انطلاق النسخة الـ26 من «مهرجان البستان» تحت عنوان «لودفيغ»

اتخذت الدورة الـ26 من مهرجان البستان الدولي اسم لودفيغ بيتهوفن عنوانا لها
اتخذت الدورة الـ26 من مهرجان البستان الدولي اسم لودفيغ بيتهوفن عنوانا لها
TT

انطلاق النسخة الـ26 من «مهرجان البستان» تحت عنوان «لودفيغ»

اتخذت الدورة الـ26 من مهرجان البستان الدولي اسم لودفيغ بيتهوفن عنوانا لها
اتخذت الدورة الـ26 من مهرجان البستان الدولي اسم لودفيغ بيتهوفن عنوانا لها

على وقع موسيقى النشيد الوطني اللبناني يواكبه بلغة الإشارة تلامذة مدرسة الصم والبكم في لبنان، انطلقت فعاليات «مهرجان البستان» الدولي مساء أمس، معلنةً افتتاحه.
المشهد كان مؤثراً وقوبل بتصفيق حار من الحضور الذين قصدوا فندق «البستان» في بلدة برمانا ليشاركوا في افتتاح الأمسية الأولى من المهرجان.
فمنذ عام 1994 استهل «مهرجان البستان» نشاطاته في فندق «البستان» في بلدة برمانا المتنية، آخذاً على عاتقه تزويد اللبنانيين بجرعات من متع الموسيقى الكلاسيكية على مدى خمسة أسابيع متتالية. واختار خلال تلك السنوات موضوعات تحتفي بثقافة مدينة أو بلد أو مؤلف موسيقي عالمي معين.
وهذه السنة انطلق «مهرجان البستان» تحت عنوان «لودفيغ» كتحية للموسيقي الكبير لودفيغ فان بيتهوفن في الذكرى الـ250 لولادته.
ويؤكد القيمون على المهرجان من خلال تمسكهم بإقامة هذا الحدث السنوي الذي يستمر لغاية 22 مارس (آذار) المقبل، صلابة قرار اتخذوه على الرّغم من أزمة اقتصادية خانقة تعيشها البلاد. فهم لم يشَأوا أن يحرموا اللبنانيين من فسحة أمل يحتاجون إليها. فيتنفسون معها الصعداء ويستمتعون بمقطوعات موسيقية عالمية لبيتهوفن، المعروف بمقاومته كل الصعوبات في حياته فكان المثل الأفضل للصمود والمثابرة.
وتقول لورا لحود، نائبة رئيسة المهرجان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما كان طموحنا تقديم أجمل الموسيقى الكلاسيكية العالمية، لأنّنا نعد من المهرجانات اللبنانية العالمية التي ذاع صيتها في أرجاء الكرة الأرضية. وارتأينا هذه السنة ألا نغيب عن الساحة ونقدم نسخة جديدة من المهرجان غنية بموسيقى من ريبرتوار بيتهوفن يشارك فيها فنانون عالميون ومحليون. فعادةً ما نختار سنوياً موضوع المهرجان ونبني عليه البرنامج برمته. ونستكشف أسماء لامعة ومبهرة لموسيقيين نالوا جوائز في مهرجانات عالمية وندعوهم للمشاركة».
وجديد الدورة الـ26 للمهرجان هو اتباعها تسعيرة واحدة في جميع بطاقات الحفلات الـ15 التي يقدمونها وهي 30 ألف ليرة. فكانت بمثابة لفتة إنسانية تحققها لجنة المهرجان في ظل أزمة اقتصادية تعصف بجيوب اللبنانيين. كما تخصّص هذه السنة حفلاً موسيقياً يقام في الظلام مع «الرباعي ساكوني» دعت إليه مؤسسات الصم والبكم في لبنان، ويتوافر خلاله مترجم للغة الإشارات. وترى لحود أنّه «كان من الضروري في دورة (بيتهوفن) أن يسلط المهرجان الضوء على المصابين بالصم لأن بيتهوفن يمثلهم. ففكرنا أن نتعاون مع المؤسسات التي ترعاهم ليتعرف اللبنانيون إلى الجهد الذي تبذله في هذا الإطار وكذلك إلى قدرات طلابها الموهوبين».
وسيقام مساء 13 مارس المقبل في كنيسة «مار يوسف» للجامعة اليسوعية في الأشرفية، حفلاً خاصاً بالصم أيضاً تُعزف فيه السمفونية التاسعة لبيتهوفن (نشيد الفرح) يرافقه ثلاثة أشخاص بلغة الإشارة. وتشارك فيه إلى جانب السوبرانو سابينا سفيلاك، الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية.
وتشير لحود إلى أنّ معظم حفلات المهرجان ستقام على خشبة «أوديتوريوم إميل البستاني» في فندق «البستان»، بينما ثلاث منها فقط ستجري خارجها في كنيستي «مار يوسف» في الأشرفية و«مار إلياس» في القنطاري.
وكان المهرجان قد انطلق في ليلته الأولى (في 18 الجاري) مع السيمفونية الخامسة لبيتهوفن. وعزفتها على البيانو الإيطالية غلوريا كامبانير، ترافقها الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية بقيادة المدير الفني للمهرجان جانلوكا مارتشانو.
ويُختتم المهرجان في 22 مارس بالسيمفونية السابعة التي تُعدّ إحدى روائع بتهوفن. ويؤديها على البيانو الأوكراني فيتالي بيزارينكو، بمعاونة كورس الجامعة الأنطونية بقيادة الأب توفيق معتوق، وأوركسترا الحجرة الوطنية الأرمنية بقيادة مارتشانو.
ويطغى على برنامج المهرجان هذه السنة عازفو البيانو المعروفون، منهم الإيطالي فيليبو غوريني (21 سنة)، الفائز بجائزة مسابقة «بيتهوفن تيليكوم» في مدينة بون الألمانية عام 2015، وهو سيعزف سيمفونية بيتهوفن الأولى، ترافقه الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة ميشال خير الله.
أمّا السيمفونية الثالثة فتعزفها على البيانو الإيطالية فانيسا بينيلي موسل، في حين يعزف الأوكراني ألكسندر رومانوفسكي، ترافقه أوركسترا الحجرة الأرمنية بقيادة مارتشانو، السيمفونية الثانية التي كرّست شهرة بيتهوفن. وعلى البيانو أيضاً، يعزف الإيطالي جوزيبيه غاريرا السيمفونية الرابعة، مع الأوركسترا الأرمنية بقيادة مارتشانو. وتعمل لجنة مهرجانات البستان هذه السنة وكعادتها كل عام على إبراز القدرات اللبنانية في فنون الموسيقى العالمية. ومن هذا المنطلق تتعاون مع الأوركسترا الفيلهارمونية الوطنية من ناحية ومع مؤلفي موسيقى وكتّاب لبنانيين ذاع صيتهم ليتجاوز بلاد الأرز من ناحية ثانية. ففي 26 فبراير (شباط)، يسلط الكاتب اللبناني ألكسندر نجار الضوء على حياة بيتهوفن وطفولته وإعاقته ضمن لقاء بعنوان «اعترافات بيتهوفن». ويرافقه عزفاً على البيانو اللبناني عبد الرحمن الباشا، ومعهما الممثل جان فرنسوا بالمير. توضح لحود في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط».
وكان جميع الفنانين العالميين المشاركين في المهرجان قد أبدوا تجاوباً كبيراً لزيارة لبنان وإحياء مهرجان البستان».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».