رسائل فرنسية للسلطات اللبنانية: الكرة في ملعبكم وعليكم تحمل مسؤولياتكم

TT

رسائل فرنسية للسلطات اللبنانية: الكرة في ملعبكم وعليكم تحمل مسؤولياتكم

مرة أخرى، تقرع باريس ناقوس الخطر بالنسبة للوضع اللبناني وتحث المسؤولين على تحمل مسؤولياتهم وتذكّرهم بما يتعين عليهم القيام به في حال رغبوا في الحصول على الدعم الخارجي. وهذه المرة، جاء التنبيه على لسان وزير الخارجية جان إيف لو دريان الذي اغتنم مناسبة تقديم التهاني للصحافة بمناسبة السنة الجديدة ليوجه مجموعة رسائل مباشرة تتعين إضافتها لما صدر عن رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون في 25 يناير (كانون الثاني) الجاري، وما جاء أيضاً في بيان رسمي لوزارة الخارجية قبل ذلك بيومين.
تتمثل الرسالة الأولى في إظهار أن باريس «مستعدة» للتعامل مع حكومة حسان دياب رغم الظروف التي أحاطت أولاً بتكليفه تشكيل الوزارة ثم تأليفها. وبرز ذلك في رفض لو دريان توصيف حكومة دياب واعتبارها «حكومة حزب الله». ولدى سؤاله عن ذلك، رد بقوله: «لا يعود لي إطلاق أحكام على الحكومة وننتظر البيان الوزاري». وتشير مصادر رسمية فرنسية سبق أن تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، بعد تشكيل الحكومة، إلى رغبة باريس وحرصها على الخروج من حالة الفراغ المؤسساتي الذي نتج عن استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، واعتبارها أن الأوضاع في لبنان تحتاج لوجود سلطات مسؤولة رغم وعيها بالقيود التي تتحكم بممارستها وأدائها. وأخيراً، فإن باريس ترى أن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان يتطلب وجود حكومة تتخذ القرارات المطلوبة وتوقف الانحدار إلى الهاوية.
وتتمثل الرسالة الثانية في إفهام الحكومة اللبنانية أن الموقف «المتساهل» لباريس ومعها «مجموعة الدعم للبنان» التي عقدت اجتماعين في فرنسا بناء على طلبها وآخرهما في 11 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لا يعني أبداً منح الحكومة الجديدة أو العهد «شيكاً على بياض». وقال لو دريان في هذا الإطار: «الكرة الآن في ملعب اللبنانيين وعلى الحكومة اتخاذ الإجراءات التي نصّ عليها اجتماع باريس لدعم لبنان». وبكلام صريح للغاية قال لو دريان: «لقد وضعنا خلال الاجتماعين (لمجموعة الدعم للبنان) على الطاولة ما يمكن أن نقوم به، وقلنا للسلطات اللبنانية إنه يتعين عليها أن تعي خطورة الوضع وما عليها أن تبادر به من تدابير وإصلاحات ضرورية»، ليخلص إلى التنبيه بأن «الكرة في ملعب اللبنانيين».
ومن هنا، ترفض باريس إطلاق الأحكام بانتظار ظهور صورة المرحلة الأولى من خلال البيان الوزاري المفترض أن تخرج به الحكومة الجديدة في الأيام القليلة المقبلة. أما المرحلة الثانية فعنوانها «تنفيذ الإصلاحات الضرورية (التي يمكن اعتبارها) من أجل بقاء لبنان بالنظر لصعوبة الوضع». عندها وعندها فقط، يضيف وزير الخارجية: «سنقوم بالتعبير عن موقفنا».
قبل أيام قليلة، أعلن الرئيس ماكرون استعداد بلاده «للقيام بكل ما هو ممكن من أجل مساعدة لبنان» الذي حضه على القيام بالإصلاحات. وحتى تكون الأمور بالغة الوضوح، عمدت الخارجية الفرنسية في بيانها إلى تفصيل ما تنتظره الأسرة الدولية من السلطات اللبنانية. وجاء فيه ما يلي: «لا بد من إطلاق إصلاحات جذرية وطموحة تستهدف بصورة خاصة شفافية الاقتصاد، والاستدامة الاقتصادية والمالية، ومكافحة الفساد، واستقلالية القضاء». وتضيف باريس ضرورة الاستجابة لمطالب الحراك، مع الحرص على تأكيد «حرصها على سيادة لبنان واستقراره وأمنه، وعلى ضرورة إبعاده عن الأزمات الحالية في سياق تشتد فيه التوترات الإقليمية».
وتبقى الرسالة الثالثة وعنوانها أنه يتعين على المسؤولين اللبنانيين ألا يتهربوا من مسؤولياتهم وأن «يكونوا حاضرين» في الاستجابة لما هو مطلوب منهم إذا أرادوا حقيقة أن ينقذوا بلدهم مما آل إليه. بيد أن مصادر فرنسية تبدو «متشككة» لجهة ما سيصدر عن الطبقة السياسية التي تحملها مسؤولية ما وصل إليه الوضع، لكنها مضطرة للتعامل معها بحكم الأمر الواقع وبالنظر للاعتبارات المشار إليها سابقاً. والسؤال المطروح فرنسياً: «هل ستنجح هذه الطبقة في أن تضع حداً لسير البلاد نحو الهاوية؟ أم أن تجذّر الممارسات غير المسؤولة والاعتبارات الداخلية والخارجية سيمنعانها من أن تواجه لحظة الحقيقة التي لم يعد هناك مفر من مواجهتها؟».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.