نقاط حساسة أمام مفاوضي اتفاق «سد النهضة»

يلتقي ممثلو مصر وإثيوبيا والسودان، خلال أيام، في محاولة لإتمام اتفاق شامل بشأن قواعد ملء وتشغيل «سد النهضة» الإثيوبي، بما يخفف أضراراً متوقعة على دولتي المصب (مصر والسودان). ورغم التقدم المُعلن في المفاوضات، بفضل الرعاية الأميركية، إلا أن ثمة معوقات صعبة، تستدعي مرونة كبيرة من الأطراف كافة للتغلب عليها، قبيل الموعد المحدد لإعلان الاتفاق النهائي أواخر الشهر الحالي في واشنطن، بينها تحديد الحد الأدنى لكمية المياه المتدفقة لمصر، ووضع تعريفات دقيقة لـ«الجفاف والجفاف الممتد»، وآليات واضحة لضمان تفسير وتنفيذ الاتفاق، حسب خبراء.
وأعلنت الدول الثلاث، إضافة إلى الولايات المتحدة والبنك الدولي، في بيان مشترك، الأربعاء الماضي، التوافق على نقاط أساسية كنواة لاتفاق نهائي شامل بشأن ملء السد وتشغيله. وأشارت إلى أنها ستجتمع مجدداً 28 و29 يناير (كانون الثاني) الحالي في واشنطن لتذليل العقبات المتبقية والتوصّل إلى اتفاق.
وتستضيف الخرطوم، الأربعاء والخميس المقبلين، اجتماعاً وُصف بأنه «قانوني - فني» للجان من الدول الثلاث، لإعداد مسودة أولية للاتفاق. وبالتزامن، تلقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، وعداً أميركياً بنجاح المفاوضات والخروج بنتائج «إيجابية وعادلة» تحفظ حقوق مصر وجميع الأطراف.
وجاءت التطمينات الأميركية خلال لقاء السيسي، أمس، وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو، على هامش اجتماع دولي لبحث الأزمة الليبية في برلين. وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، إن اللقاء تطرق إلى ملف «سد النهضة». وثمّن السيسي «جهود الولايات المتحدة في رعاية المفاوضات»، معرباً عن «تطلعه لاستمرار الدور الأميركي في هذا السياق وصولاً إلى بلورة اتفاق شامل يحفظ حقوق مصر التاريخية في مياه النيل».
ونقل المتحدث المصري، في بيان، عن وزير الخارجية الأميركي، «اهتمام وحرص الإدارة الأميركية على نجاح تلك المفاوضات للخروج بنتائج إيجابية وعادلة تحفظ حقوق مصر، وكذلك جميع الأطراف». وكذلك «التزام الإدارة الأميركية بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر في مختلف المجالات، ودعم جهودها لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وتسوية الأزمات في منطقة الشرق الأوسط».
وتدشن إثيوبيا السد منذ 2011 على النيل الأزرق (الرافد الرئيسي لنهر النيل في مصر) بهدف توليد الكهرباء. وتخشى مصر من تأثير السد على حصتها من المياه البالغة 55.5 مليار متر مكعب، التي تعتمد عليها بأكثر من 90 في المائة.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور حمدي عبد الرحمن، أنه «رغم التحول اللافت في مسار المفاوضات» التي سبق إعلان فشلها أكثر من مرة، «فإن التوافق حول نقاط أساسية لا يعني حسم القضايا الخلافية كافة، فالغموض لا يزال يكتنف التفاصيل».
ونوه عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إلى ضرورة أن تحدد المفاوضات الفنية المقبلة، شرحاً تفصيلياً لـ«الظروف الهيدرولوجية لمياه النيل الأزرق، وماهية التدابير المناسبة التي تتخذها إثيوبيا لتخفيف أي أضرار تقع على مصر والسودان في فترات الجفاف والجفاف الممتد».
وتضمن الإعلان المشترك التوافق على ملء السد على مراحل، خلال موسم الأمطار الذي يبدأ من يوليو (تموز) إلى أغسطس (آب)، وقد يستمر إلى سبتمبر (أيلول)، بطريقة «تكيفية وتعاونية» تأخذ في الاعتبار «الظروف الهيدرولوجية للنيل الأزرق والتأثير المحتمل للتعبئة على الخزانات الموجودة في اتجاه مجرى النهر»، من دون تحديد أي تفاصيل.
ويرى وزير الموارد المائية المصري الأسبق محمود أبو زيد، أن «مهمة المفاوض المصري والإثيوبي، خلال الأيام المتبقية، هي الأصعب، لأنهما مطالبان بتحديد التفاصيل، فالاتفاق لا يتضمن مدة زمنية معينة لملء السد، واستبدالها بالنص على مراحل تتوقف على حجم الفيضان، واستغلال الأشهر الممطرة، كما أن هناك طرقاً مختلفة لتقدير حجم الفيضان بين البلدان الثلاثة، لذلك يجب وضع محددات علمية للاستناد إليها». وأضاف أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»، أيضاً، أن «الجفاف الممتد أزمة كبرى. ننتظر نصوصاً واضحة للتعامل معه، فقد يمتد إلى 7 سنوات».
ووفقاً للاتفاق، فإن مرحلة الملء الأولى تضمن الوصول السريع لمستوى 595 متراً في بحيرة السد، ما يسمح بالتوليد المبكر للكهرباء. وتشير خبيرة الشؤون الأفريقية الدكتورة نجلاء مرعي، إلى أن «مصر طالبت في البداية بتخصيص 40 مليار متر مكعب من المياه لها سنوياً طيلة سنوات الملء، والحفاظ على منسوب المياه ببحيرة ناصر عند 165 متراً لضمان تشغيل السد العالي وتوليد الكهرباء، وتلبية احتياجاتها المائية في سنوات الجفاف، بينما تجاهل الاتفاق ذلك، ومن ثم فإن من الضروري، خلال الفترة المتبقية، وضع تفسير لنصوص الاتفاق، بما يحقق تلك المطالب ويضمن تنفيذها».
وأكدت مرعي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «بجانب ضمان التدفق المائي لمصر والسودان، لا يجب إغفال المشكلات التي أُعلن عنها في عملية بناء السد، وحتمية استكمال الدراسات الفنية للمشروع، وهو ما يجب التركيز عليه في المرحلة المقبلة».