«فارس ونجود»... لفتة تكريمية لسميرة توفيق على خشبة «مترو المدينة»

يستعيد معها اللبنانيون أجمل أغانيها

الفنانة اللبنانية سميرة توفيق
الفنانة اللبنانية سميرة توفيق
TT

«فارس ونجود»... لفتة تكريمية لسميرة توفيق على خشبة «مترو المدينة»

الفنانة اللبنانية سميرة توفيق
الفنانة اللبنانية سميرة توفيق

انطلاقا من أحد أشهر أعمالها التلفزيونية «فارس ونجود»، ستحضر أغاني الفنانة سميرة توفيق بصوت روزيت بركيل ضمن حفل يقام غدا على خشبة مسرح «مترو المدينة».
فهذا المسلسل المستوحى منه اسم الحفل كان قد لقي نجاحا كبيرا في السبعينات (1974)، عندما مثلته توفيق إلى جانب محمود سعيد. فشكلا ثنائيا معروفا في لبنان والعالم العربي، والتصق باسمها إلى حدّ جعله جزءا لا يتجزأ من مشوارها الفني.
ويأتي حفل «فارس ونجود» الذي يخرجه هشام جابر من ضمن سلسلة حفلات طربية تقدمها إدارة المسرح منذ سنوات لإحياء فن الزمن الجميل. فهو سبق أن قدم أمسيات غنائية لكل من الراحلة وداد ونصري شمس الدين ومحمد جمال وطروب ومنى مرعشلي وفريال كريم وغيرهم. وستقف الفنانة روزيت بركيل لنحو 90 دقيقة تؤدي أجمل أغاني الفنانة التي اشتهرت بغنائها اللون البدوي.
وتشير بركيل في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ هذا الحفل هو بمثابة لفتة تكريمية لفنانة لبنانية ذاع صيتها في العالمين العربي والغربي. فهي وقفت على أهم المسارح وصدح صوتها على خشبات عالمية مثل «أوبرا هاوس» الأسترالي. فقدمته مع الراحل وديع الصافي في أوائل السبعينات وحضره يومها الملكة البريطانية إليزابيت الثانية.
وتتابع روزيت بركيل: «لمسنا حاجة لتقديم هذا الحفل، لا سيما أن هذه الفنانة برأيي لم تأخذ حقها كغيرها من زملائها العمالقة، الذين استُذكروا بصورة دائمة في هذا النوع من الحفلات كالراحلين صباح ووديع الصافي وكذلك فيروز».
وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن «سميرة توفيق تملك جمهورا واسعا في لبنان يشتاق اليوم إلى سماع أغانيها من جديد. وهذا الأمر لمسناه في إحدى الأمسيات الغنائية التي سبق أن أقمناها على المسرح نفسه تحت عنوان (ريلاكس وانطر فاكس). فيومها أدينا إحدى أغانيها المندرجة على برنامج الحفل، فقامت الدنيا ولم تقعد من قبل جمهور تحمس وصفّق طويلا إعرابا عن حبّه الكبير لها».
وستؤدي روزيت بركيل في هذا الحفل مجموعة من أغاني سميرة توفيق لتتنقل بين محطات شهيرة لها في عالم الغناء منذ بداياتها حتى اليوم. «سيحتل اللون البدوي المساحة الكبرى من برنامج الأغاني وسنفتتح الحفل مع أغنية (آه يا لللي) لتكر بعدها سلسلة من أغانيها التي تربعت على عرش الساحة الغنائية لعقود متتالية». توضح بركيل في معرض حديثها.
ومن الأغاني الأخرى التي ستقدم في هذا الحفل «أنا حلوة وعارفة حالي» و«يا شاغل قلبي والعين» و«بسك جايي حارتنا» و«صبوا القهوة» و«بصارة وبراجة» وغيرها. أمّا مسك الختام فسيكون مع لوحة فولكلورية تتضمن إحدى أجمل أغانيها المعروفة «عالعين مولايتين و12 مولاية».
وعن كيفية تحضيرها لأغاني سميرة توفيق والصعوبة التي واجهتها خلال التمرينات عليها ترد روزيت بركيل: «لقد ترعرت في منزلي على أغاني الفنانين الأصلاء كناظم الغزالي وأم كلثوم ووديع الصافي وكذلك تلك التي تؤديها سميرة توفيق. ولذلك أملك ركيزة غنائية لا يستهان بها في هذا الموضوع، كما أنّ الصعوبة التي يواجهها كل من يرغب في الغناء لسميرة توفيق فهي تقنية أدائها للمواويل الطويلة. وهذا الأمر يتطلب مسؤولية كبيرة من قبل الفنان الذي يغني لها إذ كانت تتميز بالموال الطربي الممتع بعد أن أعطته حقه وساهمت في انتشاره».
ويرافق روزيت بركيل على المسرح فرقة موسيقية فيها عازفون على آلات الأكورديون والبزق والـ«كي بورد» وآلة المزمار التي كانت تطبع غالبية أغاني سميرة توفيق.
وسيرافق إطلالة الفنانة بركيل على المسرح الأزياء والإكسسوارات وطريقة الماكياج نفسها التي عرفت بها سميرة توفيق. «سأرتدي زي العباءة المقصبة المشهورة فيها، وأضع أقراط أذن ضخمة كانت تميز إطلالاتها على المسرح، كما سأستخدم كحلة الـ(آي لاينر) التي كانت معروفة بها». وتختم: «لن أحاول تقليدها بقدر ما سأحاول تقديم أسلوبها في الغناء. فسميرة توفيق صوت لبناني أصيل لن يتكرر ولا يستطيع أي فنان أن يكون نسخة طبق الأصل عنها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».