنه طرد من عمله عندما احتج على المعاملة بعدما التقى بشاب (أبيض) اسمه راينهولد (ألبرخت شوش) الذي جذبه للعمل في زمرته من تجار المخدرات. لكن فرنسيس عرض أن يكون طبّاخ الزمرة التي تتخذ من بعض أحراش برلين موقعاً لها. هذا الدور لم يستمر قليلاً، وتمّت ترقية فرنسيس أكثر من مرّة إلى أن وصل لمستوى الشريك. خلال هذه الفترة كان تعرف على شابة تمارس الدعارة اسمها إيفا (أنابيللا ماندنغ)، ووقعا في الحب، وقرر أن يترك العمل مع راينهولد الذي لم يرض بذلك، فخطط لإغواء إيفا، ثم قتلها، بعدما أطلع فرنسيس (وقد أصبح الآن يحمل اسماً ألمانياً هو فرانز وجواز سفر مزوّر) على تلك العلاقة نكاية به.
في صميمه هو فيلم «غانغستر» (عصابات) كبير الحجم وفضفاض عند الخاصرة. يبدأ جيداً جداً واعداً بتقديم تلك الرؤية الخالصة لحكاية ترسم خارطة درامية شاملة لحياة هذه الشخصيات، وأحداثها، (وهناك شخصيات وأحداث كثيرة أخرى تملأ دقائقه الـ180). لكن الفيلم يغوص في التراجيديا، وحين يفعل، تزداد مدارك المشاهد بأن الفيلم إنما اكتفى، قبل الثلث الأخير، بالحفر في المكان ذاته عدة مرّات. إنها الفترة ذاتها التي يتحوّل فيها الفيلم إلى معالجة تشويقية لا تساوي تلك الاجتماعية السابقة لها.
صحافي ألماني ذكر لي أن الفيلم هو أداة في يد اليمين المتطرف: «قرباني صنع الفيلم الذي يستطيعون تحويله إلى سلاح دعاية للقول: هل ترون ما يفعل المهاجرون الذين نستقبلهم بنا؟». لكن هذا الرأي يناهضه أن راينهولد هو الشرير الأول (يمشي كجرذ مكسور اليد).
- 4 حكايات في فيلم واحد
«برلين ألكسندربلاتزَ» هو أحد ثلاثة أفلام أخيرة عرضت في المسابقة (في حين استمرت عروض البرامج الموازية لما بعد اليوم الأخير للمسابقة).
آخر فيلم في المسابقة الرسمية هو الفيلم الإيراني - الألماني «ليس هناك شر» لمحمد رسولوف. تشاهده وتدرك أن السلطات الإيرانية لم تكن لتسمح بعرض فيلم يتهمها بسيادة دكتاتورية على الشعب، وبممارسة قانون الإعدام بحق الناشطين والمجرمين العاديين على حد سواء.
«ليس هناك شر» يأتي بأربع حكايات. الأولى حول رب الأسرة الصغيرة المتفاني في خدمة عائلته وحسن رعايتها وخدمتها. نتعرف عليه وهو يحصل على شوال أرز من مكان رسمي لا نعرف ما هو، ثم يقود سيارته إلى البيت، ثم إلى حيث المدرسة التي تعمل فيها زوجته مدرسةً، وبعد ذلك إلى مدرسة ابنته. من هناك إلى «سوبر ماركت»، حيث يشتري وزوجته حاجياتهما الشهرية، وفوق ذلك حاجة والدتها. تتجه العائلة إلى والدة الأم. يمضون وقتاً طيباً. يعودون إلى البيت. يساعد الزوج زوجته بصبغ شعرها، ثم يأوي إلى الفراش حتى الساعة الثالثة.
يقود السيارة إلى عمله. هنا فقط نكتشف ماهية هذا العمل: تنفيذ الإعدام بشد آلة الجهاز الذي سيقوم بالمهمّة.
إنها صدمة مقصودة وبالغة التعبير. بعد ذلك تأتي الحكايات الثلاث جميعها لتصب في قضية الإعدام بحد ذاته: الحارس الذي يرفض تنفيذ حكم الإعدام وينجح في الهرب. الشاب الذي نفذ حكم الإعدام بمثقف قبضت عليه السلطات، وحدث أن هذا المثقف هو الرجل الذي تعرفت عليه عائلة الفتاة التي يحبها الحارس. ثم قصة الفتاة العائدة من السفر إلى بيت العائلة، لتكتشف أن والدها ليس هو والدها الحقيقي، وإنه كان ينفذ أحكام إعدام، ولو لحين، وأحد من نفذ بهم حكم الإعدام كان والدها الحقيقي.
ينتهي فيلم رسولوف بسيارة هذه العائلة متوقفة وسط البراري. كانت في طريقها لإيصال الفتاة إلى مطار طهران من جديد، لكنها توقفت وسط أزمتها. هل تعود السيارة من حيث أتت أو تكمل؟ لا يجيب رسولوف عن السؤال، لكن المشهد البعيد لتلك السيارة سريعاً ما يرمز إلي إيران ذاتها المأزومة والمتجمدة في مكانها.
لا نستطيع الدخول على عقول لجنة تحكيم آتية من مزاجات وثقافات متعددة، لكن الفيلم الإيراني يستحق جائزة الشجاعة أولاً، وجائزة أخرى لجودة ودراية المعالجة التي وفرها محمد رسولوف لعمله هذا.
موقف السلطات الإيرانية من رسولوف، يذكر بموقف تركيا من السينمائي الكردي (ذي الجنسية التركية) يلماز غونيه… هو أيضاً كان مثير شغب سياسي وسجن مراراً لمواقفه قبل أن يهرب من السجن بخطة محكمة تصلح لأن تكون فيلماً.


مقالات ذات صلة

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق «سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم «الذراري الحمر» للمخرج لطفي عاشور (فيسبوك المخرج)

«الذراري الحمر» رحلة في أعماق العنف والبراءة

يحمل اسم «الذراري الحمر» رمزيةً مزدوجةً تُضيف عمقاً لمعاني الفيلم، فيتجاوز كونه مجرد وصفٍ للأطفال ليعكس روح القصة والرسائل الكامنة وراءها.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق «إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

«إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

يجدد الفيلم الفلسطيني «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل، تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.

انتصار دردير (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».