كأس العالم الموسعة للأندية ليست لخدمة كرة القدم بل لزيادة ثراء الأثرياء

جلست تيبي هيدرين على مقعد خارج المدرسة، ومن خلفها تجمعت مجموعة من الغربان بصورة تدريجية. أما هيدرين، فجلست تدخن سيجارة، بينما بدا ذهنها سارحاً باتجاه مكان بعيد. وبحلول اللحظة التي انتبهت فيها أخيراً لتحليق غراب فوق رأسها، كان الأوان قد فات. كانت الغربان تملأ الأسطح من خلفها وفوق الحواجز والأسوار بأعداد ضخمة، ولم يكن من الممكن تجنب الهجمات التي يتعرض لها الأطفال. كان هذا واحداً من أروع مشاهد رواية ألفريد هيتشكوك «الطيور»، وكذلك ما يحدث في كرة القدم الحديثة.
مع كل أسبوع، ترد معلومات تفصيلية أو إحصائية أو تقرير جديد حول مبادرة ما. وبصورة فردية، يمكن أن تتعرض هذه المبادرات للاستهانة والتقليل من قيمتها ـ فما الذي يثرثر عنه رئيس نادي يوفنتوس، أندريا أنيللي، ليل نهار هذه الأيام؟ وما الذي جعل رئيس «الفيفا»، جياني إنفانتينو، يحط من قدره أمام الحشد المجتمع في دافوس؟ وما السبب وراء إعادة تنظيم بطولة كأس السوبر الإسبانية بشكل جديد كدورة رباعية؟ وما الجدوى من دور المجموعات ببطولة دوري أبطال أوروبا؟
على امتداد قرابة عقد، هيمن على أربع بطولات للدوري في الدوريات الخمسة الكبرى على مستوى القارة الأوروبية ناد أو ناديان. وبلغت الفجوة بين الأندية الغنية والأخرى الفقيرة ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز قدراً من الضخامة لدرجة أن الأبطال يحصدون حالياً 95 نقطة أو أكثر، بينما في أكثر عن واحدة من كل ست مباريات يكون لدى أحد الفريقين نسبة استحواذ تقل عن 30 في المائة.
والملاحظ أن الأندية الغنية تزداد ثراءً في إطار بطولات الدوري، بينما بطولات الدوري الأكثر ثراءً تزداد ثراءً هي الأخرى مقارنة ببطولات الدوري الأخرى. وتشارك في الأدوار الإقصائية النهاية من بطولة دوري أبطال أوروبا هذا الموسم أندية من البطولات الأوروبية الخمس الكبرى بالنسبة للدوري. أما آخر 32 فريقاً مشاركا في بطولة دوري أوروبا، فتضم ثلاثة أندية فقط من شرق أوروبا.
علاوة على ذلك، فإن الفائزين بآخر أربع بطولات من كأس العالم جميعهم من قوى أوروبا الغربية الغنية (إنجلترا تعيسة الحظ الوحيدة التي لا تزال بعيدة عن هذا الإنجاز، لكن فريقها في تحسن). وينشأ اللاعبون داخل هذه الدول ولديهم منشآت وتجهيزات رفيعة المستوى داخل بيئة شديدة التنافسية، الأمر الذي ربما لا يخلو من مشكلات، لكنها تميل لإنتاج لاعبين بارعين ـ الأمر الذي تجلى في هيمنة إسبانيا وألمانيا على بطولات الناشئين التابعة لـ«يويفا».
ومع هذا، يطالب الأثرياء بالمزيد. وتواترت أنباء هذا الشهر عن رغبة رابطة الأندية الأوروبية في إضافة أربعة أيام للمباريات لدوري أبطال أوروبا. وفي غضون أسبوع، كان الإسباني جوسيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي يدعو لإلغاء بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة من أجل تخفيف الضغوط على اللاعبين. وربما لا يتفق مدرب سيتي مع الرابطة، لكن هذا الأمر لا يشكل أهمية تذكر.
وتتبع الخطط المطروحة لضمان انسيابية بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي نسقاً مشابهاً: فبعد أن جرى العمل على إثراء الأندية الغنية أساساً لدرجة جعلت الأندية الأصغر قادرة بالكاد على المنافسة، سيجري العمل الآن على تجريد الأندية الأصغر من المباريات التي تشكل مصدرا قيماً للدخل لها، كي تتمكن الأندية النخبوية من اللعب في مواجهة بعضها البعض بمعدل أكبر وجني مزيد من الأموال.
وهناك أيضاً بطولة كأس العالم للأندية، المقرر أن تبدأ في نسختها الجديدة الموسعة صيف 2021، ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت أندية أوروبية ستنافس بها، لكن هذه البطولة أجبرت بالفعل بطولة كأس الأمم الأفريقية على تعديل موعد انعقاد مواجهاتها من يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) إلى يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) لتجنب حدوث صدام بين البطولتين.
كان ذلك حتى العام الماضي، عندما كان يجري عقد بطولة كأس الأمم الأفريقية قبل نقلها إلى موعد آخر كي لا تتداخل مع مواسم أندية أوروبا الغربية.
من جانبه، يصر اتحاد الكرة الأفريقي، الذي تجري إدارته بصورة أساسية من جانب «الفيفا» منذ بداية أغسطس (آب) ـ على أن قرار تغيير موعد انعقاد البطولة يتعلق بالمناخ في الكاميرون في يونيو. إلا أنه في واقع الأمر لا يختلف المناخ في الكاميرون عن مناخ كوت ديفوار التي تستضيف بطولة عام 2023، ويبدو متوسط درجات الحرارة ومعدلات الرطوبة متطابقة تقريباً في ياوندي وأبيدجان، لكن معدل سقوط الأمطار في يونيو يعادل قرابة ضعف ما عليه الحال في أبيدجان. وإذا كان موسم الأمطار المشكلة الأساسية، فإن ثمة حجة أقوى بكثير لنقل مكان انعقاد بطولة 2023، إلا أن منتصف يناير 2023 يبعد ثلاثة أسابيع عن نهائي بطولة كأس العالم 2022 المقررة أيضا في الشتاء، ما يوحي هنا بأن كرة القدم الأفريقية لا تمثل محور اهتمام رئيسي للقائمين على مجال الكرة.
من جهتها، تحدثت «الفيفا»، تحت قيادة إنفانتينو وعلى نحو مبهم عن خطط تنظيم بطولة دوري أفريقية من أجل الحصول على دخل ورفع مستوى كرة القدم عبر أرجاء القارة وإبطاء وتيرة استنزاف مواهبها لصالح أوروبا. ويبدو هذا هدفاً نبيلاً وإذا ما ازدهرت بطولة كأس العالم للأندية التي تنظمها «الفيفا»، فإن هذا يستلزم مشاركة أندية قوية من مختلف أرجاء العالم. ومع هذا، فإن بطولة دوري «سوبر» تظل في جوهرها «سوبر»، ومع قليل من إمعان النظر يتضح أنها ستكون ذات تركيب مغلق، الأمر الذي يثير بدوره تساؤلاً ملحاً: إذا كنت فعلياً ترخص بتنظيم بطولة دوري عبر أفريقيا، فهل بإمكانك توفير تكلفة مشاركة الأهلي والزمالك وهارتس أوف أوك وكوتوكو وأورلاندو بايرتس وكايزر تشيفز أم أن التنافسات العظيمة التي شكلت قوة دافعة لكرة القدم الأفريقية على مدار أجيال ستتلاشى؟ ناهيك عن التأثير على الأندية الموجودة في مستويات أدنى من الهيكل الهرمي.
ومع هذا، ربما هذا التأثير سيحدث في كل الأحوال. إذا ما خاضت الأندية الأوروبية بطولة كأس العالم للأندية، فإن هذا سيتطلب مبالغ هائلة (والتي يثير مصدرها مجموعة من المسائل الأخلاقية المثيرة للقلق). ويدور الحديث اليوم حول 40 - 50 مليون جنيه إسترليني من أجل المشاركة فحسب، مع وجود مبلغ مالي مكافأة عند الفوز باللقب. ومن شأن ذلك توسيع الفجوة بين الأندية الغنية والأخرى الفقيرة في أوروبا، لكن في مناطق أخرى، وحتى لو حصلت على أندية تنتمي لاتحادات أخرى على أموال أقل، فإن التشويه الناجم سيكون مروعاً.
ودعونا نلقي نظرة هنا على مثال واحد فقط، فريق تي بي مازيمبي الذي فاز بسبع من آخر تسع بطولات دوري في جمهورية الكونغو الديمقراطية وثلاث من بين آخر 11 بطولة دوري أبطال أفريقيا، يحظى بموازنة سنوية تقدر بنحو 8.5 مليون جنيه إسترليني. إذن، ما الذي سيحدث لبطولة الدوري الكونغولية عندما يجري ضخ عائدات بطولة كأس العالم للأندية في خزائن النادي المهيمن على الكرة المحلية بالفعل؟.
ويتكرر ذات النموذج، وذات الإثراء المستمر للأثرياء بالفعل، وذات التخريب لبطولات الدوري المحلية في كل مكان. ومن الممكن أن يحدث على الصعيد العالمي. الواقع أن بطولة كأس العالم للأندية لا تتعلق بكرة القدم، وإنما بالربحية، لأن هذا محور كل شيء هذه الأيام، بما في ذلك المعركة الدائرة بين «الفيفا» و«اليويفا» على السيطرة ـ وبذلك نجد أن الهيئات الحاكمة لمجال كرة القدم تحولت إلى جهات متنافسة على الربح المالي.
إلا أن الناس لا يودون تصديق ذلك، وإنما يروق لهم الاعتقاد بأن ناديهم المفضل استثناءً. ويرغبون في مشاهدة المباريات والاستمتاع بها فحسب. ويتساءلون: ألم تكن الهيمنة دوماً من نصيب الأثرياء؟ نعم، لكن لم يصل الأمر قط إلى المستوى الحالي.
وقد يتساءل البعض: وماذا عن دونتيسك شاختار الذي يملكه رجل أعمال فاحش الثراء؟ نعم بالطبع هناك استثناءات، خاصة أن كرة القدم عشوائية بطبيعتها. وبالتأكيد اقتناص ليستر سيتي على بطولة الدوري الممتاز عام 2016 أعظم دعاية كانت تحلم بها الأندية فاحشة الثراء. إلا أن على الجميع الانتباه والنظر حوله وأن يسأل نفسه: هل هذه الصورة التي ترغبون أن تصبح عليها كرة القدم؟.