تحدّيات تنتظر «الحراك» مع بداية عامه الثاني

TT

تحدّيات تنتظر «الحراك» مع بداية عامه الثاني

أحيا آلاف الجزائريين أمس، ذكرى مرور عام على حراكهم الشعبي، بمسيرات للأسبوع الـ53 على التوالي، تمكنوا خلالها من إرغام عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة بعد 20 عاماً من الحكم، لكن من دون نجاح في تغيير «النظام» الحاكم منذ الاستقلال.
وحسب عدد من المراقبين، فإن الحراك، الذي وحّد شرائح كبيرة من المجتمع الجزائري، ونجح في إسقاط الولاية الخامسة واستقالة بوتفليقة في 2 أبريل (نيسان) الماضي، يواجه مع دخول عامه الثاني، «تحديات كثيرة وبالجملة»، في الوقت الذي يسترجع النظام فيه قواه بشكل متسارع. فبعد أن تولى السلطة الفعلية بعد استقالة بوتفليقة، نظمت القيادة العليا للجيش الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها عبد المجيد تبون، ورغم نسبة المقاطعة العالية فإن الحراك فشل في منع إجراء الاقتراع. في هذا السياق تقول داليا غانم، الباحثة في مركز «كارنيغي» لـ«الشرق الأوسط» في بيروت، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لقد عاد الجنود إلى ثكناتهم، والمدنيون في السلطة، وبالتالي هناك واجهة دستورية وديمقراطية. لكن في الواقع هذا هو بالضبط ما كانت عليه الأمور عليه من قبل. تبون ليس سوى الواجهة المدنية للنظام، الذي يتحكم فيه العسكر».
وتابعت داليا متحدثة عن «قدرة النظام على التبديل دون تغيير، لكن سيتم اختبار صموده في السنوات المقبلة».
ويرى عدد من المراقبين أن النظام القائم سيوزع بعض «المكتسبات السياسية» في شكل إصلاحات محدودة، لكن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تلوح في الأفق، في ظل انخفاض أسعار المحروقات، ستمنعه من ريع النفط لشراء السلام الاجتماعي، كما فعل في السابق، بحسب تعبير الباحثة. ويبقى حراك الجزائر بلا قيادة ولا هيكل منظم، وهو يدخل عامه الثاني، ما قد يدفع إلى إعادة التفكير في منهاجه حتى لا يتعرض للاختناق. ولذلك اعتبرت التعبئة في الجمعة الـ53 (أمس) اختباراً حقيقياً لحجمه الحالي، وبدأت تطرح تساؤلات جوهرية من قبيل: هل على الحراك أن يقبل «اليد الممدودة» من قبل الرئيس تبون، مع ما يمثله ذلك من خطر ابتلاعه من قبل النظام؟ وهل ينبغي عليه تنظيم نفسه للمشاركة في الانتخابات المقبلة، مع احتمال ظهور انشقاقات داخله؟
وفي جميع الأحوال، فإن الحراك نجح في تغيير اللعبة السياسية في الجزائر، بعد 20 عاماً من رئاسة بوتفليقة، شهدت خلالها إغلاقاً محكماً، وتم إحباط المعارضة الحقيقية بشكل ممنهج، أو عرقلتها أو تكميمها. كما نجح الحراك بسلميته في تفادي «مواجهة دموية، أو قمع وحشي»، كما أشارت المؤرخة كريمة ديريش.
وترى داليا غانم أن «رؤية الجزائريين، الذين يجتمعون كل يوم جمعة منذ عام، بنسائهم ورجالهم، ومن الشاوية والقبائل، ومن الإخوان المسلمين والعلمانيين في الشارع، هو في حد ذاته أمر غير عادي». كما أن هناك أيضاً «تحطيم جدار الخوف من قبل هذا الجيل الجديد المسيّس للغاية، الذي يعرف تماماً ماذا يريد».
وستسمح هذه السنة الثانية، كما قالت كريمة ديريش، للجزائريين بشكل جماعي في تحديد ما يريدونه بخصوص حاضرهم ومستقبلهم، وسيستغرق ذلك الوقت اللازم.
وأضافت ديريش: «البعض يريد رؤية الأمور تسير بشكل أسرع وأسرع بكثير، لكنني أعتقد أن هذه الوتيرة مناسبة جداً لهذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة». وختمت الباحثة في مركز البحوث بباريس بالقول: «قد تكون الجزائر حالة فريدة يتم تدريسها... والسنة الثانية من الحراك ستخبرنا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».